كيف تستخدم الصين العمل لإعادة تشكيل هوية الأويغور والسيطرة على منطقة استراتيجية

static map 300

كانت برامج العمل الحكومية تهدف إلى انتشال إحدى أفقر مناطق البلاد من الفقر، لكنها استخدمت أيضًا كأداة لتقويض المقاومة للحكم الصيني.

يصل الأويغور إلى المدن الصناعية الصينية بالقطارات والطائرات، غالبًا في مجموعات يرتدون قبعات أو سترات متطابقة. تُرسلهم الحكومة للعمل حيثما دعت الحاجة، سواء في تشكيل نعال المطاط، أو تجميع الأسلاك الكهربائية للسيارات، أو فرز جثث الدجاج.

وقد كشفت تحقيقات مشتركة بين صحيفة نيويورك تايمز، ومكتب الصحافة الاستقصائية، ومجلة دير شبيغل أن الأويغور يُرسلون من وطنهم، تركستان الشرقية، ضمن برامج عمل حكومية، بشكل أوسع مما كان موثقًا من قبل.

وجدنا أن العمال يشاركون الآن في صناعة مجموعة متنوعة من السلع لصالح العديد من العلامات التجارية المعروفة في مصانع بأنحاء البلاد، مما يُشكل تحديًا للجهات التنظيمية الدولية الساعية لاكتشاف واستئصال العمل القسري من سلاسل التوريد.

يقدّر الخبراء أن عشرات الآلاف من الأويغور قد تم نقلهم ضمن هذه البرامج. وبينما لا تزال الظروف الدقيقة التي يواجهها هؤلاء العمال غير واضحة، يؤكد خبراء من الأمم المتحدة في مجال العمل، وأكاديميون، ومدافعون عن حقوق الإنسان، أن هذه البرامج تحمل طابعًا قسريًا.

وقالت رحيمة محمود، ناشطة أويغورية في المنفى والمديرة التنفيذية لمنظمة “أوقفوا إبادة الأويغور” البريطانية: “بالنسبة لهؤلاء الأويغور الذين يُجبرون ويُسحبون من منازلهم للذهاب إلى العمل، فالأمر أشبه بالجحيم”.

وأضافت: “إنه كما لو أنك تُنقل من بلد إلى آخر. هذا هو مدى الاختلاف، من اللغة، إلى الطعام، إلى أسلوب الحياة”.

أما السفارة الصينية في واشنطن فقالت إن الادعاءات بشأن العمل القسري في تركستان الشرقية ليست سوى “أكاذيب خبيثة اختلقتها قوى مناهضة للصين”.

قالت السفارة إن سياسات الحكومة جعلت المنطقة أكثر أمانًا. وأضافت: “القضايا المتعلقة بتركستان الشرقية ليست قضايا حقوق إنسان على الإطلاق، بل هي في جوهرها تتعلق بمكافحة الإرهاب العنيف والانفصالية”.

لطالما لعبت الحكومة الصينية دورًا مركزيًا في نقل الأويغور من منازلهم إلى وظائف داخل تركستان الشرقية وأيضًا إلى مناطق أخرى من الصين. وقد كانت هذه الاستراتيجية تهدف في البداية إلى تقليل الفقر والبطالة، لكنها في السنوات الأخيرة أصبحت جزءًا أساسيًا من جهود بكين لإعادة تشكيل هوية الأويغور باسم الأمن.

وقد فرضت السلطات حملة قمع أمني مكثفة في تركستان الشرقية لقمع أي بوادر مقاومة لحكم بكين، وذلك بعد موجة من العنف تورّط فيها أويغور. ففي عام 1434هـ (2013م)، اندفعت سيارة رباعية الدفع نحو حشد قرب ساحة تيانانمن في بكين، ما أسفر عن مقتل اثنين وإصابة العشرات؛ وفي عام 1435هـ (2014م)، هاجمت مجموعة مسلحة بسكاكين طويلة أشخاصًا في محطة قطار بمدينة كونمينغ جنوب غربي البلاد، مما أسفر عن مقتل 31 شخصًا.

وقد ردّ على ذلك بحملة قمعية واسعة في تركستان الشرقية شملت احتجاز الأويغور في معسكرات اعتقال، وإجبارهم على العمل في المصانع والحقول.

استخدمت السلطات برنامج نقل العمالة للسيطرة على الأويغور الذين لم يكونوا في المعسكرات، وفقًا لأدريان زينز، وهو عالم أنثروبولوجيا وخبير في قضية العمل القسري للأويغور. وقد اعتبر المسؤولون الصينيون كثيرًا من هؤلاء الأويغور “عاطلين” وبالتالي يشكّلون تهديدًا ويتطلبون مراقبة دقيقة.

واقترح تقرير شارك مع المسؤولين الصينيين عام 1439هـ (2018م)، أعدّه باحثون في جامعة نانكاي شمال شرقي الصين، توسيع برنامج النقل لتقليل الكثافة السكانية للأويغور في تركستان الشرقية و”دمجهم واستيعابهم” عرقيًا.

وتُظهر ملفات داخلية مسرّبة من شرطة تركستان الشرقية حصلت عليها مؤسسة نصب ضحايا الشيوعية التذكاري، وهي منظمة غير ربحية مناهضة للشيوعية مقرها واشنطن ويعمل فيها السيد زينز مديرًا لدراسات الشأن الصيني، أن أي شخص يرفض المشاركة في برنامج حكومي مثل برنامج نقل العمالة قد يواجه الاعتقال.

يقول نشطاء أويغور في الخارج إن بعض الأويغور يختارون الذهاب لأنهم سئموا من المراقبة المستمرة ونقاط التفتيش الأمنية التي تجعل الحياة في بعض مناطق تركستان الشرقية تبدو كأنها سجن مفتوح.

ويقول الخبراء إن عملية التوظيف تحمل طابعًا قسريًا أيضًا، وغالبًا ما تتكون من فرق عمل حكومية تجوب القرى من باب إلى باب وتُجبر المزارعين على مغادرة منازلهم، وغالبًا للمرة الأولى.

وقال دارين بايلر، أستاذ الأنثروبولوجيا المتخصص في دراسة ثقافة الأويغور في جامعة سايمون فريزر بكندا، إن المسؤولين الحكوميين يُعرض عليهم حوافز لتجنيد أكبر عدد ممكن من الأويغور من أجل تحقيق الأهداف التي تحددها الدولة لعدد العمال المنقولين.

كما ينضم الأويغور إلى البرنامج بسبب قلة الفرص الأخرى. فقد فقد كثير من الأويغور في المناطق الريفية وظائفهم بعد أن صادرت الحكومة الأراضي لصالح مشاريع تنموية ومزارع كبيرة مملوكة للدولة. كما واجه الأويغور منذ زمن طويل تمييزًا من قبل أصحاب العمل الصينيين الذين يفضلون غالبًا توظيف أفراد من عرقية الهان الأغلبية.

وأشار تقرير جامعة نانكاي إلى وقوع العديد من الحالات التي منعت فيها الشرطة المحلية في مقاطعات أخرى الأويغور المنقولين من النزول من القطارات، مما أدى إلى العديد من الحوادث “المحرجة”، بحسب وصف الكُتّاب، حيث يحصل العمال على موافقة لمغادرة محطة القطار، ليُمنعوا لاحقًا من دخول مصانعهم. وحتى إذا سُمح لهم بالدخول، فقد يُمنعون أحيانًا من العمل ويُعادون إلى منازلهم.

nutimes

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا