جاء هذا القرار إثر مخاوف من أن عدة أبحاث منشورة في مجلة “بحوث العلوم الجنائية” لم تستوفِ المعايير الأخلاقية في جمع عينات الحمض النووي.
أعلنت دار نشر جامعة أكسفورد (OUP) عن توقفها عن نشر مجلة أكاديمية مثيرة للجدل ترعاها وزارة العدل الصينية، بعد سنوات من المخاوف بشأن عدم امتثال عدة أبحاث منشورة في المجلة للمعايير الأخلاقية المتعلقة بجمع عينات الحمض النووي.
ونشرت مجلة “بحوث العلوم الجنائية” (FSR) بيانًا على موقعها الرسمي يفيد بأن دار النشر ستتوقف عن إصدار هذه المجلة الفصلية عقب نهاية هذا العام.
تأتي مجلة FSR من الأكاديمية الصينية للعلوم الجنائية، وهي جهة تابعة لوزارة العدل. وتصف الأكاديمية المجلة بأنها “الوحيدة باللغة الإنجليزية التي تصدر ربع سنويًا في مجال العلوم الجنائية في الصين، مع تركيز خاص على الطب الشرعي”. وكانت دار نشر جامعة أكسفورد قد بدأت بنشرها منذ عام 1444هـ (2023م).
وقد أثارت عدة أبحاث نُشرت في FSR انتقادات بسبب دراستها للبيانات الوراثية لأويغور وغيرهم من الأقليات العرقية التي تخضع لمراقبة مشددة في الصين. ويقول المنتقدون إن المشاركين في هذه الدراسات قد لا يكونون قد منحوا موافقة حرة لاستخدام عينات حمضهم النووي، كما أن هذه الدراسات قد تسهم في تعزيز عمليات المراقبة الجماعية لتلك الفئات.
في دراسة واحدة نُشرت عام 1441هـ (2020م)، تم تحليل عينات دم لـ 264 من الأويغور في أورومتشي، عاصمة تركستان الشرقية (إقليم شينجيانغ) في شمال غرب الصين. وأفاد البحث بأن الأشخاص الذين قدموا العينات قد وافقوا على المشاركة في الدراسة وأن بياناتهم أُجريت عليها إجراءات إخفاء الهوية.
وكان المؤلف الرئيسي للدراسة مرتبطًا بجهاز الأمن الصيني عبر كلية شرطة شينجيانغ، التي قدمت منحة بحثية.
في عام 1445هـ (2024م)، أصدرت دار نشر جامعة أكسفورد “تصريحًا بالقلق” بشأن المقالة، ردًا على تساؤلات حول مدى حرية الأويغور في شينجيانغ في رفض المشاركة في دراسة أجراها ممثلو جهاز الأمن الصيني، ولم تُسحب المقالة حتى الآن.
وقد تم سحب بحثين آخرين نُشرا في FSR ويعتمدان على عينات DNA من سكان صينيين، من قِبل دار نشر جامعة أكسفورد منذ عام 1444هـ (2023م) بسبب مخاوف أخلاقية. وفي الحالتين، كان عدد من الباحثين ينتمون إلى أجهزة الشرطة الصينية.
وغالبًا ما تُجرى أبحاث العلوم الجنائية تحت إشراف أجهزة الشرطة، لكن في الصين، حيث يخلو جهاز الأمن من آليات الرقابة والتوازن، ثارت المخاوف من أن هذه الأبحاث قد لا تلتزم بالمعايير الأخلاقية الدولية.
يتعرّض الأويغور في تركستان الشرقية (شينجيانغ) لمراقبة مشددة من قِبل السلطات الحكومية، ويُقدّر أن نحو مليون منهم احتُجزوا بين عامي 1437-1439هـ (2016 و2018م) في ما تسميه الصين “مراكز التدريب المهني”. وقد قالت الأمم المتحدة إن سياسات الصين في شينجيانغ قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية. كما وردت تقارير تفيد بأن سلطات شينجيانغ تجمع عينات حمض نووي من ملايين الأويغور بحجة الفحوصات الصحية، لكن الأويغور ومنظمات حقوق الإنسان يؤكدون أن هذه الإجراءات إجبارية وتهدف إلى تعزيز عمليات المراقبة.
أثار إيف مورّو، أستاذ الهندسة بجامعة لوڤان في بلجيكا والمتخصص في تحليل الحمض النووي، أولى المخاوف بشأن علاقة دار نشر جامعة أكسفورد بمجلة “بحوث العلوم الجنائية” وعدة دراسات منشورة فيها. وأعرب عن امتنانه لقرار الدار، لكنه رأى أن البيان العام المختصر الصادر لم يعالج القضايا الجوهرية المطروحة.
ونشر بيان على موقع مجلة FSR، المستضافة من قِبل دار أكسفورد، جاء فيه: “لن تستمر دار نشر جامعة أكسفورد في نشر مجلة بحوث العلوم الجنائية بعد إصدار عام 1446هـ (2025م). وسيكون العدد الأخير الصادر عن الدار هو المجلد العاشر، العدد الرابع”.
استحوذت دار أكسفورد على المجلة عام 1444هـ (2023م). وبموجب شروط اتفاقية النشر بين الدار والأكاديمية الصينية للعلوم الجنائية، التي اطلعت عليها صحيفة الغارديان، منح الاتفاق دار أكسفورد الحق في جذب المعلنين المدفوعين داخل صفحات المجلة، كما منحها الحق في تحصيل أي عوائد مالية تحصل عليها الأكاديمية من نشاطات مرتبطة بالمجلة.
ورفضت دار أكسفورد الخوض في تفاصيل أسباب إنهاء شراكتها مع مجلة FSR.
شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في التدقيق حول المعايير الأخلاقية لأبحاث الجينات المنشورة من الصين. ففي العام الماضي، سحبت مجلة متخصصة في علم الوراثة تصدرها دار نشر علمية رائدة 18 دراسة صينية بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.
تركزت المخاوف حول مدى قدرة الفئات الضعيفة في الصين على رفض المشاركة بحرية، خصوصًا حين يأتي الباحثون من مؤسسات مرتبطة بجهاز الأمن، مثل الشرطة. كما يثير القلق احتمال أن تؤدي هذه الدراسات الجنائية المتعلقة بجمع عينات الحمض النووي إلى تعزيز عمليات المراقبة الجماعية لتلك الفئات.
قال مورّو: “علم الوراثة الجنائي مجال يتطلب حذرًا خاصًا، لأن هذه الأبحاث تدعم عمليات التعريف بالحمض النووي وقواعد بيانات الشرطة. ورغم أن التعريف بالحمض النووي تقنية ثمينة تساعد في حل الجرائم، إلا أنها تثير قضايا تتعلق بالخصوصية والأخلاقيات.” وأضاف أن المراقبة الجماعية للأقليات في شينجيانغ والتبت تجعل من الصين بلدًا تحديًا خاصًا لتطبيق المعايير الدولية للأبحاث الأخلاقية وحقوق الإنسان.
رافق انطلاق مجلة FSR عام 1437هـ (2016م) افتتاحية تشير إلى رعايتها من جهة تابعة لوزارة العدل الصينية. وكان دوارتي نونو فييرا، رئيس التحرير المشارك للمجلة، قد نفى سابقًا أن يكون الدعم المالي من وزارة العدل الصينية قد أثر على سياسات التحرير.
لم يرد نونو فييرا على طلب للتعليق، لكن في مقال نُشر يوم الثلاثاء، كتب محررو FSR أن المجلة تمر بـ”لحظة تحول، متجذرة في نجاحاتها السابقة، وتمتد بأيدي واثقة نحو مستقبل أكثر إشراقًا”. وسيتم تسليم نشر المجلة إلى شركة KeAi، وهي مشروع مشترك صيني تديره دار النشر العلمية الهولندية إلسفير وشريك صيني.
وزارة العدل الصينية والأكاديمية الصينية للعلوم الجنائية لم تردا على طلبات التعليق.
صحيفة الغارديان البريطانية.
اترك تعليقاً