ماذا يعني “السلام” الذي يعد به ترامب؟

Drone Mural 768x384 1

عندما تولى دونالد ترامب السلطة أول مرة في 1438هـ (يناير 2017م)، كان خطاب سياسته الخارجية انعزاليا فيما يتعلق بالاقتصاد الأمريكي.

وكانت إجراءات مثل الانسحاب من الشراكة عبر المحيط الهادئ وانتقاد المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة متماشية مع دعوات أكثر عمومية لسياسة “أمريكا أولا”.

ومع ذلك، اتبع ترامب سياسة خارجية متشددة وتدخلية للغاية من حيث المشاركة العسكرية. فوسع ترامب “مناطق العمليات” كاستراتيجية لمكافحة ما يسمى الإرهاب.

بالنسبة لسياق هذا التوسع، كان لا يمكن أن تحدث ضربات الطائرات بدون طيار بشكل قانوني إلا في مناطق العمليات المحددة.

في عهد أوباما -الذي كان أول من أدخل هذه الوسيلة في الحروب الأمريكية- شملت هذه المجالات أفغانستان والعراق وسوريا. لكن ترامب وسع هذه المناطق لتشمل اليمن والصومال وباكستان وليبيا.

وفقا لبيانات من مجلة الحرب الطويلة، زادت الضربات في اليمن ثلاثة أضعاف لتصل إلى 125 ضربة بمجرد أن حددتها إدارة ترامب كمنطقة عمليات. وزادت الضربات في الصومال كذلك بشكل كبير نظرا للصعود الجهادي في المنطقة.

حددت الولايات المتحدة هذه المناطق على أنها مشاركة نشطة، وتم منح القادة العسكريين سلطة أحادية الجانب لشن ضربات بطائرات بدون طيار دون إذن رئاسي.

ووسع ترامب صلاحيات تنفيذ الضربات وخفف كثيرا من قيود تنفيذها، ما تسبب في ارتفاع حاد في قتلى المدنيين. والذين لم يحظوا بأي اعتذار أو تعويض أو حماية قانونية مع وجود حكومات مسخرة لتسهيل الضربات الأمريكية بدون أدنى مساءلة.

كما لا توجد إحصاءات تقدمها وزارة الدفاع الأمريكية بشأن القتلى المدنيين. فهي تتنصل تماما من حقيقة مقتل المدنيين. حتى مع توثيق المؤسسات الحقوقية لجرائم قتل المدنيين في القصوفات الأمريكية، تخرج وزارة الدفاع بدون خجل ولا حياء، وتنكر الحقائق، وتكرر جملتها المملة، التي تزعم فيها أنه لم يسقط أي مدنيين في الهجوم، وتكرر أسطوانة الإرهاب المهترئة! وإن كان القتلى أطفال ونساء، وإن كانت الدماء المسفوكة لمدنيين لا علاقة لهم بالقتال المسلح!

لقد ارتفع عدد وفيات المدنيين من الغارات الجوية في أفغانستان بشكل كبير خلال عهد ترامب، وفقا لدراسة من مشروع تكاليف الحرب التابع لجامعة براون. فإن “عدد المدنيين الذين قتلوا في الغارات الجوية الدولية ارتفع بنحو 330 في المائة من عام1437ه (2016م)، آخر عام كامل لإدارة أوباما، إلى عام1440ه (2019م)”.

ولا يزال العدد الحقيقي للقتلى المدنيين غير محدد وبالتأكيد هو عدد كبير، وترجع صعوبة تحديده، لضعف الرصد لكل الحالات المستهدفة في المناطق الريفية وللإهمال والتكتيم الإعلامي اللا أخلاقي الذي يمارسه الإعلام المأجور. ولسياسة الإهمال والابتزاز الأمريكية التي تضعف صوت الإنكار. فتضيع حقوق الضحايا بدون مساءلة ولا تعويض ولا أدنى حق لإنسان، على يد أمريكا!

وبهذا فإن تعهدات ترامب بوقف الحروب، تذكرنا بعهد رئاسته السابق، فقد أعقب توعد الرئيس الأمريكي المتعجرف بوقف “الحروب التي لا نهاية لها” ارتفاع كبير في غاراته الجوية التي زادت من قتلى المدنيين بنسبة 330٪ في العام.

وفقا لـ Airwars ، وهي منظمة غير حكومية مقرها المملكة المتحدة تتعقب الخسائر المدنية من الغارات الجوية الأمريكية، فقد لقي آلاف المدنيين حتفهم بسبب ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار في الخارج. والتي زادت بشدة مع تولي ترامب رئاسة الولايات المتحدة.

ووفقا لمجتمع الاستخبارات الأمريكي، غالبا ما تكون هذه الخسائر نتيجة لضعف المعلومات أو الخطأ البشري.

وبالنسبة للجنود الأمريكيين، فإن الخسائر في صفوف المدنيين أمر لا مفر منه وحتمية مأساوية للحرب. ولكنهم لا يصنفونه في خانة “الإرهاب” مع أنه يتم بشكل متعمد ومتهور، بينما يصنفون قتل قواتهم المحاربة خلال المعارك، على يد الجماعات الجهادية، على أنه إرهاب! وهو المنطق نفسه الذي يتعامل به الإعلام الغربي مع الجرائم الأمريكية بحق المدنيين في العالم الإسلامي.

فقتلانا المدنيين لا يؤبه بهم، وقتلاهم العسكريين إرهاب يستوجب الضرب بيد من حديد وإن كانوا قوات احتلال تستوجب الدفع!

إن الخسائر في صفوف المدنيين الذين يقعون في القصوفات الأمريكية المتجبرة، تثبت أن الطائرات بدون طيار هي مثال صارخ على وجود سلطة تنفيذية كثيرة مع القليل من الرقابة والمحاسبة كما تؤكد ذلك تقارير المراقبة، وبالتالي نحن أمام انحطاط أخلاقي وجرائم حرب تحميها كبريات الدول والمصالح الاقتصادية التي تتغذى على أرباح تصنيع الطائرات بدون طيار والقذائف.

ووفقا لقدامى المحاربين من أجل السلام، فإن ضربات الطائرات بدون طيار “لا تقدم أي مساءلة أمام الجمهور عن عدد المدنيين الذين قتلوا”.

فهذا هو السلام الذي يتوعدنا به دونالد ترامب، وهذا يعني أن المرحلة المقبلة، يجب فيها الكفّ عن إهمال ملفات المدنيين الضحايا، ويجب أن تلاحق أمريكا على كل مدني يقتل تماما كما لاحقت حكومتها شعوبا وحكومات برمتها لتعويض قتلاها في هجمات لم ينفذوها.

إن العنجهية والاستكبار الذي يمارسه الأمريكيون تجاه الشعوب المسلمة يجب أن ينتهي، وإن محاسبة كل متواطئ في سفك هذه الدماء يجب أن تكون أولوية الشعوب.

إن المتابع للخطاب الأمريكي، يدرك أن المرحلة المقبلة ستشهد تقليص التدخل المباشر للقوات الأمريكية في مناطق الصراع، لتخفيف تكاليف انتشارهم، وبالمقابل ستكثف الغارات الجوية في مطاردة كل ما هو إسلامي، لفرض الهيمنة الغربية والاضطهاد الأمريكي على الشعوب المسلمة، ولعل أكثر منطقة يتوعدها الطغيان الأمريكي ستكون إفريقيا نظرا للصعود الجهادي الذي تعرفه القارة.

وهكذا سيرافق صفقات ترامب الاقتصادية وأساليبه الابتزازية الوقحة، ومشاريع التطبيع، دماء تسفك وممتلكات تدمر، وحقوق تداس!

هذا هو السلام الذي ينتظرنا مع ترامب. وهو ما يجب أن نستعد له بصناعة وعي صحيح لا يجبن في كشف حقائق الحرب الغربية على العالم الإسلامي بعيدا عن شماعة “الإرهاب” الذي أوجبوه!

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا