“سأعيش هنا وسأموت هنا”: الفلسطينيون يتحدّون بينما يخطط الكيان المحتل للسيطرة على مدينة غزة

3758

في حين يستعد بعض سكان غزة للإجلاء نحو الجنوب، يرفض آخرون التهجير مرة أخرى.

مشرّدون مرارًا، أُجبروا على العيش في مخيمات خيام أو بين أنقاض منازلهم، منهكون من الجوع ومحرومون من الإمدادات الطبية.

واليوم، وبعد مرور اثنين وعشرين شهرًا على اندلاع الحرب، يستعد نحو مليون فلسطيني لفاجعة جديدة، عقب قرار مجلس الأمن التابع للكيان المحتل السيطرة على مدينة غزة. إذ إن مثل هذا الهجوم سيدفعهم نحو جنوب القطاع، نحو مستقبل مجهول.

قالت أم إبراهيم بنات، البالغة من العمر خمسة وخمسين عامًا، وهي أم من شمال غزة نزحت قسرًا أربع مرات: “منذ صباح اليوم، وبعد سماع خبر إخلاء مدينة غزة، يلازمني القلق والخوف. إلى أين سنمضي نحن والأطفال وكبار السن؟ أقسم أننا أرهقنا من التهجير والجوع، ومن دفعنا من مكان إلى آخر.”

وأضافت: “نحن الآن أموات يمشون على الأرض.”

وبعد اجتماع ليلي استمر عشر ساعات، أعلن مكتب رئيس وزراء الكيان المحتل، بنيامين نتنياهو، يوم الجمعة أن مجلسه الأمني قد أقر خطة للسيطرة على مدينة غزة، في تصعيد جديد لعدوانه الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 61 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين.

وفقًا للقناة الثانية عشرة التابعة للكيان المحتل، فإن الخطة — التي تتضمن إرسال قوات برية إلى القطاع — قد تؤدي إلى تهجير عشرات الآلاف من السكان، وتعطيل الجهود المبذولة لإيصال الغذاء إلى المنطقة، وإجبار نحو مليون فلسطيني في مدينة غزة ومناطق أخرى على الانتقال إلى مناطق الإجلاء في جنوب القطاع.

قالت أم إبراهيم، التي فقدت ابنتها مريم مع زوجها وأطفالها: “لقد دُمّرت غزة بالكامل، فماذا بقي ليفعلوه؟ قد فقدنا خيرة شبابنا، وأرضنا تحولت إلى سجن كبير محاصر برًّا وبحرًا وجوًّا، والدمار تجاوز حدود الاحتمال، والأمراض تنتشر، والخيام تمتد إلى ما لا نهاية، والمياه ملوثة، والأسعار جنونية، والمستشفيات في حالة خراب، وحياتنا مأساة كاملة! ماذا يريدون بعد؟”

ولا يزال توقيت تنفيذ عملية برية كبرى جديدة غير واضح، إذ يُرجَّح أن يتطلب الأمر حشد آلاف الجنود. غير أن مصادر مطلعة على تفاصيل الاجتماع أفادت بأن عملية إخلاء مدينة غزة من المقرر أن تُستكمل بحلول السابع من أكتوبر.

ولا يُعرف عدد السكان الذين ما زالوا يقيمون في المدينة، التي كانت أكبر مركز سكاني في غزة قبل اندلاع الحرب. ففي الأسابيع الأولى من عدوان عام 1445هـ (2023م)، فرّ مئات الآلاف تحت وطأة أوامر الإخلاء، لكن كثيرين عادوا إليها خلال فترة الهدنة في مطلع هذا العام.

وعلى الرغم من أن سكان مدينة غزة يقولون إنهم لم يتلقوا بعد أوامر بالإخلاء، فإن كثيرين بدأوا بالفعل بالاستعداد للرحيل مجددًا، على أمل العثور على ملاذ آمن في الجنوب.

يقول أبو ناصر مشتهى، البالغ من العمر خمسةً وثلاثين عامًا: “إذا طُلب منا الإخلاء، فسأترك كل شيء وأرحل، خوفًا على عائلتي وأطفالي”، وهو أب لأربعة أطفال ويسكن في حي الرمال بغزة. “كلفة البقاء ستكون باهظة للغاية، فقد فقدتُ ما يكفيني، إذ قُتلت أمي في بداية الحرب حين قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلًا مجاورًا.”

ويضيف مشتهى: “لقد بدأتُ بالفعل بوضع خطة مالية لتقليل النفقات، والتجهيز لنقل الضروريات فقط”، قبل أن يختم قائلًا: “هذا بلا شك سيكون نهاية شعب غزة.”

الفلسطينيون، الذين نزح ما لا يقل عن 90% منهم مرة واحدة على الأقل بسبب الحرب، وأُصيب قرابة واحد من كل عشرة منهم في هجمات الاحتلال الإسرائيلي، يستعدون لجولة جديدة من المعاناة. فما تبقى من النظام الصحي يكاد يكون معدومًا، فيما حُرمت وكالات الإغاثة، وعلى رأسها الأمم المتحدة، إلى حد كبير من الوصول بفعل قيود الاحتلال.

لقد دفعت الحرب آلافًا إلى اللجوء لمدن مثل خان يونس ورفح، لكن هاتين المدينتين لم تعدا اليوم سوى ركام، ولا يُعرف إلى أين يمكن للمدنيين الفارين من الهجوم الجديد أن يجدوا مأوى. ولهذا السبب، وبينما يخطط آلاف آخرون لرحلة نزوح جديدة، يتمسك عدد مماثل بالبقاء في مدينة غزة، ولو كان ذلك على حساب حياتهم.

يتساءل حسام السقا، البالغ من العمر ستةً وأربعين عامًا: “كيف يمكن إفراغ كل هؤلاء الناس نحو الجنوب وهو مكتظ أصلًا؟” وهو أب لطفلين من مدينة غزة. “نحن باقون في بيوتنا وعلى أرضنا، متمسكون بها، ولن أرحل ولو وُجّهت كل الأسلحة إلى رأسي.”

ويضيف: “أرى دعاية نتنياهو والكيان المحتل مجرد ألعاب إعلامية نارية، غايتها التخويف وبث الرعب في نفوس الناس. لكن هذا لن يرهبنا، فالله معنا، وهو أقوى من الجميع.”

ويرى السقا، كسائر كثيرين في غزة، أن خطة الاحتلال ما هي إلا محاولة للضغط على حركة حماس للقبول بالاستسلام، بعد أن تعثرت الشهر الماضي المفاوضات التي توسطت فيها الولايات المتحدة ومصر وقطر.

“هذه أرضنا التي نشأنا فيها منذ الطفولة، ولن نفرط فيها بسهولة”، يقول إبراهيم أبو الحُسني، البالغ من العمر سبعةً وأربعين عامًا، والذي فقد ابنه البكر، البالغ من العمر ثلاثةً وعشرين عامًا، خلال الحرب. “لن أترك هذه المدينة.”

“سأعيش هنا”، يضيف، “وسأموت هنا.”

صحيفة الغارديان البريطانية.

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا