مع هجوم “إسرائيل” على إيران، يستطيع نتنياهو أن يصرف الانتباه عن أزماته الداخلية العديدة، بينما يستطيع ترامب إرضاء كل من مؤيديه المناهضين للحرب زيفاً والمتشددين الداعين لها.
في ساعات الصباح المبكرة في ١٣ حزيران/ يونيو، شَنّت إسرائيل هجوماً شاملاً كان متوقعاً بشكلٍ أو بآخر منذ حوالي ٢٠ عاماً على البرنامج النّووي الإيراني وعلى البنية العسكرية الإيرانية بأكملها في خطوة أذهلت العديد من المراقبين، حيث تم اغتيال كبار قادة الجيش والحرس الثوري الإيراني، وتَعرضت المنشآت النّوويّة الحساسة في نطنز وفوردو للقصف بهدف تدميرها. وفي يوم الجمعة، ردّت إيران بعدة دفعات من الصواريخ الباليستيّة في قلب تل أبيب مستهدفةً وزارة الدفاع الإسرائيلية وقواعد عسكرية أُخرى في المنطقة وفقاً للتقارير.
استندت تبريرات إسرائيل لهجومها مرة أخرى إلى شبح ‘الضربة الإستباقية’ الذي لا يزال يطاردها منذ الأسطورة القائلة بأن مصر كانت تخطط لهجوم وشيك على القوات الإسرائيلية في عام ١٩٦٧، وبالتالي كان مُبرراً لإسرائيل أن ‘تستبق’ ذلك بتدمير القوة العسكرية المصرية واحتلال سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة.
هكذا تتعامل إسرائيل مع المخاطر على أنها بنفس القدر من الخطورة، وتسرد مقاطع الفيديو التي ينشرها الجيش الإسرائيلي أنهم يقاتلون من أجل مستقبل الغرب وأنه ‘لم يكن لديهم خيار آخر’ سوى التحرك ضد تهديد وُجوديّ – ليس فقط ضد إسرائيل، ولكن ضد كل دولة تقع ضمن نطاق الترسانة الصاروخية الضخمة التي تملكها إيران.
تعمل آلة الدعاية الإسرائيلية بأقصى طاقتها، حيث تطلق ادعاءات حول كميّة اليورانيوم عالي التخصيب التي تملكها إيران وعدد القنابل النووية التي يمكنها إنتاجها، ومدى إلحاح الحاجة الإسرائيلية للضرب في لحظة ينظر إليها على أنها لحظة ضعف.
بإشعال الحرب التي كانت المؤسسة الإسرائيلية تَحلم بها منذ عقود، يمكن لنتنياهو أن يعمل لتحقيق هدفه طويل الأمد بإخضاع المنطقة، وتَشتيتِ الأنظار الدولية والمحلية عن الفظائع التي ترتكبها قواته في غزة. وسيكون التركيز الآن على الحرب مع طهران، عاصمة عدوّ لا نظير له بالنسبة للغرب.
يمكن وضع المخاوف السائدة حول الإطاحة بحكومة نتنياهو من قِبَل الأحزاب الدينية في الكنيست جانباً، وكذلك المخاوف بشأن محاكمته بتهم الفساد أو رغبته في إصلاح القضاء، ويمكن أيضاً التغاضي عن الخوف المتزايد من أن آلة الحرب الإسرائيلية تُدمّر سُمعتها. والسؤال المتبادر للذهن: كيف يمكن أن تكون إسرائيل منبوذةً إذا كانت تعمل بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة للدفاع عن نفسها؟
من خلال تصوير جبهة الحرب الجديدة هذه على أنها خطوة جريئة لاستباق هجوم خيالي من قنبلة نووية غير موجودة، يمكن لنتنياهو أن يُمنح فوائد كونه صانع سلام مزعوم من فعل متردد، وسيشيد به السرد قائلاً أنه هو الذي يضغط نحو صفقة كانت جيدة لإسرائيل، على الرغم من محاولة اغتيال أحد المفاوضين الرئيسيين، اللواء البحري علي شمخاني، في إحدى الضربات على طهران.
ويحاول ترامب اللعب على الجانبين من جهته. وعلى الرغم من تصريح نتنياهو الذي زعم فيه التنسيق الأمريكي في الهجوم، ادعى وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو أنه قرار إسرائيلي من جانب واحد ولكن أمريكا تدعمه بالطبع. ومع ذلك فإنّ اتصالات ترامب منذ الهجوم، أشارت إلى دعم كامل وغير مقيد، متظاهراً كما لو أنه لم يكن له يد في هجومٍ حقق جميع الأهداف الأمريكية الموضوعة مسبقاً.
ومثل نتنياهو، يمكن لترامب أن يستمر في الادعاء بأنه لا يزال يريد حلاً دبلوماسياً: أن تعود إيران للمحادثات. بعد كل شيء،”متعصبوا الرأيّ ماتوا جميعاً الآن.” كما كتب على منصة تروث سوشيال. لذا عليهم قبول الشروط قَبل فوات الأوان. لقد حصل المناهضون للحرب زيفاً الذين دعموا ترامب والمتشددون المؤيدون لها على ما يريدونه في نفس الوقت. فقد أطلقت أمريكا الغير مشاركة في حروب تغيير الأنظمة الصعبةِ حرباً بالوكالة عن طريق كلب هجوم ليذبح الإيرانيين كما يريد.
كان الخداع الذي أدى إلى هذه اللحظة صريحاً وصارخاً، حيث قال الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد على منصة أكسيوس: “ترامب ومساعدوه كانوا فقط يتظاهرون بمعارضة الهجوم الإسرائيلي في العلن، ولم يعبروا عن المعارضة في السر، و’كان لدينا ضوء أخضر أمريكي واضح’ كما زعم أحدهم.”
يبقى السؤال الآن حول المدة التي يمكن أن يستمر فيها هذا التناقض الهائل في الرسائل. لطالما كانت الحرب المحتملة مع إيران هي المستنقع الأكثر تعقيداً والدوامة التي تجنبتها جميع الإدارات الأمريكية والإسرائيلية السابقة. الآن بعد أن سقطت القنابل، من الواضح أنّ الأشرعة قد فُتحت، فهل يمكن لمثل هذه السفينة أن تنجو من الواقع؟ا
لمصدر: The Intercept
ترجمة: أحمد بن درغام محمد.
اترك تعليقاً