الصمت يغذي الجرائم، والإفلات من العقاب يشجع المجرمين. لقد أدارت الطغمة المالية ظهرها عمداً للعالم المتحفز والمدافع عن حقوق الإنسان، كي تقتل وتخدع وتنهب وتختطف، دون أن تُسأل أو تُحاسب. ويبدو أنها أحسنت الاختيار، إذ لا أحد يجرؤ اليوم على التدخل في شؤونها أو مساءلتها عن وحشيتها، ليدفع الشعب المالي ثمناً باهظاً لهذه المآسي.
في غرب مالي، تتجدد مظاهر الهمجية البشعة، مضيفة فصولاً دامية إلى سجل الفظائع التي يرتكبها عاصمي غويتا ونظامه الإجرامي. ففي ليلة الحادي والعشرين إلى الثاني والعشرين من أبريل 2025م، تم العثور على اثني عشر جثة في حالة تحلل متقدم قرب معسكر كوالا العسكري، بمنطقة كوليكورو. ولم يكونوا ضحايا معارك ولا قتلى جماعات إرهابية مسلحة، بل مواطنون أبرياء اعتقلتهم القوات المالية وأعوانها من مرتزقة فاغنر، واقتيدوا قسراً، ليُعذبوا بوحشية ثم يُعدموا بدم بارد.
مجزرة مخفية حتى انكشفت الحقيقة تحت ضوء النهار.
بحسب شهادات أدلى بها أقارب المفقودين، يُرجَّح أن الجثث تعود لضحايا عملية اختطاف جماعي جرت في 12 أبريل 2025م بمنطقة سيبابوغو، دائرة ديما، ولاية كايس، خلال مداهمات نفذتها القوات المالية بالتعاون مع مرتزقة فاغنر الروس. وقد اختطف نحو ستين شخصاً، جميعهم من أبناء قبيلة الفولاني، أثناء سوق شعبي، دون مذكرة توقيف أو سبب مشروع، في عملية لم تزد عن كونها جريمة عنصرية بحتة.
ومنذ ذلك الحين، انقطعت أخبار المختطفين حتى ظهرت الجثث مجهولة الهوية في مقبرة جماعية بالقرب من المعسكر العسكري الذي انطلقت منه عملية الاعتقال.
ويُعتقد أن أولئك الذين أُرغموا على الصعود إلى شاحنات عسكرية نحو وجهة مجهولة هم أنفسهم الذين عُثر على جثثهم في تلك الحفرة الجماعية.
وقد انتشرت مقاطع مصورة مروعة التقطها شاهد عيان، تجتاح الآن منصات التواصل الاجتماعي، تُظهر مشاهد مفزعة، مصحوبة بصوت يحكي، بلغة الفولاني، تفاصيل الفاجعة، كاشفاً عن حجم المأساة دون تزييف.
وقد جاء في شهادة الشاهد: “السلام عليكم أيها الإخوة! شاهدوا بأم أعينكم… هذا هو الفعل المشين الذي ارتكبه جيشنا المالي. كل هذه الجثث لا يمكن التعرف عليها، لقد تحللت بالكامل. بين واغودوفالا وكيرفالا ارتُكبت هذه الجريمة البشعة. لقد قمت شخصياً بإحصاء اثنتي عشرة جثة لا يمكن التعرف على أصحابها. ولكن نعلم أن جميعهم من إخوتنا الفولانيين، رغم أنني لم أتمكن من تمييز ملامحهم.”
تنويه: الفيديو يحتوي على مشاهد صعبة.
عُثر على اثني عشر جثماناً مجهول الهوية: فهل قُتل جميع المفقودين؟ ماذا حلّ بالمواطنين المفقودين الذين لم يُدرجوا ضمن القوائم؟ وأين ذهبت الثماني والأربعون نفسًا التي لا تزال مصيرها مجهولًا؟ أترى هم أحياء يُرزقون، أم نالهم المصير ذاته الذي واجهه أولئك الذين انتُشلت جثثهم؟ أترى يُحتجزون في سراديب سجون معسكر كوالا المظلمة؟
حتى هذه اللحظة، لا إجابة حاسمة، ولا شيء سوى التخمينات في غياب الحقيقة. والشك لا يزال يكتنف مصير هؤلاء المواطنين الأبرياء، غير أن الاستنكار بات عاماً، والغضب الشعبي بلغ ذروته إثر الكشف عن الممارسات الإجرامية للجيش المالي وشركائه الروس.
وكالعادة، تلتزم السلطات المالية، ولا سيما قياداتها العسكرية، صمتاً مشيناً أمام جرائمهم الفظيعة. وإن نطقوا، فليس إلا للتكذيب والنفي القاطع لكل الاتهامات المثبتة بحقهم. أما خطابهم الرسمي، فبعيد كل البعد عن إظهار الحقيقة أو نصرة المظلومين؛ بل هو محض محاولة لتلفيق تهم ملفقة للضحايا الأبرياء، وإلصاق صفة الإرهاب بهم زوراً وبهتاناً. خطاب مهترئ لا يصمد أمام الوقائع الساطعة. فمنذ أن وطأت أقدام مرتزقة فاغنر أرض مالي، والاختفاءات القسرية، والإعدامات الميدانية، والتعذيب، وحفر المقابر الجماعية، تتوالى تباعاً، في إطار حملة رعب ممنهجة لقمع الشعوب بدل التصدي للإرهاب المتفشي.
عاصمي غويتا على شفير الهاوية
كل جريمة ضد الإنسانية تُرتكب اليوم في مالي تقع مسؤوليتها على عاتق عاصمي غويتا وزمرته العابثة، التي لا تقيم للشرع ولا للقيم وزناً. فالرقابة الخانقة، وملاحقة الصحفيين، وإسكات أصوات الحق، والتضليل الإعلامي المفضوح، لم ولن تُطمس الحقائق الدامغة التي باتت معلومة لكل ذي بصيرة. عاجلاً أم آجلاً، ستُقام الموازين، وستُرد الحقوق إلى أهلها. وفي غضون ذلك، لن تُخمد صرخات الأمهات الثكالى، ولن تُمحى من الذاكرة أسماء الضحايا الذين قضوا في أتون هذه الجرائم المروعة. فلكل ظالم يوم، والجلادون لن يظفروا بخاتمة مشرفة.
سمير موسى.
https://x.com/ActualitesSahel/status/1915160045417075009?t=dNY6wLgyodgGjsWIEZCF4g&s=19
اترك تعليقاً