في كل مرة نسمع فيها عن الصراعات الدولية وخاصة بين إيران والكيان الإسرائيلي، يظهر مصطلح “تخصيب اليورانيوم”، وهو مصطلح يبدو تقنيًا ومعقدًا للكثيرين. ولكن في الحقيقة، يمكن فهمه بسهولة عند تبسيط مكوناته. في هذا المقال، نشرح بالتفصيل ما هو تخصيب اليورانيوم، ولماذا يُعد موضوعًا حرجًا في العلاقات الدولية، وما هي نسب التخصيب المختلفة وما تعنيه.
ما هو اليورانيوم؟
اليورانيوم هو عنصر كيميائي ثقيل، يُوجد بشكل طبيعي في الصخور والتربة والمياه. رمزه الكيميائي هو U، وعدده الذري 92. يستخدم اليورانيوم في إنتاج الطاقة النووية، وهو أحد العناصر القليلة القادرة على إطلاق كميات هائلة من الطاقة عند تعرّضه لعملية الانشطار النووي.
اليورانيوم الطبيعي يتكوّن من:
- حوالي 99.3% من النظير U-238 (وهو غير قابل للانشطار).
- حوالي 0.7% فقط من النظير U-235، وهو النظير القابل للانشطار ويُستخدم في المفاعلات النووية والأسلحة النووية.
لكن نسبة U-235 القليلة جدًا في اليورانيوم الطبيعي لا تكفي لتشغيل المفاعلات النووية أو صناعة الأسلحة. لذلك، لا بد من عملية تُسمى “التخصيب” لزيادة نسبة U-235.
ما هو تخصيب اليورانيوم؟
تخصيب اليورانيوم هو عملية تقنية تهدف إلى زيادة نسبة النظير U-235 في عينة من اليورانيوم. وتتم هذه العملية غالبًا باستخدام أجهزة طرد مركزي تدور بسرعات هائلة وتفصل بين النظائر حسب الوزن.
لماذا U-235 مهم؟ لأنه الوحيد في اليورانيوم القادر على الانشطار بسهولة وإطلاق طاقة هائلة. في المفاعلات النووية، يُستخدم U-235 كوقود. وفي القنابل النووية، يُستخدم U-235 المُخصب بنسبة عالية لتوليد انفجار مدمر.
مستويات ونسب التخصيب:
- يورانيوم منخفض التخصيب (LEU – Low Enriched Uranium):
- نسبة U-235 فيه تكون أقل من 20%.
- يستخدم لتشغيل المفاعلات النووية المدنية.
- معظم مفاعلات الطاقة تعمل على يورانيوم مُخصب بنسبة بين 3% و5%.
- يورانيوم عالي التخصيب (HEU – Highly Enriched Uranium):
- نسبة U-235 تكون 20% أو أكثر.
- يُستخدم في الأبحاث النووية، وبعض أنواع المفاعلات الصغيرة.
- عند وصول التخصيب إلى أكثر من 90%، يُصبح صالحًا لصناعة الأسلحة النووية.
- تخصيب بنسبة 60%:
- هذه النسبة تُثير قلقًا دوليًا كبيرًا لأنها تقترب من مستوى السلاح النووي، وتدل على قدرة الدولة على الوصول إلى 90% بسهولة.
- 90% فأكثر (درجة السلاح):
- اليورانيوم في هذه الحالة يمكن استخدامه مباشرة في صناعة قنبلة نووية.
كيف تتم عملية التخصيب؟
هناك طريقتان رئيسيتان لتخصيب اليورانيوم:
- الطريقة الغازية باستخدام أجهزة الطرد المركزي:
- يتم تحويل اليورانيوم إلى غاز يسمى سداسي فلوريد اليورانيوم (UF6).
- ثم يُدخَل هذا الغاز في أجهزة طرد مركزي تدور بسرعة كبيرة.
- تفصل هذه الأجهزة النظير U-235 الأخف من U-238.
- تُجمع الكمية التي زادت فيها نسبة U-235.
- الطريقة القديمة (الانتشار الغازي):
- لم تعد شائعة بسبب استهلاكها الكبير للطاقة.
لماذا يقلق العالم من تخصيب اليورانيوم؟
القلق لا يأتي من عملية التخصيب بحد ذاتها، بل من نسبة التخصيب والنوايا المحتملة للدولة التي تخصّب. فإذا كانت الدولة تخصب بنسبة 3-5%، فهذا طبيعي لتشغيل مفاعلات الكهرباء. لكن إذا بدأت ترفع النسبة إلى 20% أو 60%، فهذا يعني أنها تمتلك المعرفة والتقنية والمواد اللازمة للاقتراب من صناعة سلاح نووي.
الدول تخشى من سباق تسلح نووي، أو من أن تستخدم دولة ما سلاحًا نوويًا لأغراض عدوانية، مما يهدد الأمن الإقليمي والعالمي.
دور وكالة الطاقة الذرية (IAEA):
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تراقب برامج الدول النووية. تُجري تفتيشات دورية على المنشآت، وتطلب تقارير مفصلة عن كل عملية تخصيب. وتُصدر تحذيرات إذا رأت أن هناك انحرافًا عن الاستخدام السلمي للطاقة.
لكن في حالات النزاعات أو الحروب، قد تُمنع الوكالة من الدخول، مما يزيد الشكوك حول النوايا.
ما الفرق بين الطاقة النووية والسلاح النووي؟
- الطاقة النووية:
- تُستخدم لإنتاج الكهرباء أو الأبحاث العلمية.
- تعتمد على يورانيوم منخفض التخصيب.
- السلاح النووي:
- يُستخدم في الحروب.
- يتطلب يورانيوم عالي التخصيب بنسبة تفوق 90% أو مادة البلوتونيوم.
هل تخصيب اليورانيوم ممنوع دوليًا؟
لا، تخصيب اليورانيوم بحد ذاته ليس ممنوعًا. لكن:
- يجب أن يتم تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية.
- يجب أن يُستخدم لأغراض سلمية فقط.
- إذا رُفعت نسب التخصيب بدون مبرر واضح، تبدأ الشكوك وتبدأ الدول في فرض عقوبات.
في الختام:
اليورانيوم وتخصيبه ليسا مجرد مواضيع تقنية، بل هما في صلب السياسة العالمية. الدول تُراقب بعضها البعض عن كثب، وأي ارتفاع في نسبة التخصيب يُعتبر مؤشرًا على خطر محتمل. ولهذا فإن عبارة “تخصيب اليورانيوم” أصبحت مفتاحًا لفهم التوترات النووية في العالم، من إيران إلى كوريا الشمالية، ومن إسرائيل إلى الولايات المتحدة.
اترك تعليقاً