لماذا اختارت إيران الانسحاب من المواجهة؟

62ab549cdad388c2d581189fb172c6f1

تعرف إيران جيدا أن امتداد الحرب الثنائية المحدودة إلى حرب شاملة يعني أنها لن تنجو من الهلاك؛ وهذا صحيح؛ ففي الأخير كان هناك العديد من أمثلة لدول كانت في نفس وضعع “إيران” ثم تلاشت وانهارت.

إن التاريخ يعرف عشرات الأمثلة لبلدان تحولت إلى اللادولة بل إلى شبح وهيكل عظمي بلا روح ليس بسبب الضعف العسكري، ولكن بسبب تدمير خصومها لاقتصادها ودولتها بطرق مختلفة.

على سبيل المثال، ليبيا: “جنة الرواتب والرخاء والامتيازات” التي محاها الغرب من على الخريطة وحولها إلى شبه دولة؛ ونتذكر جيدا أنه ليبيا في عهد القذافي لم تكن تعاني من أزمة ديون، وكانت تمتلك أكبر احتياطيات من الذهب في أفريقيا، وكانت الرعاية الصحية والتعليم مجانيين، كان البنزين شبه مجاني، كان الدينار الليبي أقوى من الدولار، ومستوى المعيشة أعلى منه في أوروبا. ولكن بمجرد أن بدأ القذافي يتحدث عن الدينار الذهبي (بديلاً عن الدولار في التجارة غير النفطية) فتح على نفسه وعلى بلاده أبواب جهنم، حيث أجبر حلف شمال الأطلسي البلاد على العودة إلى عصر ما قبل الدولة.

العراق أيضًا: من الرخاء إلى الدمار في حرب واحدة. في عهد صدام حسين، بنى العراق أحد أقوى الجيوش في الشرق الأوسط (قارن ذلك بإيران)، وطوّر الصناعة، بل وأطلق برنامجًا فضائيًا. ولكن بعد تغيير العملة النفطية من الدولار إلى اليورو ( عام 2000) وتهديد السعودية، غزت الولايات المتحدة العراق بذريعة زائفة وهي امتلاك أسلحة كيميائية. (راجع فضائح وأكاذيب العلج كولن باول”.

– كانت طهران تعلم جيدا بعد ضرب فوردو أنها إذا لم تستسلم فستواجه “دمقرطة” حقيقية على الطريقة الأمريكية. على أقل تقدير، وسيتم تنفيذها بالقوة…لم يكن السؤال الأهم هو: هل يمكن للولايات المتحدة القدرة على تدمير إيران، فهذا سؤال سطحي غير مهم، والسؤال الأهم: ما هي التكلفة التي سيتحملها العالم في حال تدمير إيران؟ مثّل هذا السؤال جوهر النقاشات الغربية، التي اتفقت في الأخير على أن تدميرها يعني مخاطر حرب إقليمية مدمرة وقد تتحول إلى حرب عالمية، مع وجوب لجم أمريكا للمتعطش للحرب نتن ياهو.

– كانت ورقة غلق مضيق هرمز أقوى ورقة بيد طهران، ووافق البرلمان الإيراني على غلق المضيق (مؤسسة شكلية)، ومع ذلك فإن المجلس الأعلى للأمن القومي لم يتخذ أي إجراء (وهذا هو العقل الذي يدير الدولة عند المخاطر الكبرى وأفضل من العقل السياسي المثالي والطوباوي).

– العقل الإيراني الاستراتيجي وهو آخر عقل في الدولة ويمثل عقل مؤسسي الدولة: يعلم جيدا أنّ مضيق هرمز يعدّ طريقًا تجاريًا حيويًا، إذ يمر عبره حوالي ربع تجارة النفط العالمية المنقولة بحرًا. ويمر عبره يوميًا ما بين 200 و300 سفينة؛ لذا سيؤدي إغلاق المضيق إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، وقد يُزعزع استقرار الاقتصاد العالمي؛ وسيجلب لإيران عداوة كل العالم، فالأمر يشبه شجار جارين وقيام أحدهما بغلق الطريق الرئيسي الذي يمر منه العمال والمرضى والتجار والناس.

لذلك أخذوا تصريح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بجدية كاملة حين قال: “أي قرار محتمل بإغلاق المضيق سيُمثل تصعيدًا كبيرًا للصراع، وسيستلزم ردًا من الولايات المتحدة ودول أخرى.. سيكون ذلك خطأً فادحًا آخر، وانتحارًا اقتصاديًا لهم… سيكون تصعيدًا هائلًا يتطلب ردًا ليس منا فحسب، بل من دول أخرى أيضًا”.

إذن لم يكن أمام إيران خيارات مثالية، وانتصرت الواقعية على الأوهام، وفضّل الإيرانيون الحفاظ على الدولة، فلا قيمة للبرنامج في غياب الدولة والشعب.

وفضلوا خسارة عسكرية على خيار خسارة الاقتصاد (قلب الدولة ودماغها). والذي تؤدي خسارته إلى الخروج من التاريخ لألف سنة.‎

الباحث د. محمد الأمين الوغليسي.

https://x.com/medmrkt/status/1937464715506000126?t=k3a0WZHyzMjFf6fBEhi5MA&s=19

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا