تقع كشمير، تلك الأرض الجبلية الخلابة في شمال الهند، في قلب صراع طويل الأمد بين الهند وباكستان، لكنها قبل كل شيء موطن لما يزيد عن 12 مليون مسلم يشكلون الأغلبية في وادي كشمير.
هذه الأقلية المسلمة تواجه منذ عقود انتهاكات جسيمة لقيم الإنسانية وحقوق الإنسان، في صراع لا يزال يترك ندوبًا عميقة على الأمة الإسلامية.

تاريخ كشمير الإسلامي وتراثها
دخل الإسلام إلى كشمير عبر طرق التجارة والدعوة منذ القرن السابع الميلادي، حيث كان للعلماء والدعاة دور كبير في نشر الإسلام بطريقة حضارية ومسالمة، مثل الشيخ نور الدين زنكي والسلطان سكندر بوتشي. عبر قرون، ازدهرت الحضارة الإسلامية في كشمير، وبنى المسلمون مجتمعًا متنوعًا ثقافيًا واجتماعيًا يدمج بين التراث الإسلامي والتقاليد المحلية.
حتى قبل تقسيم شبه القارة عام 1366هـ (1947م)، كان المسلمون يشكلون الغالبية في وادي كشمير، مع تأثير واضح على الحياة الاجتماعية والدينية والثقافية في المنطقة.

تقسيم الهند وتأثيره على كشمير
مع تقسيم الهند في عام 1366هـ (1947م)، تم تقسيم كشمير بين الهند وباكستان بشكل جزئي، حيث بقي الجزء الأكبر تحت سيطرة الهند، وهو ما أدى إلى نزاعات متكررة واشتباكات مسلحة على مدى العقود. استُغل هذا الانقسام لتضييق الخناق على السكان المسلمين في الجزء الهندي، حيث بدأت السلطات الهندية بتطبيق سياسات تهدف إلى تغيير التركيبة السكانية والسيطرة على الأرض.
كيف أثر قرار الهند بإلغاء المادة 370؟
في 4 ذو الحجة 1440ه (5 أغسطس 2019م)، ألغت الحكومة الهندية المادة 370 من الدستور، التي كانت تمنح كشمير حكمًا ذاتيًا خاصًا، معترفًا به قانونيًا يضمن حماية الهوية الدينية والثقافية لسكانها المسلمين. هذا القرار أحبط التوازن الذي كان قائمًا، وأدى إلى فرض حكم مباشر من نيودلهي.
نتج عن هذا القرار حظر شامل للحريات، مع قطع للاتصالات والانترنت، واعتقالات جماعية استهدفت كبار المسؤولين والناشطين، وأثارت مخاوف عالمية من تصعيد العنف وانتهاكات حقوق الإنسان.
المجازر والانتهاكات في كشمير
- مجزرة سريناغار 1407- 1408ه (1986-1987م)
خلال هذه الفترة، تصاعدت الاحتجاجات السلمية في وادي كشمير ضد السلطات الهندية، احتجاجًا على القمع السياسي والتمييز الديني والعرقي. ردت القوات الهندية بقمع دموي، حيث استخدمت الذخيرة الحية ضد المتظاهرين العزل، ما أدى إلى مقتل مئات الأشخاص وجرح الآلاف. كما رافق ذلك عمليات اعتقال واسعة، وتعرض المعتقلون للتعذيب والإخفاء القسري.
وقد أشارت تقارير حقوقية إلى استخدام القوات الهندية لأساليب تعذيب نفسية وجسدية قاسية، مما زاد من تأجيج الغضب الشعبي.

- مجزرة كارجيل 1411ه (1990م)
في أوائل التسعينيات، مع تصاعد النزاع المسلح في كشمير، قامت القوات الهندية بحملات مداهمة مكثفة في المناطق وادعاء بأن هناك المسلحين فيها، ولكن في هذا الإدعاء كان اكثر تضرر هم المدنيين. شملت هذه الحملات عمليات اعتقال تعسفية، حيث اختفى آلاف الأشخاص قسرًا ولم يُعرف مصيرهم حتى اليوم؛ كما تم توثيق حالات تعذيب وحشية في السجون الهندية.
وعُرفت هذه الفترة بانتشار جرائم اغتصاب استهدفت نساء المساجد في القرى، كوسيلة للضغط والترهيب، وهو ما أثار استنكارًا دوليًا لكنه استمر دون محاسبة.
- مجزرة دامان 1431ه (2010م)
في 29 رجب 1431ه (11 يوليو 2010م)، شهدت كشمير واحدة من أكثر فصول القمع دموية في تاريخها الحديث، حين أطلق الجيش الهندي النار على متظاهرين سلميين خرجوا احتجاجًا على مقتل بعض الشباب على يد قوات الأمن.
قُتل أكثر من 100 شخص وأُصيب المئات، معظمهم من المدنيين العزل، بينهم نساء وأطفال. أثارت هذه المجازر إدانات دولية ومحلية واسعة، وأظهرت تقارير أن القوات استخدمت الذخيرة الحية بشكل غير متناسب، بالإضافة إلى استخدام الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، مما أدى إلى حالة من الذعر والدمار في المنطقة.
الاعتقالات وحملات القمع بعد إلغاء المادة 370، في عام 1440ه(2019م)
في ذي الحجة (أغسطس 2019م)، ألغت الحكومة الهندية الحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به ولاية جامو وكشمير (المادة 370)، وهو قرار أثار أزمة سياسية كبيرة. رافق القرار فرض حالة الطوارئ في المنطقة، حيث تم قطع الإنترنت بشكل كامل ومستمر، وفرض حظر تجوال شامل لأشهر. اعتقلت السلطات آلاف القادة السياسيين والنشطاء والصحفيين وحتى المواطنين العاديين، دون تقديم تهم واضحة أو محاكمات عادلة؛ كما تضاعفت حملات القمع الأمني، التي تضمنت الاعتداءات على التجمعات السلمية، واستخدام القوة المفرطة، وفرض قيود مشددة على التنقل والتجمع.
هذا الواقع أدى إلى تفاقم المعاناة الإنسانية، وعزلة المنطقة عن العالم الخارجي، مما حال دون مراقبة دقيقة وموثقة من قبل المنظمات الحقوقية، لكنه زاد من الصرخات المطالبة بالعدالة والحرية من داخل كشمير وخارجها.
الانتهاكات المستمرة بحق مسلمي كشمير
يشهد المسلمون في كشمير سلسلة من الانتهاكات المستمرة منها:
- الاعتقالات التعسفية: حيث تم اعتقال آلاف النشطاء السياسيين والدينيين دون محاكمات عادلة.
- التعذيب والاختفاء القسري: وثقت مئات الحالات في تقارير حقوقية دولية.
- فرض قيود صارمة على الحركة مما أثر على حق السكان في العمل والتعليم والرعاية الصحية.
- مداهمات المنازل والتفتيشات العسكرية التي تثير الرعب والذعر في صفوف المدنيين.
- فرض قيود على الممارسة الدينية إغلاق المساجد ومنع التجمعات الدينية.
- الرقابة على الإعلام وقطع الانترنت؛ مما يعزل كشمير عن العالم ويمنع توثيق الانتهاكات.
هذه السياسات تخلق واقعًا إنسانيًا مأساويًا يعاني فيه الشعب المسلم من الفقر، القهر، والخوف المستمر.
أثر الصراع على الحياة اليومية
تأثر التعليم، الصحة، والاقتصاد بشكل كبير، إذ أغلقت المدارس مرات عديدة، وانخفضت فرص العمل، ونقصت الخدمات الطبية. ومع تفاقم القيود الأمنية، يعاني السكان من تدهور نفسي واجتماعي حاد.
الصمت الدولي والدور الإسلامي
بالرغم من وجود تقارير متعددة من منظمات حقوق الإنسان العالمية، فإن المجتمع الدولي لم يفرض ضغوطًا كافية لإنهاء الانتهاكات في كشمير.
من الناحية الإسلامية، تعتبر قضية كشمير من أهم القضايا التي تستوجب وقوف الأمة الإسلامية معها، ليس فقط لأن المسلمين فيها مضطهدون، بل لأن الحق والعدل في كشمير يمثلان منطلقًا لبناء وحدة وتضامن إسلامي قوي.
التحديات والآفاق المستقبلية
رغم الظروف الصعبة، يبقى الأمل قائمًا في انتصار شعب كشمير على الظلم، من خلال ثباتهم وصمودهم. كما تتزايد الدعوات العالمية والدينية التي تركز على ضرورة رفع الحصار، وضمان حقوق الإنسان، وتمكين الشعب الكشميري من تقرير مصيره.
يا أمة الإسلام، لا تغمضوا أعينكم عن معاناة إخوانكم في كشمير وغيرها من بقاع الأرض التي يحتاج فيها المسلمون إلى صوتكم وصلواتكم. دماؤهم تسيل وصمتنا يطيل أمد الظلم. آن الأوان أن نكون صوتهم ويدهم ونبض قلوبهم.
فلنرفع صوتنا عاليًا، ولنكن صوت المظلومين، ولنحرك الضمائر الغافلة، فبدون وحدة الأمة ودعمها الحقيقي ستظل معاناة كشمير وباقي المناطق مستمرة، وسيظل جرحها ينزف دون شفاء.
أيها المسلمون، حان وقت العمل، حان وقت التضامن، حان وقت النهوض من الغفلة، ولنثبت أن شعلة الإيمان لا تنطفئ مهما تعالت رياح الظلم.
مصادر ومراجع للمراجعة:
منظمة العفو الدولية، هيومن رايتس ووتش، الجزيرة، الموسوعة البريطانية – تاريخ كشمير، تايمز أوف إنديا.
اترك تعليقاً