مسمار دُق في نعش الاحتلال

GhQiEwCWkAACu71

إن عدم الحديث ولزوم الصمت في هذه اللحظات العصيبة الفارقة في مسير الطوفان، سكوت لا يبرره شيء، فإن حاجة المقاومة في القطاع وخارجه تزداد يوما بعد يوم، ولَإن كان الواحد منا فاعِلًا في الزمن الأول من بدء الطوفان فإنه يتحتم عليه أن يضاعف جهده في الإسناد، فالحال اليوم، مخاضٌ يتلاطم مَوجُهُ لا ينجو فيه إلا من أعد له وانتظر اللحظة المِفصلية.

إن مما يتناقله الناس في الأيام الأخيرة عن العمليات الفدائية التي يقوم بها مجاهدو القسام، تخذيل وإحباط للعالم العربي المسلم المنهزِم أصلا، فإن ما يشاع الآن وإن كان فيه حسن نية تَرُوم إيقاظ الناس من غفلتهم وتبصيرهم بما آلت إليه حركة المقاومة من ضعف، فعل جيد وحسن، لكنه ناقص في المضمون إذ أن المرء المسلم سيدرك بعد قراءته لتغريدة أو رسالة، أن المقاومة قد ضعفت، وهذا فهم سقيم لا يريد المجاهدين في أرض الرباط أن يتسلل إلينا، فَعملياتهم الفدائية ليست دليلا على ضعف في البنية العسكرية للمقاومة، وإنما بكل بساطة هي تكتكيك من تكتيكات الحرب التي تنهجها حركة المقاومة منذ زمن طويل ولم تعني في أي وقت بأن هذه الأخيرة قد أصابها الوهن.

بل العكس تماما، فَهِي نواة الجهاد في فلسطين وهي المبتدأ والمنتهى وإليها يسعى الطامحون للشهادة، فالمقاومة للذين يتتبعون قشور الأخبار فقط، قد أعلنت أن العمليات الفدائية قد بدأت قبل أربعة أشهر من الآن، وأما كثرة تناقلها في هذا الوقت بالذات، فَرَاجِعٌ بالأساس إلى شدة إثخانها في العدو، فمن كان يتخيل في زمننا الحالي أن يُسْقِط مجاهد فلسطيني ثمانية جنود مدججين بأحدث التقنيات الدفاعية والهجومية، صَدقَ من وصفهم بصحابة العصر!

وكذا فإن ما نشره الجناح الإعلامي لحركة حماس يوم الواحد والعشرين من شهر ديسمبر، يسلط الضوء على مفاهيم كبرى من الواجب استحضارها في خِضم هذه الحرب اللامتوازنة، فإن رحيل بعض القادة لَهُوَ الوقود لمن بعدهم، فرحيل الشيخ المؤسس أظهر لنا بأس الرنتيسي، فخلف من بعد الرنتيسي رجال أشد بأسا وتنكيلا، فنزار ريان في أرض الميدان يخلفه الجعبري وهكذا إلى الآن، وما كان سيف القدس مثلا لِيُجَلي لنا برَكة “جمعة الطحلة” وبأسه في ميدان الحرب السيبرانية التي لولاها ما انطلق الطوفان، فمن الذي عطل استخبارات الاحتلال خمس ساعات عن الإقرار بالصدمة؟

والقادة كثير، يرحل منهم ويبقى ويصنع الله على عينه من يصنع ويستمر الجهاد، وفي كل هذا إقرار من الله بأن سنة التدافع سائرة وبأن العمالة والخيانة ما هي إلا تمحيص وتصفية للصالحين من الطالحين.

ثم إننا رأينا أن ضعف الإمكانيات لا يمنع من صنع المعجزات، فمن منا كان يتخيل أن مَنْ هم تحت الحصار سيصنعون صاروخا يضربون به الصهاينة في مطار رامون وهم نائمون! فإن كانوا على هذا أقدر فهم على ما دونه كذلك.

ثم إننا يجب علينا دائما أن نستحضر خطاب قائد المقاومة يحيى السنوار، الذي أخبرنا في غير ما مَرَّة أنه سيأتي الصهاينة بطوفان هادِر، وقد فَعَل!

ولست أتخيل أنه يضخم من حجم ما فعل لكنني أحسبه قَدَّرَ فَصرح بما قدر، فلا زلنا نرى شِدة المعركة على الاحتلال وإن كان بعض الناعقين لا يزال ينعق بكلام قد دحضه القرآن قبل مئات السنين، إذ يقول الله (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) فإن ألمهم بقدر ألمنا غير أننا أفضل ما رَجَوْنا من الله العون والمدد والصبر.

فبعد هذا لا يمكننا أن نشكك ولو للحظة في أن المقاومة قد تم إضعافها أو التمهيد للإجهاز عليها، وإن نشر هذه السردية، أي أن المجاهدين لم يتبق بيدهم سوى سكاكين يتيمة وقنابل يدوية لا تنفع إلا إن انفجر بها في جند صهاينة، هذه السردية تخدم الاحتلال أكثر مما تؤجج مشاعر الغضب والنهوض من جديد بروح متوقدة نشعل بها لهيبا في مواقع التواصل الاجتماعي، لذا فإننا نقول أن المقاومة بخير، وأنهم في تمام الإعداد والجاهزية لمثل هذه الحرب وإنهم يعلمون والعدو لا يَعي، أن الطوفان هو مجرد “بْروفَة” للضربة التي ستهدم الكيان وتمسحه من على الأرض.
وإلى ذلك اليوم فأعدوا وتجهزوا.

وستذكرون أن الطوفان كان المسمار الذي دق في نعش الاحتلال.

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا