أنا ناجٍ من الإبادة الجماعية في البوسنة، وهنا خمسة عشر درسًا للبقاء على قيد الحياة من الإبادة الجماعية البوسنية.
الدرس الأول: كن مسلحًا ومنظمًا على نحو كامل
ففي مستهل الحرب البوسنية، فُرض حظر على الأسلحة على المنطقة من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية. وقد ألحق هذا الحظر بالمسلمين ضررًا بالغًا، إذ لم يكن لديهم من الأسلحة ما يقيهم.
كانت قوات جيش يوغوسلافيا تحت سيطرة صربيا، وكانوا رابع أكبر جيش في أوروبا فعليًا. وقد سُلّمت جميع تلك الأسلحة بعد ذلك إلى الميليشيات الصربية، وكذلك إلى جيش جمهورية صربسكا.
بعبارة أخرى، كانوا مسلحين تسليحًا فائقًا. أما البوسنيون فاضطروا غالبًا للاكتفاء بأسلحة الصيد للدفاع عن أنفسهم، واضطروا للابتكار واستخدام أشياء مثل قطع أنابيب المجاري وصبغها باللون الأخضر.
عندما يركض الناس بها، كان الخصوم يظنون أنها صواريخ مضادة للدبابات. أعني حرفيًا، كانت مسألة «تظاهر حتى تنجح» في طبيعتها، لا سيما في البوسنة عام 1992.وهذا يبرز درسًا مهمًا في أهمية امتلاك الأسلحة والتنظيم المسبق قبل وقوع الأحداث.
الدرس الثاني: لا تُسلّم أسلحتك أبدًا لمن يعدك بالأمان
فقد سلّم سكان سربرينيتسا جميع أسلحتهم على أمل أن يحميهم ذلك. أما في غورازده، وهي المنطقة الآمنة الأخرى، فقد رفض المواطنون والجيش تسليم أسلحتهم.
وكما تعلمون، سقطت سربرينيتسا، وقُتل أكثر من ثمانية آلاف رجل وصبي، لأن الأمم المتحدة لم تكتف بعدم حمايتهم فحسب، بل كانت في كثير من النواحي شريكة في الأمر.
لقد ساعدوا الصرب في فصل الرجال عن النساء، وطردوا جميع الأشخاص الذين كانوا يحميون السكان من داخل قاعدة الأمم المتحدة.
بعبارة أخرى، لا تثق بأحد. أعني، أي شخص يأتي ويقول: سلّمني أسلحتك وسأحميك، فلن يحميك.
الوحيد القادر على حمايتك هو أنت نفسك.
الدرس الثالث: احذروا من خديعة “تبادل الأسرى”
كانت هذه القصة شائعة لدى كثيرين ممن سُجنوا وعُذبوا وتعرضوا للضرب، وغير ذلك. ثم يأتي يوم يظهر فيه شخص ويقول: سنأخذكم لتبادل الأسرى.
لا، ففي كل حالة تقريبًا، كانوا يحملون هؤلاء الرجال والنساء والأطفال، وكل من سُجن، على الشاحنات أو الحافلات، ويأخذونهم إلى مقبرة جماعية وينفذون فيهم الإعدام.
الدرس الرابع: لا لثقافة النسيان
ففي البوسنة، كانت عدة إبادات جماعية قد وقعت بالفعل. تعرض المسلمون البوسنيون لإبادة جماعية في عام 1941، وهناك مثال لإبادة جماعية يعود إلى عام 1873 في كولان فاكوف، الواقعة في شمال غرب البوسنة.
وبعد كل هذه الأحداث، مارس المسلمون البوسنيون، لنقل، ثقافة النسيان، حيث أرادوا طي تلك الصفحات والقول إن هذا لن يحدث مجددًا. وكانت الفكرة السائدة: “لقد قتلونا آنذاك، لكنهم لن يفعلوا ذلك الآن”.
المشكلة أن الأسباب والحجج التي استخدمت لتبرير تلك الإبادة لم تختفِ. فقد كانت موجودة عام 1873 وما زالت قائمة في عام 2025، مما يعني أن الأمور الجوهرية لم تتغير فعليًا.
لذا لا تفترض أن أحدهم قد تغيّر ما لم يثبت ذلك بالفعل. أي، هل خاضوا عملية مصالحة حقيقية؟ هل اتخذوا خطوات ملموسة تُظهر تغيّرهم فرديًا وثقافيًا لتبدأ في التفكير بأنهم جادون فعلًا حين يقولون: “هذا لن يحدث مجددًا”.
الدرس الخامس: الإبادة تحتاج إلى ثقافة تسمح بحدوثها
يكفي أن يشترك نحو 2 إلى 3% فقط من السكان في تنفيذ الإبادة الجماعية فعليًا. ومع ذلك، تحتاج العملية إلى ما يقارب 40 إلى 50% من السكان المدنيين ليكونوا متواطئين، أي لتقديم العون والمساعدة في تنفيذ هذه الإبادة. وهناك العديد من الأمثلة على ذلك.
وثانيًا، تحتاج إلى نسبة كبيرة من السكان المدنيين المتجاهلين لمعاناة الآخرين، أي أنهم لن ينفذوها بأنفسهم، وقد يقولون حتى: “لا أحب هذا، لا أعتقد أننا يجب أن نفعل ذلك”، لكنهم سيتركون الأمر يحدث ويتجاهلونه.
لذا من المهم جدًا أن نتذكر أن الأمر أكبر بكثير من مجرد المنفذين؛ فالأمر يحتاج إلى ثقافة تسمح بحدوثه.
الدرس السادس: الافتراض أصل كل الإخفاقات لذا، لا تفترض
هناك أمثلة كثيرة جدًا على قيام أفراد من العائلة بقتل أفراد آخرين من عائلاتهم، أو على سبيل المثال، قيام الآباء الروحيين بقتل أبنائهم الروحيين الذين كانوا من ديانة أخرى.
فكان الأب الروحي صربيًا، ويقوم بقتل الأطفال المسلمين والعائلات التي كان أبًا روحيًا لها.
وكان الجميع يتساءل: كيف يمكن أن يحدث هذا؟ كيف انتقلوا من كونهم أفرادًا من العائلة وأصدقاء مقرّبين إلى قتلتهم فجأة؟
عندما تفهم أن هؤلاء كانوا يعيشون وفق فلسفة «أبقِ أصدقاءك قريبين، وأعداءك أقرب»، تدرك أنهم كانوا يعتبرون كل من ارتبطوا بهم عائليًا أعداءً في الحقيقة.
لقد ظلوا قريبين منهم طوال السنوات، وتظاهروا بالصداقة، ثم عندما سنحت لهم الفرصة لارتكاب الإبادة الجماعية، فعلوا ذلك. ولا تفترض أن من يبدو قريبًا من عائلتك، أو يظهر بمظهر العائلة، هو عائلتك حقًا.
فالافتراض، كما يُقال، أصل كل الإخفاقات. لذا، لا تفترض.
الدرس السابع: البرى ليست أكثر أمانا من المدن
وبالحديث عن الافتراضات، لا تفترض أن القرى ستكون أكثر أمانًا من المدن. فمعظم الإبادة، ومعظم أعمال القتل والاغتصاب، وغيرها من الجرائم، وقعت خارج البيئات الحضرية.
لقد كانت نتيجة لاجتياح القرى وهي بلا دفاع، ثم ارتكاب جرائم حرب مروعة فيها.
الدرس الثامن: اختبئ في المقابر
إذا كنت فارًا، فإن المقابر تُعد مكانًا مناسبًا للاختباء؛ إذ إن أحدًا لا يتوقع وجود الأحياء هناك.
الدرس التاسع: اهرب!
في جميع الحروب، بما فيها الإبادة الجماعية في البوسنة، يُختار دائمًا عدد من الناس لأعمال السخرة القسرية. فإذا جرى اختيارك لحفر الخنادق، فلا تفترض أن حياتك في مأمن، أو أن الأمور ستسير على ما يرام.
في معظم الحالات تقريبًا، كان حفارو الخنادق يُعدمون جميعًا في نهاية المطاف. لذلك، لا تفترض أنك ستكون آمنًا لمجرد أنك تعمل في حفر الخنادق.
بل ابحث عن أي فرصة للفرار. افترض أنك ميت سلفًا، وابحث عن لحظة الهرب.
الدرس العاشر: كن مكتفيا ذاتيا
وهو درس بالغ الأهمية: أن تكون مكتفيًا ذاتيًا بالغذاء والماء والطاقة.
فقد انتهى حال معظم البوسنيين إلى عدم الاكتفاء الذاتي، ولا سيما في سراييفو، حيث كنت خلال حصار المدينة. إذ حاصر الجيش الصربي سراييفو، واستمر الحصار ألفًا وخمسمائة يوم، وهو أطول حصار موثق في التاريخ.
ولم يكن سكان سراييفو مكتفين بالغذاء، ولذلك اعتمدنا على الأمم المتحدة وغيرها لجلب المساعدات الإنسانية، غير أن المشكلة كانت أن تلك المساعدات لم تكن تصل أحيانًا.
والمشكلة الأخرى أن جودة تلك المساعدات كانت بالغة السوء. ففي أحيان كثيرة كنا نضطر إلى أكل علب تونة تعود إلى خمسينيات القرن الماضي، وبسكويت من أربعينياته، وحصص عسكرية من ستينياته.
كانت هذه المواد تأتي أساسًا من مخزونات غذائية قديمة لدى الغرب.
لقد قدموا لنا أسوأ ما لديهم على الإطلاق، أشياء لم يكونوا ليأكلوها هم أنفسهم. كنا بمثابة حقل تجارب لتلك الأغذية، ولا أحد يعلم أي أذى ألحقته بأجسادنا.
الدرس الحادي عشر: تذكر.. فالنسيان خيانة!
في البوسنة، عند وقوع إبادة جماعية أو حدث مأساوي عظيم، يميل المسلمون البوسنيون إلى ترسيخ ثقافة النسيان لا ثقافة التذكّر، فيسعون إلى القول: لنسامح وننسَ.
لا! أرى أن المسامحة فكرة جيدة؛ فلا ينبغي للإنسان أن يحتبس كل ذلك في داخله، ولا أن يحمل الحقد في قلبه، كي لا يلتهمه من الداخل.
لكن في الوقت ذاته، لا ينبغي أبدًا، أبدًا أن ننسى. فالنسيان خيانة لأولئك الذين قُتلوا.وكأنهم ماتوا بلا معنى، وماتوا سدى، ولم يعد أحد يذكر موتهم. ولم يعد أحد يتذكر الدروس المستخلصة من موتهم. لذلك، لا، لا ينبغي أن ننسى.
ولا ينبغي أن ننسى أيضًا لأن علينا أن نعلّم القادمين من بعدنا أن هذا قد يحدث مرة أخرى. أي إن أبناءهم يجب أن يكونوا على وعي بأن هذا قد يتكرر.
لذا، من فضلكم، لا تنسوا. نعم، سامحوا، ولكن لا تنسوا.
الدرس الثاني عشر: ابق مختبئا
كان هذا الأمر حاضرًا بقوة في جميع تلك الحالات التي دخل فيها الجيش الصربي إلى القرى.
كانوا غالبًا ينادون أهل القرية قائلين: اخرجوا جميعًا، لن نطلق النار عليكم. إن خرجتم فستكونون في أمان. أما إذا بقيتم في بيوتكم واختبأتم، فسوف نقتلكم. ولهذا اختار كثير من الناس، بطبيعة الحال، الخروج، وقالوا: حسنًا، سنفعل ما قيل لنا.
وكان ذلك خطأً قاتلًا. إذا كنت مختبئًا، فابقَ مختبئًا.
الدرس الثالث عشر: لا تعد للمكان الذي نجوت منه
قد ينجو الشخص من إطلاق النار، وقد ينجو من مجزرة، ويُؤخذ إلى منطقة تحتوي على مقبرة جماعية.
لقد نجا البعض لسبب ما، وعاد بعضهم إلى مكان أسرهم الأصلي، أي قراهم وما شابه ذلك. وكان ذلك خطأً قاتلًا.
إذا كنت قد أُسرت هناك من قبل، فغالبًا ستُؤسر هناك مرة أخرى. لذا، ليس من الحكمة، حتى لو كان الدافع عاطفيًا، العودة إلى مكان اعتقدت أنه آمن، مثل بيتك القديم حيث كانت عائلتك، فذلك ليس مكانًا آمنًا.
الدرس الرابع عشر: لا تكن مطيعا بشكل أعمى
هذا يعود إلى فكرة دخول الأشخاص إلى القرية التي تكون ضعيفة الدفاع أو بلا دفاع على الإطلاق. إذا دخلوا وقالوا: اخرجوا، أو فقط الرجال يخرجون، فعلى الجميع أن يفرّوا.
فهناك العديد من الأمثلة على من فرّوا فنجت حياتهم، أما من بقوا فلفقدوا حياتهم.
لذا، من المهم جدًا ألا تكون مطيعًا بشكل أعمى.
الدرس الخامس عشر: لا تحسن الظن في عدوك
هذا الدرس بالغ الأهمية. لا تعش في إنكار أو أوهام كاذبة، معتقدًا أن هذا لن يحدث، وأن الناس ليسوا وحوشًا مطلقة. عليك أن تفترض أنهم وحوش بالفعل، لا سيما إذا كان هناك سابقة لارتكابهم جرائم مروعة كما حدث في البوسنة.
لذلك، إذا علمت أن الخطر قادم، أو شعرت عميقًا بأن الخطر يقترب، فلا تحاول إقناع نفسك بخلاف ذلك، بل صدّق شعورك. إذا كان الناس يهددون حياتك، صدّق ذلك واهرب.
أخرج نفسك من الوضع الرهيب قبل فوات الأوان.
وآمل أن يكون في ما قلته بعض الفائدة، قد تُسهم — لا قدر الله إن وجدت نفسك في إبادة كالتي عشناها في البوسنة — في إنقاذ حياتك.




اترك تعليقاً