قمع الصين للأويغور في تركستان الشرقية المحتلة

photo ٢٠٢٥ ٠٨ ٢٨ ١٠ ٤٠ ٣٥

أفادت التقارير أن الحكومة الصينية احتجزت أكثر من مليون مسلم في ما تسميه “معسكرات إعادة التأهيل” منذ عام 1438ه‍ـ (2017م)، ويُقدر عدد المعتقلين حاليًا بنصف مليون. معظم المعتقلين من الأويغور، وهم جماعة عرقية ناطقة بالتركية في الغالب، وتقع بشكل رئيسي في منطقة تركستان الشرقية المحتلة (والتي تسميها الصين شينجاينغ) شمال غرب الصين، وهي إحدى المناطق الخمس ذات الحكم الذاتي في الصين. (وتشمل المناطق الأخرى قوانغشي، ومنغوليا الداخلية، ونينغشيا، والتبت). كما تعرض الأويغور في المنطقة لمراقبة مكثفة، وعملًا قسريًا، وفصلًا عائليًا، وعمليات تعقيم غير طوعية، من بين انتهاكات أخرى لحقوقهم.

وصفت الولايات المتحدة وحكومات أجنبية أخرى أفعال الصين في تركستان الشرقية بالإبادة الجماعية، بينما صرّح مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأن هذه الانتهاكات قد تُشكّل جرائم ضد الإنسانية. ويدّعي المسؤولون الصينيون أنهم لم ينتهكوا حقوق الأويغور، وأن معسكرات إعادة التأهيل أُغلقت عام 1440ه‍ـ (2019م). وبينما أكدت التقارير الدولية إغلاق العديد من هذه المراكز، أفادت التقارير بأن الحكومة حوّلت بعضها إلى مراكز احتجاز. ومع ذلك، يصعب الحصول على تقييم دقيق للوضع في المنطقة، إذ تفرض الحكومة الصينية قيودًا صارمة على وصول الصحفيين والزوار الأجانب إلى تركستان الشرقية المحتلة.

كم عدد المسلمين المعتقلين في الصين؟

وفقًا لباحثين دوليين ومسؤولين حكوميين أمريكيين، احتُجز أكثر من مليون شخص من الأويغور والأقليات المسلمة الأخرى، بمن فيهم الكازاخستانيون والأوزبك، منذ عام 1438ه‍ـ (2017م). (أفادت بعض جماعات الرقابة أن التقديرات الأحدث تشير إلى أن العدد يقترب من 1.8 مليون). احتُجز الكثيرون في منشآت مغلقة تُطلق عليها الحكومة الصينية اسم “مراكز التعليم والتدريب المهني”. ومع ذلك، فإن المصطلحات الأكثر شيوعًا التي تستخدمها المؤسسات الإعلامية الدولية والباحثون هي معسكرات إعادة التأهيل، ومعسكرات الاعتقال، ومعسكرات الاحتجاز. وبينما لم تُعلن الحكومة الصينية عن أي حصيلة رسمية للوفيات، فقد وقعت وفيات أثناء الاحتجاز.

خارج المعسكرات ومرافق الاحتجاز والسجون، لا يزال أحد عشر مليونًا من الأويغور المقيمين في تركستان الشرقية -المعروفة رسميًا بمنطقة شينجيانغ الأويغورية ذاتية الحكم بعد احتلال الصين لها- يعانون من حملة قمع مستمرة منذ عقود من قبل السلطات الصينية. في عام 1438ه‍ـ (2017م)، أصدر الرئيس الصيني شي جين بينغ “اللوائح المُنقحة للشؤون الدينية”، التي تنص على عدم جواز استخدام النشاط الديني لتقويض الوحدة العرقية للبلاد. في تركستان الشرقية المحتلة، وردت تقارير عن التمييز في التوظيف، وهدم المساجد والمواقع الإسلامية المقدسة، وحظر ارتداء الملابس الدينية، وحالات الاختفاء القسري.

متى بدأت الاعتقالات الجماعية للمسلمين؟

يقدر الخبراء أن جهود إعادة التأهيل بدأت في تركستان الشرقية في عام 1435ه‍ـ (2014م) وتوسعت بشكل كبير في عام 1438ه‍ـ (2017م). وفي أعقاب سلسلة من الهجمات على المدنيين في عام 1435ه‍ـ (2014م)، مثل الطعن الجماعي في محطة قطار في كونمينغ، يونان، والتفجيرات في عاصمة تركستان الشرقية المحتلة، أورومتشي، أشارت الحكومة الصينية إلى مخاوف “الإرهاب” كعامل محفز للحملة.

ابتداءً من عام 1438ه‍ (2017م)، وثّق الخبراء والصحفيون بناء معسكرات إعادة تأهيل جديدة وتوسيع المرافق القائمة للاحتجاز الجماعي. ووجد صحفيو رويترز الذين يراقبون صور الأقمار الصناعية أن تسعة وثلاثين معسكرًا تضاعف حجمها تقريبًا ثلاث مرات بين رجب 1438ه‍ـ وذو القعدة 1439ه‍ـ (أبريل 2017م وأغسطس 2018م)؛ حيث غطت مساحة إجمالية تقارب حجم 140 ملعبًا لكرة القدم. وبالمثل، حلل عالم الأنثروبولوجيا الألماني وخبير تركستان الشرقية المحتلة أدريان زينز الميزانيات المحلية والوطنية، ووجد أن الإنفاق على بناء المرافق المتعلقة بالأمن في تركستان الشرقية زاد بمقدار 20 مليار يوان (حوالي 2.96 مليار دولار) في عام 1438ه‍ (2017م). وصرح زينز لإذاعة آسيا الحرة في عام 1440ه‍ (2019م) أن تقديراته لعدد معسكرات الاعتقال في تركستان الشرقية المحتلة تتجاوز على الأرجح ألف معسكر.

في منتصف عام 1440ه‍ـ (في أواخر عام 2019م)، صرّح حاكم تركستان الشرقية المحتلة بأن الأشخاص المحتجزين في معسكرات إعادة التأهيل قد “تخرجوا”، وأن السلطات الصينية تُصرّح بأنهم يتمتعون بحرية السفر. لكن يصعب على الصحفيين التحقق من هذه الادعاءات، نظرًا لقيود الدخول الشديدة، وقد يُعرّضهم التحدث مع السكان المحليين لخطر الاعتقال. وقد أظهرت تقارير مستقلة أن بعض المحتجزين المُفرج عنهم واجهوا الإقامة الجبرية، وقيودًا على الحركة، والعمل القسري.

على الرغم من أن الصحفيين اكتشفوا إغلاق العديد من المعسكرات بالفعل أواخر عام 1440ه‍ـ (2019م)، إلا أن باحثين في المعهد الأسترالي للسياسات الاستراتيجية (ASPI) حددوا في العام التالي أكثر من 380 منشأة احتجاز مشتبه بها باستخدام صور الأقمار الصناعية. ووجدوا أن الصين أعادت تصميم بعض معسكرات إعادة التأهيل ذات الإجراءات الأمنية المخففة وتحويلها إلى مراكز احتجاز أو سجون رسمية؛ ووسّعت مراكز الاحتجاز القائمة؛ وأنشأت مراكز احتجاز جديدة شديدة الحراسة في جميع أنحاء تركستان الشرقية المحتلة. (قال مسؤولون صينيون إن المعهد الأسترالي للسياسات الاستراتيجية أداة مناهضة للصين بتمويل من أستراليا والولايات المتحدة).

بدلاً من احتجاز الأشخاص في معسكرات إعادة التأهيل، تستخدم السلطات الآن بشكل متزايد نظام العدالة الرسمي لسجن الأشخاص. في عام 1443ه‍ـ (2022م)، وجدت وكالة أسوشيتد برس أنه في إحدى المقاطعات، حُكم على ما يُقدر بواحد من كل خمسة وعشرين شخصًا بالسجن بتهم تتعلق بالإرهاب، وجميعهم من الأويغور. ووفقًا لتقرير صدر عام 1446ه‍ـ (2025م) عن متحف الولايات المتحدة التذكاري للهولوكوست، لا يزال أكثر من نصف مليون شخص محتجزين في سجون رسمية أو معتقلين خارج نطاق القضاء في البلاد.

ماذا حدث في معسكرات إعادة التأهيل؟

لم تُوجَّه اتهامات رسمية إلى معظم المحتجزين في معسكرات إعادة التأهيل، ولم يكن لديهم أي سبيل قانوني للطعن في احتجازهم. ويبدو أن المحتجزين استُهدفوا لأسباب متعددة، وفقًا لتقارير إعلامية، منها السفر إلى أو الاتصال بأشخاص من أيٍّ من الدول الست والعشرين التي تعتبرها الصين حساسة، مثل تركيا وأفغانستان؛ وحضور الصلوات في المساجد؛ وإنجاب أكثر من ثلاثة أطفال؛ وإرسال رسائل نصية تحتوي على آيات قرآنية. وفي كثير من الأحيان، كانت جريمتهم الوحيدة هي كونهم مسلمين، حيث يُصنَّف العديد من الأويغور كمتطرفين لمجرد ممارستهم لدينهم، وفقًا لمنظمات حقوق الإنسان.

لا تزال المعلومات المتوفرة حول ما حدث في مراكز إعادة التأهيل محدودة، لكن العديد من المعتقلين الذين فروا من الصين وصفوا ظروفًا قاسية. أصدر مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تقريرًا عام 1443ه‍ (2022م)، استنادًا إلى مقابلات مع عشرات الأشخاص، من بينهم ستة وعشرون معتقلًا سابقًا، كشف عن “أنماط من التعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” في هذه المراكز بين عامي 1438 و1439ه‍ـ (2017 و2018م).

أكد تقرير الأمم المتحدة نتائج سابقة لصحفيين وباحثين ومنظمات حقوقية دولية. وأظهرت تحقيقات مختلفة أن المعتقلين أُجبروا على إعلان ولائهم للحزب الشيوعي الصيني ونبذ الإسلام، بالإضافة إلى مدح الشيوعية وتعلم لغة الماندرين. وأفاد بعض الأشخاص بظروف أشبه بالسجن، حيث تُراقب الكاميرات والميكروفونات كل حركة وكل نطق. وقال آخرون إنهم تعرضوا للتعذيب والحرمان من النوم أثناء الاستجواب. وروت نساء قصص اعتداء جنسي ، بما في ذلك الاغتصاب. وفكر بعض المعتقلين المفرج عنهم في الانتحار أو شهدوا آخرين ينتحرون.

كما أدى الاحتجاز إلى تشتيت العائلات. وكثيرًا ما أُجبر الأطفال الذين أُرسل آباؤهم إلى المعسكرات على العيش في دور أيتام تديرها الدولة. واجه العديد من آباء الأويغور المقيمين خارج الصين خيارًا صعبًا: إما العودة إلى ديارهم للبقاء مع أطفالهم ومخاطرة الاحتجاز، أو البقاء في الخارج منفصلين عنهم وغير قادرين على التواصل معهم. كما أفادت العديد من العائلات بأن أطفالها أُخذوا إلى مدارس داخلية دون موافقتهم. ووفقًا لخبراء مستقلين من الأمم المتحدة، فإن لغة التدريس في المدارس هي لغة الماندرين بشكل شبه حصري، وتفاعل الطلاب مع أسرهم محدود.

ماذا يقول المسؤولون الصينيون عن المعسكرات؟

أنكر المسؤولون الحكوميون في البداية وجود المعسكرات. ومع ذلك، بحلول بدايات 1440ه‍ـ (أواخر عام 2018م)، بدأ المسؤولون بالاعتراف بوجود “مراكز للتعليم والتدريب المهني” في تركستان الشرقية المحتلة. وصرحوا علنًا بأن للمعسكرات غرضين: تعليم لغة الماندرين والقوانين الصينية والمهارات المهنية، ومنع المواطنين من التأثر بالأفكار المتطرفة من خلال القضاء على “الأنشطة الإرهابية في مهدها”، وفقًا لتقرير حكومي . وأشار المسؤولون إلى أن شينجيانغ لم تشهد أي هجوم إرهابي منذ ربيع الأول 1438ه‍ـ (ديسمبر 2016م)، وزعموا أن المعسكرات منعت العنف.

مع تزايد الإدانة العالمية للانتهاكات، سعى المسؤولون الصينيون ووسائل الإعلام الحكومية إلى تشويه التقارير المتعلقة بتركستان الشرقية المحتلة باستخدام مجموعة من الأساليب ، بما في ذلك نشر معلومات مضللة ومضايقة النشطاء. وكرروا رواية مفادها أن “القوى المعادية للصين” في الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تنشر “أكاذيب دنيئة”. وحاولت بكين منع مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من إصدار تقريره لعام 1443ه‍ (2022م) حول تركستان الشرقية المحتلة. وبعد صدوره، حاول المسؤولون الصينيون تشويهه باعتباره معلومات كاذبة، زاعمين في رد منشور أن الحكومات والمنظمات الأجنبية “تنشر شائعات وأكاذيب كثيرة” حول تركستان الشرقية المحتلة.

لماذا تستهدف الصين الأويغور في تركستان الشرقية المحتلة؟

يزعم المسؤولون الصينيون أنهم يشعرون بالقلق من أن يكون لدى الأويغور أفكار “متطرفة وانفصالية”، ونظروا إلى المعسكرات باعتبارها وسيلة للقضاء على التهديدات التي تواجه سلامة أراضي الصين وحكومتها وسكانها.

تدّعي الصين السيادة على تركستان الشرقية المحتلة منذ تولي الحزب الشيوعي الصيني السلطة عام 1368ه‍ـ (1949م) ويُطلق بعض الأويغور المقيمين هناك على المنطقة اسم تركستان الشرقية، ويجادلون بضرورة استقلالها عن الصين. تُشكل تركستان الشرقية التي احتلتها الصين سدس مساحة الصين، وتحدها ثماني دول، منها أفغانستان وباكستان وكازاخستان.

في عهد الرئيس الصيني شي جين بينغ، سعى الحزب الشيوعي الصيني إلى إضفاء الطابع الصيني على الدين، أي صياغة جميع الأديان بما يتوافق مع مبادئ الحزب الملحد رسميًا وعادات مجتمع الهان الصيني ذي الأغلبية.

لقد أصبحت الحكومة الصينية تصف أي تعبير عن الإسلام في تركستان الشرقية المحتلة بأنه متطرف، وهو رد فعل على حركات الاستقلال السابقة واندلاعات العنف العرضية. في العقود الأخيرة، ألقت الحكومة باللوم في الهجمات “الإرهابية” على حركة تركستان الشرقية الإسلامية، وهي جماعة انفصالية أسسها بعض الأويغور. في عام 1441ه‍ـ (2020م)، أزالت الولايات المتحدة الجماعة من قائمتها للمنظمات “الإرهابية”، قائلة إنه لا يوجد دليل موثوق على أن الجماعة كانت تعمل منذ عقد مضى على الأقل). بعد هجمات 23 جمادى الآخرة (11 سبتمبر)، بدأت الحكومة الصينية في تبرير أفعالها تجاه الأويغور كجزء من الحرب العالمية على الإرهاب. وادعت إنها ستحارب ما أسمته “الشرور الثلاثة” – الانفصالية والتطرف الديني والإرهاب الدولي – بأي ثمن. وهكذا تبرر القمع القسري للأويغور.

في عام 1430ه‍ـ (2009م) ، اندلعت أعمال شغب في أورومتشي، حيث تظاهر متظاهرون أغلبهم من الأويغور احتجاجًا على هجرة الهان الصينية المشجعة من الدولة إلى المنطقة، والتمييز الاقتصادي والثقافي الواسع النطاق ضدهم. قُتل ما يقرب من مئتي شخص، ويقول الخبراء إن ذلك مثّل نقطة تحول في موقف بكين تجاه الأويغور. ففي نظر بكين، يُحتمل أن يكون جميع الأويغور “إرهابيين” أو متعاطفين معهم. وعلى مدى السنوات القليلة التالية، ألقت السلطات باللوم على الأويغور في الهجمات التي وقعت على مكتب حكومي محلي، ومحطة قطار، وسوق مفتوح، بالإضافة إلى ساحة تيانانمن في بكين.

أثناء زيارته لتركستان الشرقية المحتلة عام 1435ه‍ـ (2014م)، دعا الرئيس سي إلى استخدام أدوات “الدكتاتورية” للقضاء على خطابات الدين في سلسلة من الخطب السرية. في هذه الخطب، التي كشفت عنها صحيفة نيويورك تايمز عام 1440ه‍ـ (2019م)، لم يدعُ شي صراحةً إلى الاعتقال التعسفي، بل مهد الطريق لحملة القمع في تركستان الشرقية المحتلة.

في عام 1438ه‍ـ (2017م)، اعترفت حكومة تركستان الشرقية المحتلة رسميًا باستخدام مراكز التدريب للقضاء على التطرف. وأعقب ذلك انتشار معسكرات إعادة التأهيل للمعتقلين تعسفيًا من الأويغور.

كما قدّمت جائحة كوفيد-19 سببًا آخر لتشديد القيود على الصحفيين. فقد شهدت تركستان الشرقية إغلاقًا صارمًا ونقصًا في الغذاء. كما فرضت السلطات رقابة على المنشورات الإلكترونية التي تنتقد سياسة الإغلاق الحكومية، واعتقلت الشرطة بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي واتهمتهم بنشر الشائعات. كما جعلت سياسات الجائحة من شبه المستحيل على الصحفيين الأجانب السفر إلى تركستان الشرقية المحتلة والإبلاغ عنها.

هل هناك عوامل اقتصادية وراء هذه الحملة؟

تُعدّ تركستان الشرقية المحتلة حلقة وصل مهمة في مبادرة الحزام والطريق الصينية ، وهي خطة تنمية ضخمة تمتد عبر آسيا وأوروبا. وتأمل بكين في القضاء على أي احتمال للنشاط الانفصالي لمواصلة تطوير تركستان الشرقية، موطن أكبر احتياطيات الفحم والغاز الطبيعي في الصين.

أُجبر العديد من الأشخاص الذين اعتُقلوا تعسفيًا على العمل، وفقًا لتقارير متعددة. وقد قدر معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي أنه بين عامي 1438 و1441ه‍ـ (2017 و2020م)، أُرسل ثمانين ألفًا من الأويغور المعتقلين سابقًا إلى مصانع في جميع أنحاء الصين مرتبطة بثلاث وثمانين علامة تجارية عالمية. وقد وُثقت بعض معسكرات إعادة التأهيل على أنها تحتوي على مصانع على أراضيها. كما استخدمت الحكومة بشكل متزايد أساليب قسرية للسيطرة على أراضي الأويغور، مما أجبر المزارعين على العمل في المصانع. ويقول باحثون من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن العمل القسري عنصر مهم في خطة الحكومة للتنمية الاقتصادية في تركستان الشرقية (شينجيانغ)، والتي تشمل جعلها مركزًا لتصنيع المنسوجات والملابس. وقد وصف المسؤولون الصينيون هذه السياسة بأنها “تخفيف حدة الفقر”.

في الوقت نفسه، دأب الحزب الشيوعي الصيني على الترويج للسياحة المحلية في تركستان الشرقية منذ عام 1444ه‍ـ (2023م) في محاولة لإعادة صياغة العلامة التجارية للمنطقة وتسليع ثقافة الأقلية المسلمة. يشارك السياح في جوانب من نسخة منظمة بإحكام من ثقافة الأويغور، بما في ذلك الأويغور الذين يُوظفون لأداء الرقصات التقليدية والعمل في صناعات المطاعم والفنادق. كما وسعت سلاسل الفنادق الدولية من تطورها بشكل كبير في تركستان الشرقية أيضًا – حيث يتتبع مشروع حقوق الأويغور ما لا يقل عن 115 فندقًا دوليًا اعتبارًا من شوال 1446ه‍ـ (أبريل 2025م)، و74 فندقًا في مراحل تخطيط مختلفة. بلغ إجمالي السياحة في تركستان الشرقية أعلى مستوى له على الإطلاق عند 302 مليون زيارة في عام 1445ه‍ـ (2024م)؛ ويهدف مكتب السياحة في المنطقة إلى زيادة الزيارات إلى 400 مليون بحلول عام 1452ه‍ـ (2030م). وبلغ الإنفاق على الفنادق الفاخرة وغيرها من أماكن الإقامة 97 مليون دولار في عام 1444ه‍ـ (2023م)، على أمل جذب المزيد من الأجانب.

ماذا يحدث خارج المعسكرات في تركستان الشرقية المحتلة؟

يقول الصحفيون الدوليون الذين زاروا المنطقة إن تركستان الشرقية تحولت إلى دولة مراقبة تعتمد على أحدث التقنيات لمراقبة ملايين الأشخاص. في عام 1438ه‍ـ (2017م)، وُضعت تركستان الشرقية المحتلة تحت نظام إدارة شبكي، كما هو موضح في التقارير الإعلامية، حيث قُسِّمت المدن والقرى إلى مربعات تضم حوالي خمسمائة شخص. كان لكل مربع مركز شرطة يراقب السكان عن كثب من خلال مسح بطاقات هويتهم بانتظام، والتقاط صورهم وبصمات أصابعهم، وتفتيش هواتفهم المحمولة. ومع ذلك، فقد أُزيلت العديد من نقاط التفتيش هذه أو هُجرت في السنوات القليلة الماضية واستُبدلت بمزيد من المراقبة السرية. كما تجمع الحكومة وتخزن البيانات الحيوية للمواطنين من خلال برنامج إلزامي يُعلن عنه باسم ” الفحوصات البدنية للجميع” .

يُجمع جزء كبير من هذه المعلومات في قاعدة بيانات ضخمة تُعرف باسم منصة العمليات المشتركة المتكاملة، والتي تستخدم الذكاء الاصطناعي لإنشاء قوائم بما يُسمى بالأشخاص المشتبه بهم. كشفت وثائق حكومية صينية سرية أصدرها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) عام 1440ه‍ـ (2019م) أن أكثر من خمسة عشر ألفًا من سكان تركستان الشرقية وُضعوا في مراكز احتجاز خلال فترة سبعة أيام في شوال 1438ه‍ـ (يونيو/حزيران 2017م) بعد أن رُصدوا بواسطة الخوارزمية. ووصفت الحكومة الصينية الوثائق المسربة بأنها “محض افتراء”.

لقد طُمِسَت جوانب كثيرة من حياة المسلمين، كما كشف صحفيون يغطون تركستان الشرقية المحتلة. يُجنَّد أعضاء الحزب الشيوعي منذ عام 1435ه‍ـ (2014م) للإقامة في منازل الأويغور والإبلاغ عن أي سلوكيات “متطرفة” يُنظر إليها على أنها كذلك، بما في ذلك صيام رمضان. دمَّر المسؤولون آلاف المساجد، زاعمين في كثير من الأحيان أن المباني بُنيت بشكل رديء وغير آمنة للمصلين. أصبح العثور على الطعام الحلال، المُعَد وفقًا للشريعة الإسلامية، أصعب في أورومتشي بعد أن شنَّت الحكومة المحلية حملةً ضده. بين عامي 1430 و 1444ه‍ـ (2009 و2023م)، غيَّرت الحكومة أسماء 630 قرية أويغورية ذات قيمة تاريخية ودينية وثقافية، وفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

أفادت نساء الأويغور والأقليات الأخرى بتعرضهن لعمليات تعقيم قسري وتركيب لولب رحمي واعتقل المسؤولون من ينتهكون أوامر منع الحمل أو ينجبن أطفالًا أكثر من اللازم. بتحليل بيانات حكومية، وجد زينز أنه في محافظتي تركستان الشرقية اللتين تضمان أعلى نسبة من الأويغور، انخفضت معدلات النمو السكاني الطبيعي (التي تستثني التغير السكاني الناتج عن الهجرة) بنسبة 84% بين عامي 1436 و1439ه‍ـ (2015 و2018م)، ووصلت إلى مستويات قريبة من الصفر في عامي 1442و 1443ه‍ـ (2021 و2022م). ويُحظر على الآباء الأويغور تسمية أطفالهم بأسماء معينة، بما في ذلك محمد ومدينة.

كما ضغطت بكين على الحكومات الأخرى لإعادة الأويغور الذين فروا من الصين. ووجد تقرير صدر عام 1443ه‍ـ (2022م) عن مركز ويلسون أن أكثر من 1500 من الأويغور في الخارج قد تم احتجازهم في بلدانهم المضيفة أو أجبروا على العودة إلى الصين. ففي عام 1436ه‍ـ (2015م)، على سبيل المثال، أعادت تايلاند أكثر من مائة من الأويغور، وفي عام 1438ه‍ـ (2017م) رحلت مصر العديد من الطلاب. ورحلت الحكومة التايلاندية مؤخرًا ثمانية وأربعين من الأويغور في شعبان 1446ه‍ـ (فبراير 2025م) – على الرغم من إدراج الحكومة لمبدأ قانوني دولي يحظر على الدول إعادة الأشخاص إلى مكان يواجهون فيه خطر الاضطهاد. وأظهرت الوثائق التي أصدرها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين في عام 1440ه‍ـ (2019م) أن الحكومة الصينية أصدرت تعليمات للمسؤولين بجمع معلومات عن الأويغور الصينيين الذين يعيشون في الخارج ودعت إلى اعتقال الكثيرين بمجرد عودتهم إلى الصين.

ما هو رد الفعل العالمي؟

فرضت دول عديدة عقوبات على مسؤولين وكيانات صينية مرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان. كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مسؤولين صينيين في عام 1442ه‍ـ (2021م)، في أول مرة يفرض فيها الاتحاد قيودًا على الصين منذ عام 1410ه‍ـ (1989م) وفي ربيع الثاني 1446ه‍ـ (أكتوبر/تشرين الأول 2024م)، أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا طارئًا أدان اضطهاد الأويغور وحثّ الحكومة الصينية على إطلاق سراح المعتقلين. وفي محرم 1447ه‍ـ (يوليو/تموز 2025م)، ذهب أعضاء برلمان مدينة أمستردام إلى أبعد من ذلك، حيث أقرّوا اقتراحًا باستخدام اسم “تركستان الشرقية” -وهو الاسم الأصلي قبل احتلال الصين لها- بدلًا من “شينجيانغ”.

فرضت الحكومات الأجنبية أيضًا قيودًا لمعالجة مشكلة العمل الجبري في تركستان الشرقية المحتلة. حظرت الولايات المتحدة جميع الواردات من المنطقة بموجب قانونها لمنع العمل الجبري للأويغور ، واقترحت المملكة المتحدة تدابير لتغريم الشركات التي لا تضمن عدم استخدام العمل الجبري في سلاسل توريدها. في جمادى الأولى 1446ه‍ـ (نوفمبر 2024م)، اعتمد الاتحاد الأوروبي حظرًا على بيع المنتجات المصنوعة من العمل الجبري.

التزم شركاء الصين الصمت بشكل ملحوظ، مُعطين الأولوية لعلاقاتهم الاقتصادية والاستراتيجية مع الصين على انتهاكات حقوق الإنسان. في ذو القعدة 1443ه‍ـ (يونيو/حزيران 2022م)، وقّعت ستون دولة – بما في ذلك دول ذات أغلبية مسلمة مثل باكستان والمملكة العربية السعودية – بيانًا يدعو مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إلى احترام أن القضايا المتعلقة بتركستان الشرقية المحتلة هي “شؤون داخلية صينية”، ويؤكدون “معارضتهم لتسييس حقوق الإنسان”. وقد انتقدت جماعات حقوق الإنسان هذه الدول ذات الأغلبية المسلمة لتغاضيها عن الانتهاكات.

المصدر: Council on Foreign Relations (CFR)

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا