في خضم التطورات الأخيرة التي تشير إلى اعتراف الاحتلال الإسرائيلي بإقليم “أرض الصومال” (صومالي لاند) كجمهورية مستقلة، برزت إلى الواجهة وثيقة تاريخية تلقي ضوءاً كاشفاً على عمق وطبيعة العلاقات التي سعت الإدارة الانفصالية لإقامتها مع تل أبيب قبل ثلاثة عقود.
الوثيقة عبارة عن رسالة (فاكس) أرسلها الرئيس الأسبق لإدارة صومالي لاند، محمد إبراهيم عقال، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إسحاق رابين، بتاريخ 3 يوليو 1995، تحت عنوان صريح: “إقامة شراكة استراتيجية مع دولة إسرائيل”.
نداء استراتيجي لمواجهة “النفوذ الإسلامي”
لا تقتصر الرسالة على مجرد طلب إقامة علاقات ودية، بل هي نداء استراتيجي عاجل مبني على رؤية مشتركة للتهديدات الجيوسياسية في المنطقة. يستهل محمد إبراهيم عقال رسالته بالإعراب عن إعجابه بـ “دولة إسرائيل وشجاعة شعبها”، مهنئاً إياهم على “صمودهم وقوتهم وحنكتهم التي أجبرت خصومهم في نهاية المطاف على عقد السلام”.
لكن جوهر الرسالة يتمحور حول ما وصفه عقال بـ “التهديد الأشد فتكاً وضراوة” الذي يواجه القرن الأفريقي، وهو “النفوذ الإسلامي المتنامي”. ويؤكد عقال أن هذا الخطر، في رأيه، يفوق خطر الشيوعية الذي تلاشى بعد الحرب الباردة.
“إننا في القرن الأفريقي نواجه تهديدًا أشدّ فتكًا وضراوة، يتمثل في النفوذ الإسلامي المتنامي… إن الاضطرابات السياسية التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي، وانعدام الاستقرار في المنطقة، قد تتفاقم إذا لم يتم كبح جماح التطرف الإسلامي أو احتواؤه في أقرب وقت.”
ويحذر عقال من أن وقوع هذه المنطقة الاستراتيجية، القريبة من طرق النفط ومضيق باب المندب، تحت سيطرة “الأنظمة الموالية للإسلام” سيؤثر سلباً على الأمن القومي لدولة إسرائيل وأمن دول أخرى في المنطقة. وقد أشار بشكل خاص إلى تزايد نفوذ السعودية واليمن الموالي للإسلام، بالإضافة إلى تدخل دول وصفها بـ “المنبوذة” مثل إيران وليبيا في شؤون بلاده.
“منارة للديمقراطية” ترفض الشريعة
في محاولة لتعزيز موقفه أمام رابين، يشدد عقال على الهوية العلمانية التي تسعى إدارته لترسيخها، مناقضاً بذلك التيار الإسلامي الذي يخشاه.
ويقدم عقال مثالاً على ما سيحدث إذا نجحت “قوى الإسلام المتطرفة” في فرض نظامها، مشيراً إلى الأوضاع في مقديشو حيث تُنتهك حقوق الإنسان وتُطبق عقوبات وحشية مثل الرجم وقطع الأطراف.
طلب دعم عسكري وسياسي واقتصادي
في ختام رسالته، يقر عقال بأن مهمة التغلب على “الخصوم الإسلاميين” شاقة، مشبهاً إياها بـ “داود في مواجهة جالوت”. ولتحقيق ذلك، طلب عقال دعماً ومساعدة من إسرائيل في مجالات محددة:
- المعدات العسكرية وخبراء مكافحة التمرد.
2. الدعم لإجراء استفتاء على مسألة الاستقلال في نهاية عام 1996 أو بداية عام 1997.
3. مساعدات الإغاثة وإعادة التأهيل، بالإضافة إلى مستشارين تنمويين وخبرات في مجال استغلال النفط والمعادن.
ويختتم عقال رسالته بعبارة ذات دلالة سياسية لافتة، حيث يوقعها بـ: “يشرفني أن أبقى خادمكم المطيع، محمد إبراهيم عقال، رئيس جمهورية أرض الصومال”.
هذه العبارة، التي تعكس أقصى درجات التبعية والولاء الدبلوماسي، تبرز حجم الضغط الذي كانت تشعر به الإدارة الانفصالية آنذاك، واستعدادها لتقديم أقصى التنازلات في سبيل الحصول على الدعم الإسرائيلي لمواجهة ما اعتبرته تهديداً وجودياً.
تظل هذه الرسالة، التي تعود إلى عام 1995، وثيقة محورية لفهم الخلفيات التاريخية والتحالفات الاستراتيجية التي تسعى إليها إدارة صومالي لاند، والتي قد تفسر جزئياً الاهتمام الإسرائيلي المتجدد بالإقليم في الوقت الراهن.

محمد إبراهيم عقال
نص الرسالة
النص الكامل للرسالة مترجمة للعربية من أصل أنجليزي:
جمهورية أرض الصومال
رئاسة الجمهورية
مرجعنا: SLR/PO/ISPMI/7/95
3 يوليو/تموز 1995
هرجيسا
معالي رئيس وزراء إسرائيل
السيد إسحاق رابين
هاكيريا، القدس، إسرائيل
معاليكم،
الموضوع: إقامة شراكة استراتيجية مع دولة إسرائيل
بصفتي رئيسًا لجمهورية أرض الصومال، ومُعجبًا بدولة إسرائيل وشجاعة شعبها، أرجو أن تتقبلوا خالص تحياتي وأطيب تهاني شعبي لكم، ولحكومة إسرائيل، ولرئيسكم، ولشعب إسرائيل، على صمودهم وقوتهم وحنكتهم التي أجبرت خصومهم في نهاية المطاف على عقد السلام مع دولة إسرائيل. ويشرفني أن أمثل شعب أرض الصومال ودولتها الناشئة في هذه الفرصة للسعي إلى إقامة علاقات ودية واستراتيجية مع دولة إسرائيل.
ومن الجدير بالذكر أن بلدينا تربطهما علاقات متينة منذ القدم. يدلّ على هذه الروابط التاريخية، الممتدة إلى ما قبل ظهور الإسلام وحتى يومنا هذا، تأثير الثقافة العبرية في أرض الصومال، وكيف تحظى الأساطير اليهودية وقواها الخارقة بالتقدير والاحترام. إضافةً إلى ذلك، يُقدّر شعب أرض الصومال، إذ لا تزال ذاكرته راسخةً، أن إسرائيل كانت من بين الدول الثلاث الأولى التي اعترفت بأرض الصومال بعد إعلانها استقلالها عن بريطانيا في 26 يونيو 1960. لكن هذا الاستقلال لم يدم سوى أربعة أيام، إذ دخلت أرض الصومال في اتحاد طوعي مع إقليم الصومال الخاضع لوصاية الأمم المتحدة في 1 يوليو 1960، على أمل إنشاء الصومال الكبرى.
بعد خمسة وثلاثين عامًا بالضبط، تبددت أحلام الصومال الكبرى. ففي ظل الاتحاد مع الصومال، وجدت أرض الصومال نفسها أسيرة بائسة في دولة قاسية مدمرة معادية. في الواقع، كان هذا الاتحاد هو الذي بلغ ذروته في النظام الاستبدادي والقمعي للراحل سياد بري، والذي تسبب في المعاناة الهائلة والمجاعة والدمار الذي شهده العالم، ولاحظه بوضوح، خلال السنوات الخمس الماضية. لقد نبذ شعب أرض الصومال هذا الاتحاد في مايو 1991 واستعاد كيانه السيادي المستقل، ولن يثنيه شيء عن قراره بالتحرر من عبودية الصومال.
وقد قام نائب رئيس أرض الصومال ووزير خارجيتها مؤخرًا بزيارة رسمية إلى إريتريا، حيث التقيا هناك بفخامة الرئيس… أشاد أرييل كيرم، سفير إسرائيل لدى إريتريا، بجهودي ونصائحي القيّمة، واقترح عليّ، بصفتي رئيس أرض الصومال، أن أكتب شخصيًا إلى فخامة رئيس وزراء إسرائيل، لأُطلعكم على رغبة أرض الصومال في إقامة علاقة من طرف واحد مع دولة إسرائيل، قائمة على شراكة استراتيجية، ولأُطلعكم على مخاوف حكومتي إزاء الخطر المُقلق الناجم عن تنامي النفوذ الإسلامي في منطقتنا الاستراتيجية.
وكما تعلمون، فقد أقرّ كلا الجانبين (الشرق والغرب) بأهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي للصومال في ذروة الحرب الباردة. أما اليوم، ورغم انتصار الغرب في الحرب الباردة، وتلاشي خطر الشيوعية في أجزاء كثيرة من العالم، فإننا في القرن الأفريقي نواجه تهديدًا أشدّ فتكًا وضراوة، يتمثل في النفوذ الإسلامي المتنامي. من الصحيح القول إن دولة إسرائيل وشعبها ربما أكثر وعياً وإدراكاً لمثل هذه التهديدات من معظم الدول الأخرى، ويدركون مدى خطورة انتشار النفوذ الإسلامي وتأثيره المدمر على المنطقة بأسرها.
إن الاضطرابات السياسية التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي، وانعدام الاستقرار في المنطقة، قد تتفاقم إذا لم يتم كبح جماح التطرف الإسلامي أو احتواؤه في أقرب وقت. ويتعزز قلق أرض الصومال بتزايد نفوذ السعودية واليمن الموالي للإسلام، لا سيما بعد أن سحقت محاولة اليمن الجنوبي الشجاعة للانفصال عن الشمال. ولما تبين أن إريتريا لا ترغب في أن تكون تابعة للعرب، فإن صنعاء والرياض، وكذلك الخرطوم (ناهيك عن تدخل دول منبوذة كإيران وليبيا في الشؤون الداخلية لبلادي)، توجه جهودها الآن لإجبار أرض الصومال على التنازل عن استقلالها أو سحبه، بهدف إقامة دولة صومالية موالية للإسلام (ضمن نظام صومالي فيدرالي). سيؤدي هذا بلا شك إلى سيطرة الأنظمة الموالية للإسلام على سواحل البحر الأحمر الشمالية والجنوبية، باستثناء إريتريا وجيبوتي الصغيرة التي لا تُعتبر ذات أهمية تُذكر، مما يجعل المنطقة بأكملها مرتعًا للنفوذ الإسلامي.
صاحب السعادة، تؤمن حكومتي إيمانًا راسخًا بأن هذه المنطقة، نظرًا لأهميتها الجيوسياسية الاستراتيجية لقربها من طرق النفط ومدخل باب المندب الضيق، وإضافة لقربها من الخليج العربي والشرق الأوسط، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي على المحيط الهندي، سيكون من الضار للغاية أن تقع هذه المنطقة الاستراتيجية بالكامل تقريباً تحت سيطرة الأنظمة الموالية للإسلام. ولا شك أن هذا يُعدّ احتمالاً خطيراً سيؤثر سلباً على الأمن القومي لدولة إسرائيل، وعلى أمن دول أخرى في القرن الأفريقي التي تسعى جاهدة للتعافي من سنوات، إن لم تكن عقوداً، من الكوارث الطبيعية والبشرية، كالحروب الأهلية والانقلابات العسكرية والجفاف والمجاعات، وغيرها. إضافةً إلى ذلك، ونظراً لعدم استقرار دول المنطقة سياسياً، فإن توغل النفوذ الإسلامي سيُزعزع استقرارها بلا شك. فعلى سبيل المثال، في إثيوبيا، بتنوعها القومي، ولا سيما مع وجود عدد كبير من المسلمين، سيُشكل توسع نفوذ الإسلاميين في المنطقة بؤرةً للتوتر، قادرة على إشعال فتيل الصراع في المنطقة بأسرها.
… على الرغم من أن أكثر من 98% من سكان أرض الصومال مسلمون، إلا أنهم يرفضون بشدة تبني الشريعة الإسلامية القديمة كأسلوب حياة وحكم. في المقابل، تعتزم حكومتي جعل أرض الصومال منارة للديمقراطية وواحة للاستقرار في هذه المنطقة المضطربة. لكن من غير المرجح أن يتحقق ذلك في ظل الظروف الراهنة، إذ نواجه وكلاء إسلاميين أقوياء ونافذين، هدفهم الأساسي إخماد هذا الأمل الزائف. ويمكننا أن نرى اليوم في مقديشو مثالاً لما سيحدث إذا نجحت قوى الإسلام المتطرفة في فرض نظام عفا عليه الزمن، حيث تُدار البلاد بحكم الأمر الواقع من قبل تحالف من الوكلاء الإسلاميين وجماعات قبلية، بقيادة الجنرال عيديد، الذي كان قبل فترة وجيزة أمير حرب هارباً من الأمم المتحدة/دولياً، حيث ينتهك الوكلاء الإسلاميون حقوق الإنسان دون رادع، ويُرجم الناس حتى الموت لمجرد ارتكابهم الزنا. وتُقطع الأطراف لأسباب تافهة كالسرقة والسطو بطريقة وحشية لا إنسانية وغير حضارية. وقد انتهت حكومتي، بدلاً من فرض الشريعة الإسلامية على شعبنا، من صياغة دستور علماني جديد يتسم بالليبرالية والبساطة، لأني أدرك أن الشريعة لا تلبي احتياجات شعبي الذي يطمح إلى بناء مجتمع حديث.
إن أنصار الإسلام السياسي مصممون على نشر نفوذهم وتفسيرهم الخاص للإسلام في المنطقة، ويستغلون معاناة شعب أرض الصومال. هؤلاء الإسلاميون هم من يحركهم حقد لا حدود له، حتى أنهم قد يبررون جرائم المحرقة النازية. لا يكترثون لحاجة الشعب الصومالي الماسة، فكل ما يهمهم هو تحقيق مآربهم، وهم يضخون الأسلحة والأموال لإقامة نظام إسلامي في بلادنا، وإنشاء المزيد من الوكلاء الإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة. أسلوبهم المعتاد هو استغلال محنة الناس وفرض أنظمة إسلامية غير ملائمة عليهم دون علمهم.
تبذل أرض الصومال قصارى جهدها لتكون حصنًا منيعًا ضد انتشار الأصولية الإسلامية، وتعتبر هذا الأمر قضية دولية، لذا نرجو من فخامتكم استخدام مساعيكم الحميدة ونفوذكم الكبير في الغرب، وخاصة في الولايات المتحدة، لتنبيههم إلى الوضع الخطير الذي يتطور في هذه المنطقة، حتى لا يقفوا مكتوفي الأيدي بينما تُهدد مصالحهم الوطنية والدولية. أنا على يقين تام بأن الدول العربية المذكورة أعلاه، بالإضافة إلى إيران، ستُثير المشاعر الإسلامية والعربية ضد إقامة أرض الصومال شراكة ودية واستراتيجية مع دولة إسرائيل، وبالتالي قد تستخدم هذا ذريعةً لتأجيج الوضع داخل أرض الصومال وخارجها. مع ذلك، يجب أن تعلم هذه الدول أن حكومتي لا تتلاعب بالعواطف الفارغة، كما تفعل غالبًا، بل تُمارس البراغماتية والسياسة الواقعية لمصلحة شعبها وبلادها.
يواجه شعب أرض الصومال مهمة شاقة ومعقدة للتغلب على خصومه الإسلاميين واحتواء توغل النفوذ الإسلامي، فبالنظر إلى قوتهم، فإننا نشبه داود في مواجهة جالوت، ولكن كما كانت إسرائيل في مواجهة قوى هائلة عندما هزمت العرب في ثلاث حروب كبرى. وللتغلب على هذه المهمة الشاقة، تحتاج حكومتي إلى دعم ومساعدة دولة إسرائيل، ليس فقط للدفاع عن دولتنا الناشئة من خطر القوى المظلمة الموالية للإسلام، بل أيضاً في مجال الإغاثة وإعادة التأهيل وإعادة بناء هذا البلد المنكوب. وفي هذا الصدد، لدى حكومتي عدد من المجالات ذات الأولوية التي تُعد فيها مساعدة فخامتكم أساسية لشعب أرض الصومال، ومنها:
أولاً، المعدات العسكرية وخبراء مكافحة التمرد.
ثانياً، إجراء استفتاء على مسألة الاستقلال في نهاية عام 1996 أو بداية عام 1997.
ثالثاً، مساعدات الإغاثة وإعادة التأهيل، فضلاً عن مستشارين تنمويين وخبرات في مجال استغلال النفط والمعادن.
شعب أرض الصومال يثق تمامًا بحكومته ويدعمني بكل قوة في هذا القرار التاريخي بإقامة شراكة استراتيجية مع دولة إسرائيل، وأنا عازم على تحقيقها.
سلام،
يشرفني أن أبقى خادمكم المطيع
محمد إبراهيم عقال
رئيس
جمهورية أرض الصومال




اترك تعليقاً