نزاعات سياسية، تراجع الدعم المالي، وصعود المتمردين؛ هل نشهد إرهاصات ما قبل انهيار حكومة مقديشو؟

Somalia Location Map 2011 SOM UNOCHA.svg

يبدو أن الاضطرابات تلوح في الأفق في الصومال.

تشهد البلاد انقسامًا سياسيًا، وعادت حركة الشباب إلى شن هجماتها بقوة، فيما يتساءل الشركاء الأجانب عن جدوى الاستمرار في ضخ الأموال في النظام الفيدرالي المتعثر في العاصمة مقديشو.

وقبل الانتخابات المقرر إجراؤها في مايو 2026، تخطط الحكومة لتغيير النظام الانتخابي من نظام غير مباشر إلى نظام اقتراع عام؛ ما يثير مقاومة شديدة من سياسيي المعارضة، واثنتين من ولايات الصومال الفيدرالية الأعضاء، بونتلاند وجوبالاند.

وقد أدت هذه الانقسامات بدورها إلى حرف انتباه مقديشو عن الحرب مع حركة الشباب، مما سمح للجماعة الإسلامية باستعادة جزء كبير من الأراضي التي استولت عليها الحكومة في عامي 2022 و2023.

ومما يزيد من إضعاف دفاعات الحكومة،
هو أن المساعدات الخارجية، وخاصة تمويل بعثة الاتحاد الأفريقي للدعم والاستقرار في الصومال (AUSSOM)، التي تساعد الحكومة في محاربة حركة الشباب، في تراجع أو موضع شك،

الانهيار ليس وشيكًا، لكن الوضع الراهن يتزعزع بشكل متزايد.

النزاع حول الانتخابات

يتكون النظام من حكومة مركزية في مقديشو إلى جانب مجموعة من سبع ولايات أعضاء تتمتع بقدر كبير من السلطات المُفَوَضَّة إليها (تعتبر الصومال صوماليلاند أحد الولايات الأعضاء ، على الرغم من إعلان صوماليلاند استقلالها  وعملها بمقتضى ذلك الإعلان على أرض الواقع).

بدورها تتولى الولايات الأعضاء مسؤولية الحكومة المحلية، بما في ذلك الاحتفاظ بقواتهم الشرطية الخاصة ووحدات “درويش” العسكرية – الشرطية.

أما الشؤون الخارجية والدفاع الوطني والهجرة والسياسة النقدية، فهي من اختصاصات مقديشو.

ولكن الدستور المؤقت لعام 2012 ترك تخصيص الصلاحيات التنفيذية الأخرى للمفاوضات المستقبلية بين الحكومة الفيدرالية والولايات الأعضاء — وبعد أكثر من عقد من الزمان، لم يحقق الساسة الصوماليون سوى تقدم ضئيل في توزيع هذه الصلاحيات.

وقد أدى انعدام الثقة والانقسامات السياسية بين المركز والأطراف إلى إعاقة علاقات العمل السلسة، مما يجعل من الصعب معالجة العديد من المشاكل التي تعاني منها البلاد.

إن فشل الطبقة السياسية الصومالية في الإجابة على الأسئلة الدائمة حول توزيع السلطة والموارد يؤدي إلى نزاعات ساخنة، وخاصة في وقت الانتخابات.

وليس أدل على ذلك من الخلافات التي يؤججها اقتراب موعد اقتراعات عام 2026.

في عام 2024، أجرى الرئيس حسن شيخ محمود إصلاحات على دستور عام 2012، والتي تضمنت خططًا مثيرة للجدل لتغيير النموذج الانتخابي في البلاد.

منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، تُجري الصومال انتخابات غير مباشرة، حيث يختار شيوخ العشائر أعضاء البرلمان، الذين بدورهم يختارون الرئيس.

في عام ٢٠١٦، بدأ شيوخ العشائر باختيار الهيئات الانتخابية لاختيار أعضاء البرلمان.

اقترح محمود التحول إلى الاقتراع العام، لكن منتقديه يجادلون بأن الصومال غير مستعدة لتوسيع قاعدة الناخبين إلى هذا الحد، مشيرين إلى العقبات العملية التي ستواجه عملية تسجيل ملايين الناخبين في بلد تعاني مساحات شاسعة من أراضيه من انعدام الأمن.

في البداية، أراد محمود أيضًا أن يصوت جميع السكان البالغين لاختيار الرئيس بدلاً من أن يختاره البرلمان.

ويعارض العديد من الشخصيات السياسية البارزة، بمن فيهم رئيسان سابقان وثلاثة رؤساء وزراء سابقون، هذه التغييرات.

ويجادلون بأن النظام الجديد المقترح سيصب في مصلحة الرئيس الحالي بشكل غير عادل، حيث تهيمن إدارته على معظم المؤسسات المنشأة حديثًا والتي ستنفذ التغييرات، بما في ذلك الكلية الانتخابية.

كما يخشون أن يوفر له ذلك ذريعة لتمديد ولايته، بينما يعمل المسؤولون على تنظيم عملية التصويت في جميع أنحاء البلاد.

وتشكل ولايتي بونتلاند وجوبالاند، الجناح الرئيسي الآخر المعارض للتغييرات المقترحة.

خلال الانتخابات السابقة، اختارت الولايتان ممثليها الذين تم إرسالهم إلى مقديشو بانتقائية وصرامة، ويرغبان في الاحتفاظ بهذه السلطة.

كما يعتقدان أن مقديشو تتمتع بالفعل بنفوذ كبير، وأن التغييرات المطروحة ستؤدي إلى زيادة ذلك النفوذ.

غالبًا ما تصطدم بونتلاند، على وجه الخصوص، مع ما تعتبره فرط تسلط من الحكومة المركزية بمقديشو. ومن جانبها، تقول مقديشو بأن السلطات في بونتلاند تطالب بقدر أكبر مما ينبغي من فيما يتعلق بإدارة شؤون الولاية.

مع ذلك، تواصل الحكومة الفيدرالية استعداداتها للانتخابات المباشرة.

فلا تزال انتخابات المجالس المحلية في مقديشو مقررة في نهاية أكتوبر، بينما من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية بحلول مايو 2026.

في أغسطس، واستجابةً للانتقادات الواسعة، قدمت الحكومة تنازلات كبيرة خلال مناقشاتها مع شخصيات المعارضة، بما في ذلك التخلي عن فكرة الانتخابات الرئاسية المباشرة والإبقاء على النظام الحالي.

وافق بعض أعضاء المعارضة على الخطة المُعدلة، لكن آخرين يتمسكون بإجراء المزيد من التعديلات.

يقولون إن محمود لم يتراجع بما يكفي عن خطط التصويت التي يرونها غير عملية. لكنهم لم يقدموا سوى القليل من البدائل الملموسة.

قليل هو الوقت المتاح للحكومة والمعارضة على حد سواء للاتفاق على نظام تصويت عملي لضمان سير الانتخابات في موعدها المحدد.

و إذا سعى الرئيس محمود بدلاً من ذلك إلى تمديد ولايته، كما يقول منتقدوه، فسيواجه مقاومة أشد.

ومن المرجح أيضًا أن تقاطع بونتلاند وجوبالاند التصويت إذا لم تُعالج مخاوفهما.

إن أي محاولة للمضي قدمًا في انتخابات رئاسية لا يشارك فيها سكان مناطق واسعة من البلاد ستُعمّق الانقسامات بين مقديشو والولايات الفيدرالية الأعضاء، وقد تؤدي إلى أعمال عنف.

مكاسب حركة الشباب

يعيق النزاع الانتخابي جهود الحكومة لبناء جبهة موحدة ضد حركة الشباب المجاهدين، التي تقاتل الحكومة منذ عام 2007، والتي حققت مكاسب مُطردة في الآونة الأخيرة، مستغلة الشلل السياسي للحكومة، وعدم خبرة الجيش الوطني الصومالي وضعف تدريبه، والمظالم طويلة الأمد بين العشائر التي تقوض التعاون الفعَّال بينهم ضد المتمردين.

في فبراير، شنَّت الجماعة هجومًا في منطقة شبيلي الوسطى بوسط الصومال، وهي أراضٍ استولت عليها الحكومة وميليشيات العشائر المتحالفة معها في عامي 2022 و2023.

وفي يوليو، توغلت حركة الشباب أيضًا في هيران، المنطقة الواقعة شمال شبيلي الوسطى، وسيطرت على مناطق كانت تحت سيطرة الحكومة منذ عام 2014.

وأثار هجوم موازٍ في شبيلي السفلى، غرب مقديشو، مخاوف من تعرض العاصمة للخطر.

تمكنت مجموعة من القوات الحكومية والقوات الأوغندية، التي تعمل بشكل ثنائي وتحت راية قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM)، بدعم من القوات الجوية التركية والأمريكية، من التصدي للمتمردين في شبيلي السفلى بين أغسطس وأكتوبر.

لكن بشكل عام، فإن وضع حركة الشباب في ساحة المعركة أفضل مما كان عليه في بداية العام.

تراجع حاد في الإنفاق الدولي

تتزايد نجاحات المتمردين وسط تراجع حاد في الإنفاق الدولي على التنمية والمساعدات الإنسانية، مع أن هذه التخفيضات لا ترتبط ارتباطًا مباشرًا بانتكاسات الحكومة.

في عهد الرئيس دونالد ترامب، خصصت الولايات المتحدة 150 مليون دولار فقط للبرامج في الصومال عام 2025، بينما كان المبلغ المخصص عام 2024 770 مليون دولار.

وتتساءل الدول الأوروبية التي استثمرت بكثافة في الصومال على مدى العقدين الماضيين عما إذا كانت ملياراتها قد أُنفقت في محلها، في ظل استمرار اختلال أداء الحكومة وتقدم حركة الشباب.

مقديشو، التي لا تزال تعتمد على المساعدات الخارجية لتمويل ميزانيتها وأجهزتها الأمنية، قلقة من استمرار تناقص الموارد.

تسعى جهات مانحة جديدة، مثل تركيا ودول خليجية، إلى تعزيز دورها في الصومال، لكن من غير المرجح أن يشكل ذلك تعويضًا عن انخفاض المساعدات الغربية.

يتجلى تراجع الحماس تجاه الصومال بشكل خاص في الصعوبات التي تواجهها بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM) في إيجاد التمويل الكافي.

حتى الآن، لم تحصل البعثة إلا على 27% من ميزانيتها البالغة 166 مليون دولار لعام 2025.

لقد ساهم الاتحاد الأوروبي في دفع رواتب للقوات الأفريقية في الصومال بما يصل إلى 2.7 مليار يورو منذ عام 2007، ولكن مساهماته كانت تتناقص كل عام.

ولم تُجدِ الدعوات المتكررة من الاتحاد الأوروبي للشركاء الأجانب الآخرين لتقديم المزيد نفعًا يُذكر. كان الكثيرون يأملون أن تغطي الأمم المتحدة جزءًا كبيرًا من تكاليف البعثة في عام ٢٠٢٥، لكن الولايات المتحدة لم تدعم الإجراء المطلوب في مجلس الأمن..

خصصت بروكسل مؤقتًا 60 مليون يورو لصندوق السلام الأوروبي (صندوق تابع للاتحاد الأوروبي لدعم القدرات العسكرية والدفاعية للدول الشريكة والمنظمات الإقليمية والمتعددة الأطراف) للصومال لعام 2025، إلا أنه من غير الواضح كيفية توزيع هذه الأموال بين بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال والجيش الوطني الصومالي.

من غير المرجح أن تغادر بعثة الاتحاد الأفريقي البلاد، لكن نقص التمويل الكامل سيؤثر سلبًا.

يحرص جيران الصومال، وخاصة إثيوبيا وكينيا، على إبقاء قواتهم التابعة لقوة الاتحاد الأفريقي في الصومال (AUSSOM) في أماكنها لضمان عدم تهديد حركة الشباب لأمنهم الوطني، وللاحتفاظ بقوات مستقلة في البلاد.

لكن العجز المتوقع في الميزانية سيُضعف قدرة البعثة.

كما سيؤدي ذلك أيضًا إلى زيادة سرعة التحول بعيدًا عن إطار عمل أمني متعدد الأطراف إلى آخر، يعتمد بشكل أكبر على مجموعة من الارتباطات الثنائية بين مقديشو والدول المساهمة بقوات، في سعي الصومال إلى سد الثغرات.

نتيجةً لذلك، قد لا ينخفض العدد الإجمالي للقوات الأجنبية في الصومال، ولكن من المرجح أن يعمل عدد أكبر منها خارج إطار الاتحاد الأفريقي.

ومن المرجح أن يحمل المستقبل اتفاقياتٍ تعاقدية بين الصومال والدول المساهمة بقوات، والتي من المرجح أن تكون أكثر تقلبًا من الترتيب الحالي.

مجموعة الأزمات الدولية


: ترجمة للتقرير الأصلي

“Helping Somalia Move Beyond a Shaky Status Quo”, International Crisis Group.

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا