مع تزايد حدة العمليات العسكرية التي يقوم بها جيش الاحتلال في الضفة الغربية، تواجه المخيمات الفلسطينية في الشمال هناك مصيراً مشابهاً لما جرى في قطاع غزة. هذه الحملة العسكرية ليست مجرد ردٍّ أمني على تصاعد المقاومة المسلحة، بل تأتي ضمن مشروع سياسي أوسع يسعى إلى تغيير الوضع الديمغرافي والجغرافي في الضفة الغربية لصالح المستوطنين الصهاينة، متجاوزًا أي اعتبارات أمنية معلنة، ما يعكس تحولًا خطيرًا في استراتيجية الاحتلال تجاه القضية الفلسطينية.
توسيع الحملة العسكرية في الضفة الغربية
بدأت قوات الاحتلال منذ ربيع الأول 1445هـ (أكتوبر 2023م) في تكثيف عملياتها العسكرية في الضفة الغربية، وخاصة في المخيمات الفلسطينية بشمال الضفة، مثل جنين، ونور شمس، والفارعة، وقد تسببت هذه الحملة في تهجير أكثر من 40,000 فلسطيني، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، تتكرر مشاهد القمع من غزة إلى الضفة، حيث تقتحم القوات المحتلة المنازل وتفصل الرجال عن النساء والأطفال قبل تهجيرهم قسرًا من أحيائهم تحت تهديد السلاح.
ما وراء المبررات الأمنية
على الرغم من الخطاب “الإسرائيلي” الرسمي الذي يروج للحملة العسكرية باعتبارها إجراءً أمنيًا للقضاء على المقاومة المسلحة، إلا أن الواقع يشير إلى أهداف سياسية أعمق، حيث فرضت إسرائيل مئات الحواجز العسكرية واعتقلت الآلاف، بينهم أكثر من 3,600 فلسطيني في إطار الاعتقال الإداري. كما قامت بتسليح المستوطنين، الذين بدورهم هجّروا عشرات المجتمعات الفلسطينية، حتى من مناطق لم تشهد نشاطًا مسلحًا منذ سنوات، مثل جنوب الخليل ومنطقة الأغوار.
مخططات الضم والاستيطان
تزامن التصعيد العسكري مع إلغاء قانون ”فك الارتباط “ لعام 1425ه (2005م)، مما سمح بعودة المستوطنين إلى مستوطنات مُخلاة في شمال الضفة. كما دعا مسؤولون متطرفون، مثل “بتسلئيل سموتريتش” إلى تحويل جنين ونابلس إلى ” جباليا أخرى “، في إشارة إلى التدمير الواسع الذي طال مخيم اللاجئين في شمال غزة. تهدف هذه السياسات إلى استبعاد أي احتمال لقيام دولة فلسطينية عبر فرض أمر واقع جديد على الأرض.
الدوافع السياسية وراء التصعيد
يبدو أن التصعيد العسكري في الضفة الغربية ليس فقط جزءًا من استراتيجية أمنية، بل هو أيضًا تنازل سياسي يقدمه بنيامين نتنياهو لشركائه في اليمين المتطرف، لا سيما سموتريتش، لضمان استقرار حكومته. فبعد استقالة إيتمار بن غفير من منصبه كوزير للأمن القومي اعتراضًا على الهدنة في غزة، بقي سموتريتش في الحكومة مقابل توسيع العمليات العسكرية في الضفة.
الضفة الغربية على طريق الضم الكامل
يسعى التيار الصهيوني الديني المتطرف إلى ضم الضفة الغربية بالكامل، وهو توجه مدعوم من شخصيات بارزة داخل حكومة نتنياهو، التي تتبنى خطابًا يرفض أي كيان فلسطيني مستقل. فقد سبق لنتنياهو أن أعلن في 1441ه (2020م) نيته ضم أجزاء واسعة من الضفة، وخاصة منطقة الأغوار، مؤكداً أن الدولة الفلسطينية لن تقوم خلال فترة حكمه. تكشف التطورات الأخيرة في الضفة الغربية عن أن العمليات العسكرية “الإسرائيلية” تتجاوز الأهداف الأمنية المعلنة، لتصبح أداة لتنفيذ مشروع استيطاني توسعي يهدف إلى تصفية الوجود الفلسطيني في مناطق واسعة من الضفة.
ومع تصاعد الضغوط السياسية داخل “إسرائيل”، واستمرار التهجير القسري، يبدو أن الفلسطينيين يواجهون فصلاً جديدًا من التحديات، في ظل غياب أي أفق سياسي لإنهاء الصراع.
نقلا عن الباحث حسن قطامش: ملخص مقال “Israel’s offensive in the West Bank is the second act of the Gaza genocide”
اترك تعليقاً