وقف الأمة وحماس: قراءة هادئة في البيانات المنسوبة للحركة وتداعياتها

IMG ٢٠٢٥١١١٦ ١٥٤٥٤٧

منذ أن انتشرت بيانات منسوبة إلى حركة حماس تتحدث عن رفع الغطاء عن “وقف الأمة” وبعض المؤسسات المرتبطة به، بدا واضحًا أن القضية أوسع من خلاف إداري، وأعمق من مجرد جدل حول مسارات جمع التبرعات.

فالوثائق المتداولة لا تشبه حملات الإعلام، بل تحمل طابعًا تنظيميًا داخليًا. وفي المقابل، واصل وقف الأمة نشاطه دون اكتراث ظاهر، وحشد علماء بارزين، وأطلق حملات تبرع واسعة، وهو ما فتح الباب أمام أسئلة عديدة حول طبيعة الطرفين وحدود كل منهما.

أولًا: حول حقيقة البيانات المنسوبة للحركة

الوثائق التي انتشرت عبر منصات عربية – أبرزها قدس اليومية وصوت بيروت إنترناشونال – تحمل الصياغة المعهودة في المخاطبات التنظيمية للحركة:

  • لغة إدارية منضبطة.
  • بنية بيروقراطية مألوفة.
  • عدم صدور نفي رسمي عنها.

لذلك يمكن القول إنها مرجَّح صدورها من جهات داخل الحركة، وإن لم تصدر عن أعلى مستوى قيادي، وهذا ما يفسّر غيابها عن المنصة المركزية الرسمية.

ثانيًا: لماذا تجاهل وقف الأمة هذه البيانات؟

يمكن تفسير هذا التجاهل بثلاثة احتمالات:

١. البيانات قد لا تمثل القيادة العليا.

الحركة ذات مستويات متعددة للقرار، وقد تصدر توجيهات من لجان داخلية لا تحظى بإجماع كامل أو تبنٍّ شامل.

٢. وجود صراع داخلي في الحركة حول السيطرة المالية.

بعد طوفان الأقصى، تحوّل وقف الأمة إلى مركز مالي واسع التأثير. تيارات داخل الحركة ترى أن هذا الاستقلال قد يمسّ مسارات التمويل التي ترغب بضبطها، ما يفسّر صدور بيانات منسوبة للحركة تطالب بوقف التعامل مع بعض المؤسسات.

٣. وقف الأمة يمتلك استقلالًا يجعله فوق مستوى التوجيه المحلي.

الوقف شبكة عالمية ترتبط بمؤسسات وهيئات دعوية عابرة للحدود، ما يمنحه شرعية تنظيمية أوسع. ولهذا بدا موقفه أقرب إلى القول: لسنا مؤسسة تتلقى الأوامر، ولا نعترف إلا بشرعية الجماعة، لا بشرعية المكاتب التنظيمية.

ثالثًا: علاقة الوقف بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين

وقف الأمة منذ سنوات يقع ضمن شبكة عالمية تضم: هيئات العلماء المرتبطة بالجماعة، شخصيات دعوية ذات حضور عالمي، مؤسسات مالية وإغاثية عابرة للحدود.

هذا الارتباط يمنحه:

  • شرعية جماعية.
  • حماية خارج البنية المحلية.
  • قدرة على الاستمرار حتى في ظل التوترات التنظيمية.

ولذلك فإن أي بيانات منسوبة للحركة لا تكون بالضرورة ملزمة له، ما دامت لا تصدر عن القيادة العليا أو عبر قناة مركزية واضحة.

النتيجة

البيانات المنسوبة للحركة غير مفبركة على الأرجح، لكنها تبدو صادرة من مستوى تنظيمي داخل الحركة، لا من قيادتها العليا.

وقف الأمة تجاهلها لأنه يدرك ذلك. ويبدو أنه يوجد داخل الحركة تياران:

  • تيار يريد ضبط التمويل ومركزة القرار.
  • وتيار يرتبط بالامتداد العالمي للجماعة.

الوقف يستند إلى شرعية جماعية خارج غزة، ما يجعله قادرًا على تحدي أي بيان محلي منسوب للحركة.

يبدو أننا أمام صراع نفوذ داخل الحركة، وصراع نفوذ بينها وبين الوقف، وصراع نفوذ داخل البنية العالمية للجماعة نفسها.

خاتمة

ما جرى يكشف ملامح مرحلة جديدة تتقاطع فيها الأطر المحلية مع الامتدادات العالمية، وتتحرك فيها المؤسسات وفق حدود نفوذها ودوائر شرعيتها.

ورغم تعقيد المشهد، فإن قراءته بهدوء تكفي لرؤية خطوطه الأساسية دون مبالغة:

فالأزمة ليست إلا تعبيرًا عن توازنات قديمة خرجت إلى السطح بعد سنوات من العمل الصامت، وكل طرف يتحرك اليوم ضمن المساحة التي يراها حقًا له، وبالأدوات التي يملكها.

والأرجح أن التفاصيل ستتكشّف مع الوقت، لكن يكفي الآن تثبيت ما ظهر دون الانجرار إلى ما خفي، فلكل مرحلة نصيبها من الوضوح حين يكتمل سياقها.

نقلا عن قناة خالد سلام.

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا