لم تتوقف موجة ترحيل اللاجئين والمهاجرين الأفغان من إيران، إذ تم طرد أكثر من 410,000 شخص منذ انتهاء الحرب التي استمرت 12 يومًا مع الاحتلال الإسرائيلي في 24 يونيو.
وفقًا لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، فإن أكثر من 1.5 مليون لاجئ ومهاجر أفغاني قد تم ترحيلهم في عام 2025. بينما قالت منظمة الصليب الأحمر إن أكثر من مليون شخص إضافي قد يُرحّلون بحلول نهاية العام.
كانت إيران تستضيف أفغانًا لعقود، ورغم أنها قامت في أوقات سابقة بترحيل مهاجرين غير نظاميين، إلا أن الإجراءات الأخيرة جاءت غير مسبوقة بعد الحرب التي أودت بحياة أكثر من 1000 شخص في إيران، معظمهم من المدنيين.
كما بدأت إيران في بناء جدار على حدودها الشرقية الواسعة مع أفغانستان وباكستان لمنع الهجرة غير النظامية وتهريب الوقود والمخدرات.
ويعتزم البرلمان إنشاء “منظمة وطنية للهجرة” لتتولى مهمة ضبط الهجرة غير النظامية.
«أشعر بالخوف»
قال أحمد*، مهاجر أفغاني غير موثق يبلغ من العمر 27 عامًا، جاء إلى إيران منذ أربع سنوات:
«أشعر وكأننا أهداف سهلة، لا نملك خيارات كثيرة».
عمل في البداية في مجال البناء والأعمال الشاقة، قبل أن يتمكن من الحصول على وظيفة كحارس لمبنى سكني قديم في غرب طهران.
ويتقاضى حوالي 80 دولارًا شهريًا (بالعملة الإيرانية المنهارة)، تُحول إلى حساب مواطن إيراني لأنه لا يمكنه فتح حساب مصرفي باسمه.
قال: «نادراً ما أغادر المبنى، أخشى أن يتم ترحيلي. لا أعلم إلى متى يمكنني مواصلة هذه الحياة».
وقال وحيد غوليكاني، مدير شؤون الأجانب في محافظة طهران، إن «توظيف المهاجرين غير الموثقين يجب أن يتوقف لحماية فرص العمل للمواطنين».
وارتفع عدد العائدين يوميًا (سواء بالترحيل أو العودة الطوعية) بشكل كبير بعد بداية الحرب، حيث تجاوز المتوسط 29,600 شخص يوميًا بدءًا من 10 يوليو، حسب ما ذكرت ماي ساتو، المقررة الخاصة لحقوق الإنسان في إيران.
وأدانت ساتو، إلى جانب ثلاثة مقررين خاصين آخرين ومنظمات حقوقية مثل العفو الدولية، عمليات الترحيل الجماعي قائلة:
«أفغانستان ما زالت غير آمنة تحت حكم طالبان. هذه الترحيلات الجماعية تنتهك القانون الدولي وتعرّض الفئات الضعيفة، خصوصًا النساء والأطفال والأقليات، لخطر الاضطهاد والعنف».
مزاعم بوجود تهديدات أمنية
ذكرت السلطات ووسائل الإعلام الإيرانية أن بعض المهاجرين غير الموثقين قد يشكلون تهديدًا أمنيًا، وزعمت أن بعضهم جُنّد من قبل إسرائيل للقيام بمهام داخل إيران.

لاجئون أفغان يصلون من إيران إلى معبر إسلام قلعة بين أفغانستان وإيران، في 5 يوليو/تموز 2025
عرضت التلفزة الرسمية اعترافات لعدد محدود من المعتقلين الأفغان (وجوههم مغطاة)، قالوا إنهم أرسلوا صورًا ومعلومات إلى جهات مجهولة مرتبطة بجهاز الموساد.
لكنّ هذه الأرقام لا تتناسب مع حجم الترحيلات الجماعية.
كما اعتقلت السلطات مئات الإيرانيين للاشتباه بتعاونهم مع إسرائيل، وأُعدم عدد منهم مؤخرًا.
وقال النائب محمد منان رئيسي من مدينة قم المحافظة:
«لا يوجد أي مهاجر أفغاني بين الجواسيس لصالح إسرائيل»، مؤكداً أن بعض الأفغان قاتلوا وماتوا دفاعًا عن إيران، داعيًا إلى تجنب العنصرية في التعامل مع المهاجرين غير النظاميين.
ضغوط اقتصادية
قبل هذه الترحيلات، أفادت السلطات أن عدد اللاجئين والمهاجرين الأفغان في إيران بلغ رسميًا 6.1 مليون، رغم أن البعض يعتقد أن العدد الحقيقي أعلى.
ومنحت الحكومة وضع لاجئ رسمي فقط لنحو 780,000 منهم.
تتحمل الحكومة الإيرانية أعباء اقتصادية هائلة لدعم ملايين اللاجئين، من خلال الدعم غير المباشر للوقود والكهرباء والخبز، ما يثقل كاهل الميزانية العامة.
ومنذ سيطرة طالبان على أفغانستان في 2021، تفاقم الغضب الشعبي في إيران من وجود هؤلاء المهاجرين، وتزايدت التقارير الإعلامية حول جرائم يُزعم أن أفغانًا ارتكبوها، رغم عدم وجود إحصائيات رسمية.
ورغم ذلك، تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي حملات تأييد للترحيل تحت وسم «مطلب وطني».
لكن لا توجد إحصاءات موثوقة حول نسبة الإيرانيين المؤيدين لهذه الإجراءات.
انتهاكات خلال الترحيل
قال بعض المرحّلين لوسائل الإعلام الأفغانية إن قوات الأمن الإيرانية اعتدت عليهم بالضرب أو أهانتهم أثناء ترحيلهم.
وأشار آخرون إلى أنهم طُردوا فجأة دون أن يتمكنوا من استلام رواتبهم الأخيرة أو مدخراتهم أو ودائع إيجاراتهم.
ووردت تقارير عن حالات تم فيها ترحيل أفغان يمتلكون وثائق قانونية بعد أن مزّقتها الشرطة.
لكن المتحدثة باسم الحكومة فاطمة مهاجراني ووزير الداخلية إسكندر مؤمني أكدا أن الحكومة تستهدف فقط من هم بدون وثائق.
وقال مؤمني إن أكثر من 70% ممن عادوا فعلوا ذلك طوعًا بعد إعلان الحكومة مهلة تنتهي في أوائل يوليو.

عائدون أفغان فروا من إيران هربًا من الترحيل والصراع يتجمعون في منشأة تابعة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقرب من معبر إسلام قلعة في ولاية هرات الغربية بأفغانستان، في 20 يونيو/حزيران 2025.
«أشعر بالغضب المتزايد من الناس»
اللاجئون الباقون في إيران يواجهون قيودًا قاسية، منها:
- منعهم من دخول عشرات المدن.
- عدم ضمان تجديد تصاريح العمل.
- منعهم من امتلاك عقارات أو سيارات أو حتى بطاقات SIM.
- صعوبة تسجيل أطفالهم في المدارس.
- نادرًا ما يُمنحون الجنسية.
وقالت زهرا عظيم، وهي معلمة ومحررة فيديو أفغانية الأصل من طهران وتبلغ 22 عامًا، إنها بدأت تدرك حجم التمييز عندما كبرت:
«ما يزعجني أنني وُلدت في إيران وعائلتي تعيش هنا منذ أكثر من 40 عامًا، ومع ذلك لا يمكنني الحصول على أبسط شيء كـ رخصة قيادة».
وأضافت أنها تتلقى مئات الرسائل المهينة بعد الحرب الأخيرة، وتفكر في الهجرة.
وتابعت: «اتصلت بي صديقة بعد الحرب وقالت لي: لا يمكننا البقاء هنا بعد الآن. كنت أظن أنها ستغادر البلاد. لم أتخيل أن خيارها الأخير سيكون الانتحار».
كما قالت إن الشرطة اعتقلت شقيقها من أحد المقاهي في طهران للاشتباه في التجسس، وأفرجت عنه لاحقًا.
واختتمت بالقول: «أشعر بالغضب المتزايد في الشارع، حتى من بعض أصدقائي الإيرانيين. حين لا يمكنك مهاجمة من هم في السلطة، تبدأ بإلقاء اللوم على من هم أضعف».
«لست ضد اتخاذ تدابير أمنية، لكنني فقط أتمنى أن يعاملونا باحترام.
فالاحترام لا يرتبط بالجنسية أو العرق أو الجغرافيا».
تم تغيير الاسم لحماية هوية الشخص.
الجزيرة
اترك تعليقاً