ابتداءً من 1438هـ (أبريل 2017م)، تم سجن أو احتجاز الأويغور المتهمين بامتلاك “معتقدات دينية قوية” وأفكار “غير صحيحة سياسيًا” في معسكرات سياسية لـ “إعادة التعليم” في مختلف أنحاء منطقة تركستان الشرقية المحتلة (شينجيانغ الأويغورية الذاتية الحكم) شمال غرب الصين. وتشير مصادر موثوقة إلى أن نحو 1.1 مليون شخص محتجزون أو كانوا محتجزين في هذه المعسكرات، ما يعادل 10–11٪ من سكان المنطقة البالغين المسلمين. وقد اشتكى الأويغور منذ زمن طويل من التمييز الواسع، والقمع الديني، وقمع الثقافة تحت الحكم الصيني. وأجرت خدمة الأويغور في إذاعة آسيا الحرة (RFA) مؤخرًا مقابلات مع عدد من الأويغور الذين رووا تفاصيل الانتهاكات التي تعرضوا لها أثناء إجبارهم على حضور جلسات التلقين السياسي، أو أثناء احتجازهم في السجون خارج نطاق القضاء وفي شبكة معسكرات إعادة التعليم.
الشهادة الأولى: «هذه أماكن تستخدمها الحكومة الصينية لقمعنا»
يروي أويغوري محتجز بتهمة “التطرف” تفاصيل احتجازه في سجن ومعسكر سياسي لـ “إعادة التعليم”.
عبد السلام محمد، صاحب عمل سابق في الأربعينيات من عمره من مدينة خوتان (بالصينية، هيتيان) في محافظة خوتان بمنطقة تركستان الشرقية المحتلة، تم احتجازه خارج نطاق القضاء لمدة ستة أشهر بدءًا من 1438هـ (أواخر 2016م) بسبب معرفة السلطات بأن أفراد أسرته يمارسون الدين الإسلامي، رغم أنه لم يكن متدينًا ظاهرًيا. وبعد إطلاق سراحه من السجن، أُرسل إلى معسكر سياسي لـ “إعادة التعليم” لمدة 70 يومًا، حيث تعرض لجلسات دعاية يومية وأُجبر على أداء أغانٍ تمجد الحزب الشيوعي الحاكم في الصين. وتحدث محمد مؤخرًا إلى خدمة الأويغور في RFA من منفاه في تركيا عن ما تحملّه خلال فترة احتجازه.
س: حدثنا عن أول مرة سُجنت فيها.
عبد السلام محمد: عندما بدأت الحكومة الصينية “ضرباتها القاسية”، أصبحت هدفًا لهذه الضربات لأنني مؤمن بالله. أحب ديني، أحب شعبي ووطني. أنا شخص رفض الخضوع للسلطة الصينية. حتى لو لم أقم بأي عمل [يتعلق بمعتقداتي]، كانت السلطات الصينية تعلم بأفكاري لأن لديهم مخبرين يعملون لديهم… وأصدروا بحقي مذكرة اعتقال في 2016.
وبما أنني بريء، ظننت أنني سأسلم نفسي. لم يكن لدي ما أخفيه ولم يكن لدي مكان أذهب إليه. كانت بطاقة هويتي وجواز سفري قابلين للتتبع، ولم يكن لدي أي مكان ألجأ إليه. وبالحقيقة، أنا بريء… أخبرت السلطات [في وطني] أنني انتقلت إلى أورومشي [عاصمة المنطقة] للعمل ودراسة اللغة الإنجليزية، وأنني كنت أبحث عن فتح مطعم، لكنني مستعد للتحدث معهم حول سبب بحثهم عني. قالوا: “لقد تصرفت بحكمة بالاتصال وتسليم نفسك. انتظرنا هناك.” انتظرت لمدة يومين… جاء شخصان إلى أورومشي. طلبوا مني الذهاب إلى عنوان محدد، وذهبت دون أي قلق لأنني كنت بريئًا. ثم أخذوني إلى مكتب الأمن القومي للاستجواب.
حال وصولنا، أخذوني لمكان لسحب الدم. وبعدها حلقوا شعري ومزقوا ملابسي، لأنه لم يكن مسموحًا بارتداء أي ثياب بها أزرار، وتركت مع سروالي الداخلي الطويل وقميص فقط. دخلنا بوابة مركز الاحتجاز، المحاطة بالكاميرات. كان جميع الحراس مسلحين. فتحت البوابة على ساحة، وعلى الجانب الأيمن كان موظفو مكتب الأمن القومي يستجوبون الناس ويضربونهم. وعلى الجانب الأيسر كان هناك زنزانة احتجاز، حيث يُحتجز الأشخاص الذين يخططون لاستجوابهم. وبعد استجواب النزلاء، كانوا يُرسلون إلى السجن الفعلي. بعضهم يبقى هناك أربعة إلى خمسة أيام، بينما يُحتجز آخرون لمدة 10 أو 15 يومًا حتى تُوجه إليهم تهمة مثل “الافتراء”.
كنا في غرفة صغيرة مساحتها ثلاثة في ثلاثة أمتار مع حصيرة رقيقة على الأرض. نام عليها خمسة عشر شخصًا. خمسة عشر شخصًا. إذا استلقينا على ظهورنا، لم نكن لنجد مكانًا. خمسة عشر شخصًا مكبلين بالأصفاد على أقدامنا. شخصان يستخدمان بطانية واحدة ويستلقون ظهرًا لظهر.
لم يكن هناك مرحاض، بل دلو بلاستيكي اشتريناه… كل 24–48 ساعة، كان يتم تفريغه… وكان شخصان يستخدمان بطانية لتغطيتنا عندما نستخدم الدلو داخل الزنزانة. وبعد الانتهاء، كانت الرائحة تملأ الغرفة بأكملها… وكان شخصان مكبلان عند الكاحلين… والشخص الآخر المربوط ساقه بساقي كان عليه أن يقف بجانبي أثناء قضاء حاجتي.
كان هناك كرسي قديم وصلب، مضطرون للجلوس عليه طوال اليوم بينما تراقبنا كاميرا. كانت أردافنا تتألم ونشعر بألم لاذع من الجلوس الثابت، ولكن إذا تحركنا ولو قليلاً، كانوا يصرخون ويهددوننا عبر مكبرات الصوت بكلمات بذيئة جدًا، وأحيانًا يدخلون مباشرة ليبدأوا بضربنا.
كان علينا أن نتحمل كل هذا ونحن لا زلنا في مرحلة التحقيق فقط—هذا كان الوضع قبل توجيه أي تهمة رسمية لأي منا.
في الصباح، كانوا يقدمون لنا قطعة صغيرة من الخبز مع شوربة خضار. لم تُغسل الخضروات قبل الطهي. أعتقد أن الطباخ الذي اختاروه كان الأسوأ لأن الطعام كان فظيعًا. كان يمكنك رؤية الديدان تطفو في الشوربة. لم يكن للطعام أي طعم. وإذا وُجد الملح، لم يكن يستخدمه. كانت الشوربة مجرد خضروات مسلوقة في الماء… أما الغداء فكان شوربة أرز، أحيانًا نيئة وأحيانًا محترقة. لم يهتم أحد بحالة طعامنا. كانوا يريدون لنا الموت هناك. أما العشاء، فكان عبارة عن رغيفي خبز مطهوين على البخار وشاي.
ظروف السجن
س: هل مرض أحد أثناء تواجدكم هناك؟
محمد: نعم، كان هناك العديد من المرضى… إذا كان شخص على وشك الموت… كانوا يسحبونه لأخذه إلى المستشفى… أنا أعاني من ارتفاع ضغط الدم. ساءت حالتي بعد احتجازي هناك وعانيت كثيرًا من ارتفاع ضغط الدم. مرضت بشدة في اليوم الخامس أو السادس بعد وصولي… وظللت فاقدًا للوعي لمدة ستة أو سبعة أيام… وحتى لو كنت قد مت هناك، لما اهتم أحد. لم يكن أحد يعطي أي دواء… في ذلك الوقت، كنت مريضًا جدًا لدرجة أن بعض إخواننا [الأويغور] المحتجزين هناك كانوا يقرأون وصاياهم للآخرين تحسبًا لموتهم، خوفًا من أن ينتهي بهم المطاف في حالة مشابهة لي… وبعد أكثر من عشرة أيام، بفضل الله، تعافيت دون تناول أي دواء. بالنسبة لي، لم يكن الألم جسديًا بقدر فقدان الوعي طوال تلك الأيام. أما الآخرون الذين كانوا مرضى ويتألمون بشدة، فكان الحراس يصرخون عليهم فقط بسبب تأوههم، بدلًا من تقديم العلاج الطبي… وعلى الرغم من أن الحراس كانوا من الأويغور، إلا أن قلوبهم كانت كقلوب الصينيين، فلا رحمة لهم تجاه أبناء جلدتهم. يبدو أن السلطات اختارت بعناية حراسًا أويغورًا بلا تعاطف مع بقية الأويغور.
س: هل تعرضتم للاعتداء الجسدي أثناء تواجدكم هناك، سواء أثناء التحقيق أو أثناء مرضكم؟
محمد: عندما كانوا يأخذون النزلاء لاستخدام المرحاض، أحيانًا كان أحدهم يغطي الكاميرا بحجب العدسة، بينما يقوم الآخر بركل وضرب النزيل دون سبب… ضُرب أحد النزلاء 80 مرة بعصا خشبية… اتهموه بتلاوة القرآن وأخرجوها ليضربوه. وأمر الحارس الصيني حارسًا أويغوريًا بضربه 30 مرة أخرى في مكان لا تراه الكاميرا. أُجبر النزيل على الاستلقاء على بطنه وضُرب، ولم يستطع النهوض بعد ذلك. لمدة سبعة أو ثمانية أيام، ظل يتأوه من الألم، وكان ظهره مغطى بالكدمات السوداء.
كانت الضربات تحدث يوميًا. أحيانًا يأتي المسؤولون الصينيون المناوبون مخمورين. يأخذون النزلاء من زنزانة أو اثنتين ويبدؤون بضربهم، لمجرد التسلية. كانوا يجعلون النزلاء يصرخون من الألم. الصوت المتردد في الممرات كان يجعل صرخات الألم لا تطاق. كانوا يفعلون ذلك لإمتاع أنفسهم فقط.
س: كيف كان روتينكم اليومي؟
محمد: كنا نقف في صفوف عند الاستيقاظ، ثم نصرخ لمدة ساعة، مدحا للحكومة الصينية وغناء للأغاني الصينية مثل “إذا لم يكن هناك حزب شيوعي، فلا متعة لنا.” ثم يجبروننا على الجلوس والوقوف ثم الجلوس مجددًا. بعد ذلك، يصرخون ويضربوننا لفشلنا في اتباع التعليمات. هكذا كانت تمضي أيامنا. خلال الوجبات، كنا نجلس حوالي 15 دقيقة. كل ذلك كان يحدث داخل الزنزانة.
من الصباح الباكر حتى الليل، كنا نغني لمدة 15–20 دقيقة كل ساعة، والباقي من الوقت كنا نجلس ساكنين. كنا نجلس في ثلاثة صفوف، نحدق في مؤخرة عنق الشخص أمامنا… لم نشعر يومًا بالراحة أو نحصل على نوم كافٍ ليلاً، لأن أرجلنا كانت مكبلة. لم نستطع التدحرج أو التحرك ليلاً.
س: خلال ستة أشهر قضيتها في السجن [من نوفمبر 2016 إلى مايو 2017]، هل زارتك عائلتك يومًا، أو جلبت لك مالًا أو أي أشياء للراحة؟
محمد: لا، كان ذلك مستحيلًا. أكثر ما كان يخيفنا هو أنه إذا متنا هناك، فلن يعرف أحد من عائلتنا ما حدث. كثيرًا ما سمع الآباء أن أبناءهم قد توفوا [في السجن]، لكن بعد ذلك كانوا يُفرج عنهم، أو العكس. الكثير من الناس كانوا يمرضون.
الناس يعيشون في خوف دائم. لا توجد عائلة لم تمر بنوع من المعاناة بسبب وحشية الحكومة الصينية.
س: ذكرت أنك كنت تغني الأغاني الصينية. ما نوع هذه الأغاني؟ هل يعلمونكم اللغة الصينية أيضًا؟
محمد: نعم، كانوا يعلموننا إياها بالصينية… كانوا يطبعون النطق الفونتيكي الأويغوري للصينية… [إذا لم يتمكن أحد من تعلمها] كان يُضرب، وإذا لم يستطع لاحقًا تلاوتها، كانت الزنزانة بأكملها تُعاقب. لا يأتي الحراس بمفردهم لتأديب الخمسة عشر شخصًا في الغرفة، بل يأتي خمسة أو ستة منهم مع العصي ويضربون الجميع بقوة لعدم القدرة على تلاوة الأغاني… كان لديهم يومان لتعلمها.
كان هدفهم إذلالنا وتعذيبنا. كانوا يجبروننا على الغناء قبل كل وجبة. هناك أغنيتان بالصينية. قبل إطعامنا، كانوا يجبروننا على غنائهما معًا. إذا لم نغنِ جيدًا، كانوا يجعلوننا نغني مجددًا حتى يرضوا. قالوا لنا إننا لا نأكل حتى نغني بشكل صحيح.
معسكر إعادة التعليم
س: إلى أين أخذوكم بعد مغادرتكم السجن؟
محمد: معسكر إعادة التعليم هو مكان يهدف إلى إذلال الدين والهوية وكرامة المسلمين الأويغور من خلال الاضطهاد. ذهبت هناك… كان هناك حراس وكاميرات عند البوابة الأمامية. ستة أو سبعة جنود مسلحين متفرقون يحملون هراوات خشبية.
كل ما كانوا يلقنونه لنا كان بغرض نبذ ديننا. كانوا يقولون إن ديننا ليس كما كنا نظنه… جاء المعلمون من وكالات مختلفة، مثل وزارة التعليم، ومكتب الأمن العام، وما إلى ذلك… وكان هدفهم الأوحد هو جعلنا ندين التطرف الديني ونعبر عن تقديرنا لـ “لطف” الحكومة. كانوا يجبروننا على أداء القسم وإفصاح أفكارنا وأمور أخرى… كان هناك خمسون شخصًا في صفنا… يوميًا كان يأتي أشخاص مختلفون للتدريس.
كنا نشتري كل ما نحتاجه هناك، مثل البطانيات. جمعوا منا 1,200 يوان (175 دولارًا أمريكيًا) كـ “رسوم” لمدة ثلاثة أشهر. أنفقوا منها 500–600 يوان (73–87 دولارًا أمريكيًا)، والباقي خصصوه للأغراض التي كنا بحاجة إليها. وحتى الخبز الذي أكلناه كان علينا دفع ثمنه.
كنا مجبرين على الجلوس والقراءة. إذا لم نقرأ بشكل صحيح، كانت مدة القراءة تُمدد. كانت الضربات تحدث بلا سبب. إذا توضأ أحدنا، يُضرب. إذا صلى، يُضرب.
كنا نستيقظ مبكرًا كل صباح للتنظيف. بعد تنظيف الساحة بأكملها، كنا نجبر على الجري كتمارين. حتى النساء المسنات والفتيات الصغيرات كن يُجبرن على الجري. إذا لم يستطعن الجري، كن يتعرضن للمضايقة. كانوا يجبرون الجميع على الجري، وهو أمر صعب على بعض الناس. إذا تخلفنا، كنا نتعرض للضرب بالهراوات.
بعد الجري كان الإفطار، يليه الدروس حتى الظهر، ثم الغداء. تبدأ الدروس مجددًا بعد الغداء وتستمر حتى الخامسة أو السادسة مساءً. بعد ذلك، كان يُمنح لنا ساعتان للراحة… يمكننا الدردشة قليلًا، ثم نجبر بعد ذلك على مراجعة الدروس. كانت الدروس تُسمى: “71 حقيقة عن التطرف الديني”، “30 مؤشرًا على التطرف الديني”، وما إلى ذلك—كلها مواضيع مختلفة كنا مجبرين على دراستها وحفظها.
س: يشيرون إلى هذه المعسكرات على أنها “مدارس”. هل تعتقد أن هذا وصف عادل؟
محمد: لا، على الإطلاق. تحاول السلطات الصينية تبرير سياساتها القمعية. تحاول تغطية وحشيتها. تحاول جعلنا نقول إننا خدعنا الحكومة الصينية [بعد أن ساعدت الحكومة في تطوير منطقتنا].
هذه أماكن تستخدمها الحكومة الصينية لقمعنا. إنها مراكز لغسل الأدمغة الفكرية… أماكن نُضايق فيها نفسيًا وجسديًا. “التعليم” يعني أساسًا التحويل والتغيير. يحاولون جعلنا نقبل أننا جميعًا صينيون… لا يحدث هناك أي شيء له علاقة بالتعليم الحقيقي.
الشهادة الثانية: «لأول مرة في حياتي، تمنيت لو أنني مت»
امرأة أويغورية درست في تركيا تروي الانتهاكات التي تعرضت لها عند عودتها إلى تركستان الشرقية المحتلة (شينجيانغ).
امرأة أويغورية في العشرينيات من عمرها من محافظة كاشغر (بالصينية، كاشي) بمنطقة تركستان الشرقية المحتلة، أُجبرت على حضور جلسات “تعليمية” يومية في مركز مجتمع محلي لمدة نحو شهرين في 1435هـ (2014م)، وأمضت وقتًا في منشأة شبه مغلقة لإعادة التعليم، واحتُجزت لأربعة أيام في معسكر سياسي لإعادة التعليم بعد عودتها من دراستها في تركيا. خلال مقابلة حديثة من منفاه، أخبرت خدمة الأويغور في RFA، شريطة عدم الكشف عن هويتها، أنها كانت مستهدفة بسبب تعليمها في الخارج في دولة أدرجتها الحكومة الصينية في القائمة السوداء لاعتقادها أنها تشكل تهديدًا دينيًا بـ “التطرف”، ووصفت تجاربها أثناء الاحتجاز.
س: ماذا أجبرتك السلطات على فعله بعد عودتك إلى شينجيانغ من تركيا؟
الطالبة السابقة: كان عليّ تسجيل حضوري مرة أسبوعيًا. كان عليّ الذهاب [إلى مركز الشرطة المحلي] وتقديم تقرير عن نشاطاتي. إضافة إلى ذلك، لم يكن مسموحًا لي بالذهاب إلى أي مكان خارج مقاطعة كارجليك (يي تشينغ). إذا ذهبت لزيارة أي منزل، كان عليّ إخطار السلطات مسبقًا… قيل لي إنني لا أستطيع الذهاب خارج كارجليك، وإذا فعلت، فبطاقتي الشخصية ستنبههم… فكل مكان توجد فيه نقاط تفتيش، وعلينا استخدام بطاقاتنا للتجاوز… وقالوا إنه إذا أرسلت بطاقتي الشخصية إشارة، فسيكون ذلك سببًا لأخذي وإرسالي إلى معسكر إعادة التعليم.
قالوا: “نحن نعلم الجميع الآن، ويجب أن تذهبي أنت أيضًا للتعليم. عليك أن تكوني حذرة جدًا. نحن نحاول مساعدتك… يجب أن تجلسي في المنزل وتتعاملي فقط مع أقاربك.” قلت إنني سأفعل ذلك، وهذا ما فعلته… خلال تلك الفترة، ذهبت مرة واحدة أسبوعيًا فقط للدراسة السياسية.
كان من المفترض أن أقرأ الكتب من الساعة 7:00 صباحًا حتى 6:00 مساءً. الطابق الأول مخصص لأقارب المحتجزين في معسكرات إعادة التعليم… لساعات، يقرأ شخص كتابًا ويكتب الآخرون ما يسمعونه… كل شيء متعلق بالسياسة—معظمها عن [الرئيس] شي جين بينغ. كانت هناك بعض المقالات عن مدينتنا، مثل الأوضاع هناك، وأخرى عن أمور مثل “23 نوعًا من الأنشطة الدينية غير القانونية.”
كان هناك أيضًا أطفال في المرحلة الابتدائية، ولم يهتم بهم أحد. جمعتهم وأخذتهم إلى المكتبة ليقرؤوا، بدلًا من مجرد الركض واللعب… ما كنت أفعله مع الأطفال جذب انتباه سكرتير المجتمع وأعجبه كثيرًا. كان الأطفال يركضون ويثيرون المتاعب، مما يسبب صداعًا للسلطات، فحازت أفعالي على رضاهم… وكانت تلك فترة ممتعة بالنسبة لي.
مرفق “التعليم المفتوح”
في أحد أيام سبتمبر، تلقيت مكالمة هاتفية في الساعة 7:00 صباحًا تطلب مني الحضور في يوم لم يكن من المفترض أن أكون فيه هناك… أخبر سكرتير الحزب امرأة أن تأخذني على دراجتها النارية وأوصلتني إلى المكان. بدا المدخل الأمامي كأنه باب سجن. كان هناك شرطيان من قوات خاصة مجهزين بالكامل، يرتدون الأسود ويقفون مسلحين. عندما وصلت، فتحوا لي القيود على الباب.
كان هناك قاعة جلست فيها، ثم دخل بعض الأشخاص الآخرين. معظمهم كانوا أثرياء، أو ممن حجوا إلى مكة، أو مثقفون… وأي شخص له تاريخ بالسفر خارج الصين.
كان المكان مرفق “تعليم مفتوح”… عاملونا بطريقة فظة جدًا. كانوا دائمًا يقولون لنا: “لأننا نهتم بكم، فتحنا هذه المدرسة لمنعكم من الانحراف عن الطريق الصحيح. إذا صادفتم شخصًا مريضًا، ستصابون أنتم أيضًا. لذلك، اعتبروا هذا جلسة علاجية للعدوى التي أصابتكم. هذا ‘المستشفى’ مفتوح لكم مجانًا. يجب عليكم الدراسة هنا يوميًا من الساعة 8:00 صباحًا حتى 6:00 مساءً. ستعودون إلى منازلكم عندما نسمح لكم بذلك.”
في أحد الأيام، طُلب مني القيام بالتنظيف… قال المسؤول لي بطريقة فظة جدًا: “إذا لم تنظفي النافذة، سأضعك في مكان ستتمنين فيه حقًا لو لم تأتي.” قلت: “ما هذا؟ لم أفعل شيئًا خاطئًا هنا.” قال: “إذا لم تفعلي شيئًا خاطئًا، فلماذا أنت هنا؟ ألا تدركين ما فعلتِ؟” كان يقصد أساسًا أننا مجرمون… قال: “تظنين أنك شجاعة جدًا، أليس كذلك؟” وأجرى مكالمة هاتفية، وبعدها مباشرة سمعت صفارات سيارة الشرطة… لا أعلم ماذا حدث لي في ذلك اليوم—لست متأكدة إن كان بسبب ذلك الرجل الذي أغضبني، أم أن تواجدي في تركيا جعلني ديمقراطية جدًا، لكنني لم أرغب بالاعتراف بأنني ارتكبت خطأ… دخلت سيارة الشرطة… ومن هناك أخذوني مباشرة إلى معسكر إعادة التعليم المغلق.
معسكر إعادة التعليم
الطالبة السابقة: مراكز إعادة التعليم لا يمكن تمييزها من الخارج—لا يعرف أحد طبيعتها. مررت بأحدها عدة مرات، لكن لم أدرك أبدًا أنه مركز لإعادة التعليم. يبدو كمنزل عادي لشخص أويغوري في حي أويغوري، بأبواب كبيرة في المقدمة وفناء واسع جميل مع كروم العنب. لا يظن أحد أنه مركز لإعادة التعليم. يحتفظون بالسرية لدرجة أن سكان المجتمع لا يعرفون حتى ما بداخله. الناس يعلمون بوجود مثل هذا المكان، لكن لا أحد يعرف مكانه.
أُخذت إلى الداخل. عند دخولي، كان هناك أسلاك شائكة. لم أرَ سجنًا في حياتي، لكن عند الدخول شعرت وكأنني في سجن. كان الحراس مسلحين ويحملون هراوات كهربائية… وكان هناك إشعار يفيد بأن الشرطة المحلية لا يمكنها الاقتراب من المنشأة، وإذا فعلت، ستتهم بأنها “ذات وجهين”.
أمسك بي أحد رجال الشرطة—سأسميه شرطيًا، رغم أنهم جميعًا من نوع ما من ضباط القوات الخاصة—وأمسك بعنقي وسحبني إلى الأعلى وهو يصرخ في وجهي… لم أواجه مثل هذا التعامل من قبل… انفجرت بالبكاء وبدأت أبكي… أمسك بي آخر من مؤخرة عنقي وسحبني نحو الجدار… وأظهر لي أحدهم هراوة وهددني بها قائلاً: “إذا لم تقفي ساكنة، سأضربك بهذه!”
بعد أن وقفت هناك لفترة… بدأت يداي ترتعشان بعنف. ثم جاء شخص وجلسني. جلست هناك نحو ساعتين تقريبًا، ثم بدأت ساقاي ترتجفان… بعد ذلك أجبروني على الوقوف مرة أخرى لفترة طويلة. لم تستطع ساقاي التحمل، وشعرت بتشنجات في عضلاتي. كنت في غاية الانزعاج، بالإضافة إلى شعوري بالحرج الشديد. كان الجميع يرانِي هناك، وكنت أتعرض للإذلال أمام الناس جميعهم من أجل إعادة التثقيف… ولأول مرة في حياتي تمنيت أن أموت. في تلك اللحظة، تمنيت أن تنتهي حياتي فورًا.
في تلك اللحظة، ربما ظنوا أني أُسبب إزعاجًا، فجلبوا كرسي النمر ليضعوني فيه… لكنهم تركوني في الخارج وقالوا: “إنها شاحبة، دعوها تتعرض للشمس”… بينما كنت جالسة هناك، لاحظوا حقيبتي وبدأوا بتفتيشها… أخذوا كل دولاراتي الأمريكية والمجوهرات الذهبية التي وضعتها والدتي في حقيبتي. بعد ذلك، بدأ موقفهم تجاهي يتحسن. لست متأكدة إن كانوا يتساءلون عن سبب وجود دولارات وكتاب إنجليزي وجهاز آيباد في حقيبتي—بدأوا يتبادلون التساؤلات: “ما نوع هذه المرأة؟”
حوالي الساعة السادسة مساءً، نقلوني إلى غرفة مساحتها 40 مترًا مربعًا (430 قدمًا مربعًا) مع نحو 60 سيدة مسجونة… معظم النساء كان سبب وجودهن دينيًا. بعضهن زوجات رجال قاموا بالحج إلى مكة، بينما أخريات كن يغطين رؤوسهن أو يرتدين ملابس دينية طويلة… لم تستطع الأمهات تحمل ألم الاشتياق لأطفالهن… ومع حلول المساء، كان أهل الحي يخرجون أطفالهم ويطلبون منهم اللعب في المنطقة… فيقول الأطفال: “أمي، سأغني لك هذه الأغنية”… أو “أنا بخير، واعتني بنفسك”… مرورًا بهذه الرسائل المتبادلة.
س: كيف كان يومك النموذجي؟
طالبة سابقة: يفتحون الأبواب الساعة السابعة صباحًا وننظف الغرفة حتى الساعة الثامنة. بعد ذلك ننظف المعسكر… ثم نتناول الإفطار. يجب أن نركض للحصول على الطعام. يصرخون ويأمروننا بالوقوف في الصفوف. نقف جميعًا مستعدين لتناول الطعام… لكن قبل الإفطار، نغني. نغني إحدى الأغاني، مثل “بدون الحزب الشيوعي، لما وجدت الصين الجديدة”. بعدها نتناول الطعام.
ثم نستمع إلى إعلان أنشطة اليوم وإجراءاته. يبدأ الموظفون في الوصول في ذلك الوقت تقريبًا. يبقى ضباط القوات الخاصة فقط معنا لحراستنا، أما الآخرون فيذهبون إلى منازلهم مساءً ويعودون صباحًا كأي مكان عمل عادي. ضباط القوات الخاصة… يسمح لهم بالخروج مرة واحدة شهريًا فقط، لذلك يصرخون فينا ويلوموننا على عدم تعليمنا جيدًا ومنعهم من العودة إلى منازلهم.
يأتي المعلمون أيضًا في ذلك الوقت… من قسم الدعاية في المحافظة… يدخل معلم في الصباح وآخر في المساء. كل حصة تدوم ساعة واحدة… أحدهم تحدث عن القانون… تحدث عن دستور الدولة وسياسات قانونية أخرى، وما إلى ذلك. كانت إحدى المعلمات سيدة مسنة وركزت على الحالة النفسية للناس… بدا أنها تفهم مشاعر الناس وقالت حتى: “أشعر بالأسف من أجلكم. كثير منكن من النساء الجميلات جالسات هنا هكذا، بينما يجب أن تكن بالخارج، تتزوجن وتعتنين بوالديكن وأطفالكن وإخوتكن. لكنكن هنا… لأنكن ارتكبتن أخطاء.”
أحد المعلمين علّمنا عن الوحدة العرقية. قال إن تنمية وازدهار تركستان الشرقية يعودان للشعب الصيني. وأضاف أن الثقافة الصينية ثقافة متطورة ويجب أن نتعلم منها.
س: هل تعرضتم لأي اعتداء جسدي؟
طالبة سابقة: نعم، كانوا يضربون الرجال بالعصي. غالبًا ما كانوا يستخدمون العصي الكهربائية للضرب. في أحد الأيام، كان هناك شاب يرتدي ملابس بيضاء جميلة. ضربوه بشدة لدرجة أنه لم يستطع النهوض أو التحرك. لاحقًا، رأيته جالسًا على ذلك الكرسي الذي كنت أجلس عليه.
أما بالنسبة للنساء، إذا كانت الغرفة متسخة أو غير مرتبة… أو إذا لم تُرتب إحدى الأسرّة الستين بطريقة صحيحة… كنا جميعًا نتعرض للعقاب في الوقت نفسه. كانوا يجبروننا على أداء تمارين. كان بيننا بعض النساء المسنات وتعرضن للإساءة—يدفعن ويُزحزن. لم أرهم يضربون النساء، لكنني رأيتهم يضربون الرجال، خصوصًا إذا كانوا من الشباب.
س: كيف خرجتِ من هناك؟
طالبة سابقة: في إحدى الليالي، جاءت والدتي مع عمتي. نادوا اسمي فخرجت. شعرت بسعادة وحماس لرؤيتهما. كنت أدعو أن تكون والدتي هي من ستنقذني من ذلك المكان… لقد تحدثت مع بعض المسؤولين من المحافظة وطلبت الإفراج عني… وقد سمحوا لها بالمجيء لرؤيتي. قالت إن شخصًا من المحافظة سيأتي لرؤيتي في اليوم التالي، وأضافت: “لقد حاولت بكل الوسائل الممكنة. الآن، يجب أن تكوني ذكية عند لقائك بهم. استخدمي عقلك، لا عواطفك فقط عند الحديث.”
في اليوم التالي… جاء مسؤول من حكومة البلدة. قال لي: “سمعت أنك قد تلقيت تعليمًا جيدًا هنا، لكن هل فكرتِ في سبب احتجازك؟” فأجبت أنني لا أعلم سبب اعتقالي.
سأل عن رأيي في سياسات الحكومة. وقال: “لن أدون ملاحظات من هذا الحديث، لكن يجب أن تقنعي أني إذا أفرجت عنك، لن تحدث أي مشاكل. سيكون غير مقبول إذا قمتِ بشيء يضر بي أو بأسرتك في المستقبل.”
أول سؤال طرحه كان: “هل تصلي؟” فأجبت: لا. فقام وقال إنه سيغادر الغرفة، قائلاً: “اذهبي لتلقي المزيد من التعليم هنا.” قلت: “انتظر، لقد بدأنا للتو.” فقال: “لا، لقد كذبتِ عليّ وأنت لستِ جيدة بالكذب… إذا قلتِ إنك لا تصلي، فلن يصدقك أحد. كوني صادقة معي. لم آتِ للاستماع إلى الأكاذيب… قولي الحقيقة، هل تصلين؟” فقلت: “نعم… أصلي مرة واحدة فقط في اليوم… عائلتي ليست متدينة.”
قال: “الآن، هل تعلمين سبب وجودك هنا؟” قلت: “كنت أظن أنه بما أنني درست لسنوات عديدة، يمكنني أن أتصرف بخشونة مع موظفي الحكومة المحلية. كان سلوكي عنادًا، لكنني أصلحت أخطائي.” فقال: “هذا أفضل. ربما لم نسافر للخارج مثلك، أو ندرس في الدراسات العليا كما فعلتِ، لكننا نعرف ما نفعل. محافظة كارغليك هي ما هي عليه اليوم بفضلنا. أنت لا تفهميننا. غادرتِ مسقط رأسك وسافرتِ إلى بلدان أخرى، لكننا نعمل في هذه المنطقة منذ سنوات طويلة.”
أمرني بالعودة إلى صفي ومتابعة تعليمي. عدت إلى الصف وعيوني متورمتان من البكاء. عندما عدت، بدا على المعلمة الدهشة، كأنها اعتقدت أنني لن أعود أبدًا. طلبت مني الحديث عن تجاربي خلال أربعة أيام من التعليم في المعسكر—شيء لم يُطلب مني من قبل. وعندما أنهيت، استدعوني وقالوا إن السيارة قد وصلت لنقلي.
بعد خروجي، أعادوني إلى مرفق “التعليم المفتوح”… قال لي الناس هناك إنني محظوظة لخروجي من ذلك المكان ورحبوا بي مجددًا. عندما كنت هناك سابقًا، كانت القواعد صارمة جدًا، لكن عند عودتي تحسنت الأمور… عندما يغيب مدير المرفق، يُطفئون الكاميرات. كانوا يقدمون لنا جميع أنواع الطعام اللذيذ، مثل يخنة الدجاج. كل يوم كنا نشاهد وثائقيات مثل التصريحات الندمية للأويغور الذين فرّوا إلى تايلاند… وكل يوم اثنين، كنا نرفع العلم ونقسم الولاء، قائلين: “نحن خلفاء الشيوعية. نخدم وطننا وأمتنا وعلمنا.”
الشهادة الثالثة: “عاملونا هناك كما يُعامَل الحيوان”
أحد الأويغور السابقين في سجن سياسي لإعادة التثقيف يروي حياته داخل المرفق السري.
رجل أعمال أويغوري في الأربعين من عمره من مدينة كورلا، في محافظة بايينغولنغ المنغولية ذات الحكم الذاتي في تركستان الشرقية، سُجن لمدة شهر في 1437هـ (2016م) واحتُجز لشهر آخر في 1438هـ (2017م) في معسكر لإعادة التثقيف بعد سفره إلى ماليزيا وتركيا—وهما دولتان مُدرجتان على القائمة السوداء لدى الحكومة الصينية بسبب ما تعتبره تهديدًا محتملًا من التطرف الديني. وتحدث مؤخرًا بشرط عدم الكشف عن هويته مع خدمة الأويغور في RFA من منفاه في تركيا عن تجاربه في هذين المرفقين.
س: حدثنا عن المرة الأولى التي تم احتجازك فيها.
رجل الأعمال: قضيت 42-43 يومًا في ماليزيا، أدرس وأمارس الأعمال وأقضي إجازة. لم ألتقِ بأحد هناك. التقيت ببعض الأشخاص [من مجتمع الأويغور في المنفى] هنا وهناك في تركيا… عندما بدأوا يقولون لي: “لقد فعلت هذا وذاك في ماليزيا، وفعلت هذا وذاك في تركيا”، أدركت أنهم يحاولون إيقاعي في فخ.
كانت هناك العديد من جلسات الاستجواب [أثناء سجني من 18 مارس حتى 18 أبريل 2016]… في اليومين الأولين، وضعوني على الكرسي الحديدي 24 ساعة في اليوم. لم يسمحوا لي بالاستلقاء. جلست طوال الوقت… كانت يداي هكذا بالضبط. الأصفاد على معصميّ، لم أستطع تحريك يديّ. وكانت الأغلال على قدميّ، والحديد من القفل يضغط على جلدي… “الألم شديد جدًا، لا أستطيع التحمل—أرجو أن تفرج عني قليلًا”، طلبت من [الحارس] فقال: “قف”، وأجبرني على البقاء واقفًا دون حراك… كان ذلك نوعًا من التعذيب، لكن عندما ترى كيف يُعامل الآخرون، هذا لا يُحتسب شيئًا.
أما المرة الثانية التي احتُجزت فيها [من 18 مارس إلى 18 أبريل 2017]، فكنت في معسكر لإعادة التثقيف—وكان الوضع أشد صعوبة. كانت المواقف أسوأ بكثير من المرة الأولى.
س: هل أخبروك بسبب اعتقالك؟
رجل الأعمال: كل أويغوري يسافر إلى الخارج يُعدّ مجرمًا في هذه الأيام… في 1438هـ (ديسمبر 2016م) عدت إلى بلدي لأطلب بعض الدعم المالي. جميع الأويغور الذين سافروا إلى الخارج ما بين عام 1435هـ (2014م) وذلك الوقت وُضعوا على قائمة سوداء أعدّتها الحكومة.
حين دخلت الزنزانة، كان المشهد كأنني دعوت الناس إلى مائدة طعام؛ وجوه مألوفة: جار التاجر بجوارنا، زميل دراسة، صديق الطفولة منذ زمن بعيد، معرفة عابرة، والد أحد أصدقائي. معظمهم كانوا ممّن أعرفهم.
س: ذكرت أن المعسكرات الأخرى كانت مكتظة عن آخرها، هل السبب أنهم اعتقلوا هذا العدد الكبير من الأويغور؟
رجل الأعمال: نعم، هذا صحيح. من أقسى ما في المعسكر سوء النظافة؛ أكثر من ثلاثين شخصًا يُعطَون مقدارًا ضئيلاً من مسحوق الصابون. لم يسمحوا لنا بجلب ثياب أو مال، وتركونا هناك كالحيوانات. ثيابنا كانت قذرة تفوح منها روائح كريهة. وعندما كان الحراس يفتحون فتحات التهوية في الزنزانة ــ وكانت اثنتين على الجانبين ــ لم يكن ثمة إذلال أشد من أن نراهم يغطون أنوفهم بأطراف ستراتهم من شدّة الرائحة. عندها فقط أدركنا مقدار نتننا، حين رأيناهم يفعلون ذلك. لقد كان مشهدًا بالِغ الإهانة.
أما الزنزانة فلم تكن تتجاوز عشرة أمتار مربعة… أحيانًا يفرجون عن شخص، لكنهم يجلبون آخرين بعد أيام. وفي الحد الأقصى، كان عددنا يبلغ اثني عشر شخصًا.
أما الطعام فكان أسوأ بكثير من السجن الذي كنت فيه؛ لم نكن نحصل إلا على خبز مطهوّ على البخار. في السجن، كنّا نستطيع شراء الطعام والصابون وحاجيات النظافة… أما هنا فلم نكن نُعطى إلا ما يمنحونه هم.
س: هل أصيب أحد بالمرض أو الضعف أو مات بسبب نقص التغذية؟
رجل الأعمال: لم يمت أحد… لكن الزنزانة التي كنت فيها كان فيها مريضان؛ أحدهما يعاني داء السكري وارتفاع ضغط الدم، والآخر مصاب بالتهابات في الكلى وآلام مبرحة في ظهره. كانت تلك أعراضًا شائعة بين السجناء هناك… كانوا يُقتادون إلى المستشفى للفحوصات، لكنهم يُجبرون على ارتداء أغطية سوداء على رؤوسهم، ويُسحبون ويُدفعون إلى مركبات النقل كالحيوانات… لم يُسمح لهم بالجلوس كالركاب العاديين، بل يُكدّسون بعضهم فوق بعض.
س: هل توجد أسرّة في زنازين الاحتجاز؟
رجل الأعمال: نعم، أسرّة مشيدة من طوب طيني ممزوج بالتراب، فوقها ألواح خشبية، وحوافها مثبتة بقضبان حديدية، ثم مغطاة بالقش… كنّا نجلس متلاصقين جنبًا إلى جنب ثماني ساعات في النهار، لا نتحرك إلا لقضاء الحاجة أو شرب الماء… وأي حركة زائدة كانت تُرصد بالكاميرات المغلقة، فنُوبَّخ ونُشتم.
س: صف لنا يومًا في المعسكر.
رجل الأعمال: يُجبروننا على الاستيقاظ في السادسة صباحًا، فنقضي ساعة كاملة في تنظيف الزنزانة وترتيب الأسرة… وخلال تلك الساعة يجب أن نُكمل إفطارنا أيضًا. ثم نقف مصطفين أمام الباب عند فتح المطبخ لتوزيع الطعام. علينا أن نقول فورًا “تقرير” بمجرد أن تُفتح نافذة التوزيع، وإن لم ننطق بها حالًا أعادوا الطعام دون أن يعطونا شيئًا، فنظل جائعين.
بعد ذلك نُجبر على الوقوف بلا حراك فيما يقومون بتفتيش الزنزانة… وأثناء تفتيشنا علينا أن نصيح بالصينية “يوم سعيد” ونردد عبارات أخرى لمدحهم.
عند الساعة الحادية عشرة صباحًا نُجبر مجددًا على “تقديم تقرير” لتناول الغداء، حيث يوزعون علينا بطاطا غير مقشّرة وخضروات غير مغسولة، وغالبًا ما يبقى الطين عالقًا في قاع أواني التقديم. من الظهر حتى الثانية بعد الظهر ننام… ثم بعد استيقاظنا عند الثانية نبقى جالسين حتى الخامسة والنصف نتلو مقاطع محددة، ثم يُقدَّم لنا الطعام مجددًا. بعدها يُمنح لنا ساعة ونصف من الراحة، ثم النوم.
س: ما طبيعة أماكن هذه المعسكرات المسماة لإعادة التأهيل؟
رجل الأعمال: في بداياتها، أُنشئت هذه المعسكرات لتلقين الأئمة الدعاية الحكومية… وكانت أيضًا مخصّصة لمن سبق أن اعتُقلوا كسجناء سياسيين، حيث يقضون خمسة عشر يومًا إلى شهر في ما يسمونه “التثقيف”. ثم منذ 1437هـ (أواخر عام 2015م) تحوّل الأمر إلى غاية في القسوة، وبحلول عام 1438هـ (2017م) تغيّر المشهد كليًا. أصبحت البوابات موصدة والجدران تعلوها الأسلاك الشائكة… العالم كله، بل حتى أبناء شعبنا، يسمونها “معسكرات”، لكنها ليست معسكرات، إنما سجون حقيقية.
الشهادة الرابعة: مقابلة: “لم أظن يومًا أنني سأغادر سجون الصين حيًّة”
مهرغول تورسون، امرأة أويغورية في التاسعة والعشرين من عمرها، تنحدر من إقليم تركستان الشرقية في شمال غرب الصين، أنجبت ثلاثة توائم أصحاء في مصر عام 1436هـ (2015م) بينما كان زوجها يعمل هناك. وبعد ولادتهم بفترة وجيزة، عادت إلى الصين طلبًا لمعونة والديها في تربيتهم، غير أنها اعتُقلت فور وصولها بالطائرة إلى العاصمة الإقليمية أورومتشي على يد سلطات الإقليم، وانتُزع أطفالها منها. وبعد أسابيع أُفرج عنها بشروط “إفراج مشروط” حين علمت أن أبناءها يعانون مرضًا تنفسيًا حادًا يستلزم جراحة، لكن أحد أبنائها فارق الحياة في ظروف غامضة أثناء وجوده تحت الرعاية في مستشفى محلي.
مهرغول تورسون تتحدث إلى إذاعة آسيا الحرة في مقابلة بولاية فرجينيا، في 1440هـ (11 أكتوبر 2018م).
منذ وفاة طفلها، اعتُقلت تورسون مرات عدة، كان منها احتجازها في أحد معسكرات “إعادة التثقيف” السياسية، وهي شبكة أنشأتها السلطات الصينية لاعتقال الأويغور المتهمين باعتناق “آراء دينية متشددة” أو أفكار “غير صحيحة سياسيًا”، وذلك ابتداءً من 1438هـ (إبريل 2017م). وقد أوضحت تورسون أنها استُهدفت لأنها عاشت في مصر، وهي واحدة من الدول التي أدرجتها سلطات الإقليم على القائمة السوداء بذريعة الخوف من “التطرف الديني”.
ورغم تمكنها من الانتقال إلى الولايات المتحدة في سبتمبر، فإن ابنها الآخر وابنتها أصيبا بمضاعفات صحية تتطلب مراقبة دائمة، كما انقطعت صلتها بزوجها وبقية أفراد عائلتها. وقد تحدّثت مؤخرًا إلى خدمة الأويغور في إذاعة آسيا الحرة عن المحنة التي كابدتْها خلال ثلاث سنوات قضتها في تركستان الشرقية قبل أن تتمكن من الفرار من الصين.
س: ماذا حدث لك ولأطفالك بعد عودتك من مصر إلى تركستان الشرقية؟
تورسون: أنجبت ثلاثة توائم ــ صبيين وبنتًا ــ في مصر عام 1436هـ (2015م). وكان زوجي يعمل هناك، فلم أجد من يعينني على رعايتهم، واضطررت للعودة إلى مسقط رأسي [في مقاطعة تشرتشن (تُعرف بالصينية تشيمو) التابعة لإقليم باينغولن المنغولي المتمتع بالحكم الذاتي] لأستعين بوالديّ… وعندما خضع أطفالي لفحص طبي في مصر، كانت صحتهم في أبهى حال.

دخلت مطار أورومتشي مع أطفالي الثلاثة وكانوا في نحو شهرين من عمرهم، وذلك في 1436هـ (13 مايو 2015م). وعند نقطة الجوازات طلبوا مني أن أرافقهم إلى غرفة أخرى للتحقيق، وقالوا إن الشرطة ستراقب أطفالي ريثما يتحدثون إليّ لوقت قصير، غير أن التحقيق استمر ثلاث أو أربع ساعات. وفي نهايته وضعوا غطاءً على رأسي، وقيدوا يديّ، وأخرجوني من باب آخر. صودرت تذاكري وسائر متاعي، واقتادوني مباشرة إلى السجن حيث بقيت معتقلة حتى يوليو.
وفيما بعد أخبروني أنني أُفرج عني “إفراجًا مشروطًا” لأن أطفالي مرضى، وأن عليّ أن أبقى برفقتهم حتى تتحسن صحتهم. وأكدوا أنني ما زلت قيد التحقيق، وأنهم سيتواصلون معي متى احتاجوا إلى مزيد من الاستجواب. احتفظوا بجواز سفري وهويتي وهاتفي المحمول وكل شيء أملكه.
ذهبت مباشرة إلى المستشفى حيث كان أطفالي… وطالبت برؤية ابني [الذي كان في وحدة العناية المركزة]، لكنهم منعوني من ذلك، ولم يُسمح لي إلا أن أراه من بعيد. لم أستطع أن أتبين إن كان يتنفس أم لا… وفي اليوم التالي استدعوني وأخبروني أنهم لم يتمكنوا من إنقاذه… وسلّموني جثمانه. كانوا قد أجروا عملية في عنقه، وبرروا وفاته بأن العلاج لم يُجدِ نفعًا، وأنه عجز عن التنفس.

كان الطفلان الآخران بخير، لكنهم جميعًا أُجرِيَت لهم عمليات في أعناقهم. وقيل لي إنهم لم يتمكنوا من الأكل، فكان لا بد من تغذيتهم عبر أنابيب. لم أستوعب الأمر، إذ كانوا يرضعون طبيعيًا من دون أية مشكلة.
لم أستطع التواصل مع زوجي بعد وصولي إلى تركستان الشرقية، فقد أُمِرت بألا أتواصل مع الخارج. أردت أن أخبره بما جرى، لكنني لم أجد سبيلًا إلى ذلك.
دفنت طفلي المتوفى، ثم تُركت أواجه صدمة فقدانه، وأنا في الوقت نفسه أُرضع طفليَّ الآخرين، وأبحث عن علاج لهما، إلى جانب حاجة ابنتي إلى عملية في عينها… ومنذ ذلك الحين، لم تتحسن صحة طفليَّ، ولا سيما ابني.
س: هل أعادتك السلطات إلى الاحتجاز مرة أخرى؟
تورسون: نعم، اعتُقلت مجددًا في 1438هـ (إبريل 2017م) [بينما كنت أعيش في مقاطعة تشرتشن]، ثم أُفرج عني بعد ذلك بوقت قصير. كانوا يريدون استجوابي بشأن ما كنت أفعله في مصر. ولم أتمكن من العودة إلى مصر قبل هذا الاعتقال لأن جميع أوراقي كانت بيد السلطات، ولأنني كنت على القائمة السوداء.
لقد عُذبت سبعة أيام بلياليها من دون نوم على يد عناصر من جهاز الأمن الوطني… فحصوني وحلقوا رأسي. وبقيت معتقلة حتى أغسطس، ثم أُفرج عني [إلى أحد المستشفيات] لأنني كنت أعاني نوبات متكررة من الصرع وفقدان الوعي… وبعد ذلك تقرر أن أُرسل إلى المستشفى العقلي رقم 4، لكن والدي تمكن من إعادتني إلى البيت للعلاج، فتعافيت.
ثم اعتُقلت [للمرة الأخيرة] في 1439هـ ([يناير] 2018م)… وعندما كنت أعود إلى منزلي [بعد استجوابي] قبل ذلك الاعتقال، لم يكن يُسمح لي بالخروج إلا بإذن من لجنة الحي المحلي، التي كانت تطالب بأن تُخطَر بتحركاتي. في العادة، لم يكن مسموحًا لي حتى بدخول متجر [من دون إذن]. ولم أكن أستطيع مغادرة الحي، لأنني بمجرد تمرير هويتي [عند نقطة تفتيش] أُعرَف بأنني شخص مُدرَج على القائمة السوداء ارتكب جريمة غير معلومة.
حين كانوا يستجوبونني، لم تكن أسئلتهم تتغير كثيرًا: “من هم المقرّبون منك؟ من تعرفين في الخارج؟ لأي منظمات خارجية عملتِ؟ وما كانت مهمتكِ؟”. كانوا يطرحون هذه الأسئلة لأنني عشت خارج البلاد وأتحدث بعدة لغات أجنبية، فيحاولون إلصاق تهمة التجسس بي.
عندما دخلت الزنزانة كان فيها أكثر من أربعين امرأة، وحين غادرتها بلغ العدد ثمانٍ وستين… كلهنّ تقريبًا كنّ وجوهًا أعرفها منذ زمن.
الزنزانة بلا نوافذ… بُنيت تحت الأرض… ولم يُسمح لنا يومًا بالخروج لاستنشاق الهواء. لم يكن سوى فتحة صغيرة في السقف تُفتح للتهوية… وعلى الجدران الأربع كاميرات ترصد كل زاوية من المكان.
شهدت في زنزانتي وحدها تسع وفيات. كانوا يخبروننا أن بعضهن مات بسبب أمراض سابقة، وأخريات توقف قلبهن فجأة… كان بيننا مريضات، لكن لم يُنقلن قط إلى المستشفى.
س: كيف نلتِ حريتك؟
تورسون: في اليوم الذي أُطلق سراحي [بعد نحو ثلاثة أشهر]، أُبلغت بأن أجمع أمتعتي في الزنزانة وأخرج… أعادوا إليّ ثيابي وأخذوا زيّ السجن. وقبل إطلاق سراحي بساعتين، حُقنت بإبرة. ثم أرغموني على أداء أيمان كثيرة وصوّروا ذلك بالفيديو.
حلفت قائلة: “أنا مواطنة صينية. أحب الصين. لن أفعل شيئًا يضرّ بالصين. الصين ربّتني. الشرطة لم تستجوبني، ولم تعذبني، ولا حتى اعتقلتني”. قرأت البيان ووقّعت عليه.
اقتادوني لرؤية أطفالي الذين كانوا عند جارنا، فرأيتهم هزيلين وقد غطّت الكدمات أجسادهم. قيل لي إن آثار الضرب على وجوههم إنما كانت من جرّاء سقوطهم. أخذتُهم مع متاعهم تحت أنظار الشرطة التي راقبتني عن كثب، ولم تقع عيني على والديّ في أي مكان.
أمرني رجال الشرطة أن أعود بعد أن أوصل أطفالي إلى مصر ــ حيث وُلدوا ويحملون جنسيتها ــ وسألوني عن موعد عودتي. حذّروني بأن مصير والديّ وإخوتي وسائر أقاربي رهن مشيئتهم، وزعموا أنهم هم من يحرسونني ويحفظونني. ثم أخذوا بصمات أصابعي وعينة من دمي، وسجّلوا صوتي، ووثّقوا تحركاتي وكل ما يتعلّق بي.

أُفرج عني في 5 أبريل وغادرت تشرتشن بعد ثلاثة أيام. بقيت في بكين لمدة عشرين يومًا، إذ منعني المسؤولون من صعود الطائرة ثلاث مرات بحجة عدم امتلاكي الوثائق الصحيحة… ولم أتمكن من المغادرة إلا في المحاولة الرابعة.
حطّت قدماي في القاهرة، مصر، في 28 أبريل… وبمجرد وصولي بحثت عن [زوجي]، لكنني علمت من زميله في العمل أنه عاد إلى الصين عام 1437هـ (2016م) ليُعيد عائلته، فاعتُقل في مطار بكين، وحُكم عليه لاحقًا بالسجن لمدة ستة عشر عامًا.
منذ مغادرتي، تمكنت مرة واحدة فقط من التواصل مع معلمة أختي، التي كانت تدرس في شرق الصين، فأخبرتني أن السلطات في تركستان الشرقية قد اعتقلتها أثناء عطلة دراسية هناك. لم أتمكن من الوصول إلى المعلمة مرة أخرى. وفي يوليو من هذا العام، تلقيت رسالة من والدي يطلب مني العودة إلى الصين بأسرع وقت ممكن لأن أفراد العائلة يفتقدون الأطفال. وبعد ذلك، توقفت جميع وسائل التواصل.
وصلت إلى الولايات المتحدة في 1440هـ (21 سبتمبر 2018م). لا أجد كلمات تعبر عن مشاعري تجاه قدومي إلى أمريكا. أحيانًا أتساءل إن كنت حقًا وصلت إلى أمريكا أم دخلت الجنة بعد أن فارقت الحياة في سجن صيني. لم أظن يومًا أنني سأغادر السجن في الصين حيّة. لقد تعرضت للإساءة والاضطهاد والتعذيب في وطني الذي نشأت فيه.
إذاعة آسيا الحرة.
اترك تعليقاً