بمناسبة لقاء أحمد الشرع مع بوتين، أعاد د. محمد الأمين الوغليسي نشر مقالة سابقة له وقال: «نعيد التذكير بهذه المقالة التي تشرح ما سيحدث في منطقتنا، وهو قادم لا محالة؛ حيث تتضخم مشاعر القومية وتتوحش، وتتغوّل البراغماتية وتخرج عن السيطرة.
وأرى أن ما سيحدث طبيعي قبل الصدام التاريخي الملحمي والأخير الذي ستشهده البشرية قبل أن ينتهي عصر الجبر الذي جاءت به دولة ويستفاليا وقرون الشتات الأوروبي، وحركة الاستعمار: صدام القوميّة والدين، والذي سيجعل كل الحروب الماضية في العالم لا شيء أمام أهوال تلك الأيام التي يخبئها المستقبل.»
نص المقالة التي نُشرت في 2024
نحن مقبلون على تغيرات هائلة على المستوى الفكري في العالم العربي وبشكل لم يحدث منذ 70 سنة.
الآن؛ تراقب كل الشعوب العربية والإسلامية سوريا الجديدة، وأبرز الانعطافات الفكرية التي ستغير تفكير شعوب العالم العربي والإسلامي هي:
- التوجه الرسمي والشعبي داخل سوريا نحو تعزيز (الشعور القومي)؛ أي أولوية ما داخل الحدود على ما خارجها. (وهذا مقبول عند الشعب السوري طبعا؛ ولن يتقبل غير ذلك في هذه المرحلة رغم مزايدات جماعة حلو عنا).
- ترسخ البراغماتية في التعامل مع كل القضايا الدولية:
حين يرى العالم العربي والإسلامي أن التيار الثوري (المنطلق من خلفيات إسلامية) في سوريا يبدي استعدادا للتعامل مثلا: حتى مع روسيا، وقواعدها العسكرية بمرونة، ويوجه خطابات التطمين إلى الغرب وإلى إسرائيل، مع تعزيز الشعور القومي، سيحدث ما حدث في:
كوسوفو، وأذربيجان والشيشان.
لماذا ذكرت كوسوفو: يرى الكوسوفيون الذين وقفوا مع إسرائيل ضد غزة، أن من حقهم دعم من أنقذهم (الناتو) وإهمال من خذلهم (العرب)، وهذا كلام سمعته من أحزاب علمانية كوسوفية وشخصيات “إسلامية” ورسمية في كوسوفو.
أما أذربيجان؛ فهي دولة حليفة لإسرائيل، وللأخيرة قواعد عسكرية واستخباراتية في أذربيجان على حدود إيران، وهي من أهم مصدري السلاح إلى باكو. وفي حرب غزة، وقف الأذر ضد غزة وخرجوا في مظاهرات ضد (الطوفان) ودعما لنتن ياهو.
أما الشيشان، فبالمنطق الجديد، يعتبر أحمد قاديروف وابنه رمضان (الحاكم الحالي) أبطالا بعدما أوقفا الحرب، وأصبح معهما حق تام (بهذا المنطق) في وصف المقاومة بالإرهاب والعبث، خاصة مع تحقيقهم الاستقرار والسلام مع روسيا وجلبهم الأموال والاستثمارات.
النتيجة: أن العربي والمسلم سيقول في السنوات القادمة: دولتي وشعبي قبل أي انتماء آخر، وسيجد مبررات لبراغماتية الدولة، ولن يجد حرجا في التطبيع مثلا، أو عن سكوت دولته عن قضايا عادلة، وسيتعزز الشعور القومي بقوة وتزداد سماكة الحدود في الذهنية الفردية والعامة.
يمكن حتى للسلطات العربية الآن ولاحقا أن تقمع أي فرد/حزب/منظمة/ حركة تنطلق في خطاب المعارضة من منطلق المبادئ بدل البراغماتية الميكيافيلية.
إن الإيغال في البراغماتية دون شرح سياقاتها، وربطها (بإطلاق) بطبيعة المناخ السياسي الدولي سيتسبب بمفاسد سياسية كبيرة على النسيج العام للعالم العربي والسياسي.
وبالمناسبة: تحدث رئيس المخابرات التركية الحالي بروفيسور الفلسفة إبراهيم كالن مطولا عن الغرق في البراغماتية على حساب المبادئ والأخلاق في وثيقة منشورة بمناسبة مئوية 2024، انتقد فيها البراغماتية المطلقة في الممارسات السياسية؛ داعيا إلى أخلقة السياسة، وهي إشارة إلى اتساع استعمال البراغماتية إلى حد يلغي الأخلاق الصالحة.
من يملك وعيا ثاقبا، سيتفهم الظروف التي تمر بها سوريا، وأنها حالة استثنائية، لكن: في حال طغيان الشعور القومي لدى الشعب، والبراغماتية لدى المسؤولين؛ فالنتيجة حينها توسع الشعور الانعزالي لدى المجتمعات العربية والمسلمة والانتقال من نفسي نفسي إلى شعبي شعبي دولتي دولتي.
اترك تعليقاً