جرائم بلا محاسبة: جيل جديد مُهجّر من الروهينجا

٢٠٢٥١٠٣٠ ٠٩٠٨٥٨ scaled

في 1446هـ (5 أغسطس 2024م)، فقدت سيترا بيغوم، البالغة من العمر ثلاثين عامًا وأم لستة أطفال من قرية فويزيبارا، كل شيء في لحظة واحدة. وقد قُتل زوجها عثمان، البالغ من العمر 45 عامًا، عامل يومي عادي، في هجوم بطائرة مسيرة شنته جيش أراكان (AA) موغ باجي على شاطئ فويزيبارا في بلدة ماونغداو، شمال ولاية أراكان (راخين)، ميانمار.

في تلك الأمسية، تجمّع مئات من رجال ونساء وأطفال الروهينجا بالقرب من نهر ناف، يائسين لعبور الحدود إلى بنغلاديش مع تصاعد القتال بين مجلس ميانمار العسكري وجيش أراكان موغ باجي، غير أن الهدف كان المدنيين الروهينجا.

“كنا ننتظر القوارب على الشاطئ حينما حلّت الطائرات المسيرة، كان أهل الروهينجا يصرخون ويبكون ويفرّون في كل مكان. لقد أصيب زوجي ولم يتمكن من النجاة”، شاركت سيترا بصوت متقطع.

“إن رؤية زوجي يموت وجسده يتمزق كانت أشد اللحظات ألمًا وصدمة عميقة لبقية أفراد عائلتنا، لقد كان أحلك وأصعب لحظة في حياتي”.

في ذلك اليوم، قُتل أكثر من 200 مدني من الروهينجا وأصيب عدد لا يحصى من الناس، في منطقة لم يكن فيها أي مستشفى أو عيادة متنقلة أو صيدلية لتوفير مسكن للألم.

ويقول الناجون إن الجثث جُمعت كما لو كانت “سلعًا صناعية”، وحُمّلت على المركبات بواسطة أقاربهم المحطمين نفسيًا. وقد تمكن ابن عثمان البالغ من العمر 12 عامًا، كمال حسين، وبعض الأقارب من استعادة جثته الممزقة في اليوم التالي، بعد أن تمزقت أطرافه بالكامل.

بالنسبة لسيترا، لم تنتهِ الكارثة بوفاة زوجها، إذ فرّت هي وأطفالها الستة من الشاطئ، متخذة ملاذًا مؤقتًا في الحوض 2 ببلدة ماونغداو.

تقول: “بقينا هناك خمسة أيام بلا ملابس مناسبة، ولا طعام، ولا مأوى، ولا ماء، ولكن عندما دخلت قوات جيش أراكان موغ باجي القرى، أمرونا بالمغادرة فورًا”.

1000023944

في أحد الملاجئ المخصصة للاجئين، سيترا تحتضن طفلها الصغير بعد مقتل زوجها في غارة بطائرة مسيّرة، في مشهد يذكّر بأن الأرامل والأطفال هم من يتحملون العبء الأثقل للحروب.

من هناك، انتقلت العائلة إلى قرية ناتيرديل في ماونغداو، حيث كانت تنتظرهم كارثة جديدة؛ إذ تُعد المنطقة حمراء مزروعة بالألغام. تقول سيترا: “أحد الرجال فقد ساقه ويده لمجرد محاولته الذهاب إلى المرحاض.” وبعد فترة وجيزة، أُجبروا على الانتقال إلى مخيم النازحين هلابو غاون في قرية زين باينغ نيار، ببلدة ماونغداو.

لكن الحياة داخل المخيم كانت لا تُطاق، إذ لم يكن هناك طعام ولا دواء، ولا حتى ما يكفي من مياه الشرب. تقول سيترا: “بقينا على هذا الحال سبعة أيام كاملة.”

وبإصرار على النجاة، تمكنت العائلة أخيرًا من الوصول إلى قرية دارغابارا، حيث حصلوا على قارب بعد أن باعوا ما تبقّى لديهم من نقود وذهب.

وفي 19 أغسطس 2024م، انطلقوا عبر نهر ناف، يحدوهم الأمل في الأمان داخل بنغلاديش، غير أن رحلتهم توقفت في جزيرة لالديا، حيث ظلوا عالقين لمدة يومين.

تقول سيترا: “كان الأطفال يتضورون جوعًا وسط الشجيرات الموحلة، والشيوخ يتساقطون على الأرض ويرتجفون كطير مبتل، وظننا أننا سنفارق الحياة هناك.”

وأخيرًا، في 21 أغسطس 2024م، وصلت سيترا وأطفالها الستة إلى مخيمات اللاجئين في كوكس بازار، بنغلاديش. إلا أن الأمان لم يجلب لهم السلام، إذ كان الأطفال ضعفاء ومرضى. وباعتبارهم لاجئين جدد بلا وثائق، مُنعت العائلة في البداية من الحصول على العلاج الطبي في العيادات التابعة للمنظمات غير الحكومية.

تقول سيترا: “قيل لنا إننا لا نستحق الرعاية الصحية لأننا جدد.” ولم تُتاح لهم إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية داخل المخيمات إلا لاحقًا بشكل محدود من قبل وكالات الإغاثة.

والآن، تعيش سيترا وأطفالها في مأوى هش داخل المخيم، بلا احتياجات أساسية مثل أسطوانة الغاز المسال، أو التغذية، أو أدوات النظافة. ويضطر أطفالها لجمع الحطب والنفايات البلاستيكية للطهي بدل الذهاب إلى المدرسة، التي أُغلقت أيضًا هذه الأيام.

تقول وهي تغمرها الدموع: “أطفالي يبكون على أبيهم، وأحيانًا يسألونني: أين أبي يا أمي؟ وليس لدي إجابة.”

هذه القصة ليست مأساة معزولة، بل جزء من نمط أوسع من الاضطهاد ضد شعب الروهينجا. فقبل أسابيع من هجوم الطائرات المسيرة على فويزيبارا، اتُهم جيش أراكان (AA) بارتكاب مجازر جماعية وحرق واسع في بلدة بوثيداونغ.

في 17–18 مايو 2024م، أُحرقت أحياء كاملة للروهينجا في مدينة بوثيداونغ، مما أدى إلى تهجير عشرات الآلاف. ووفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، تؤكد صور الأقمار الصناعية وشهادات الناجين أن الدمار كان متعمدًا ومستهدفًا. وفي القرى المجاورة مثل هتان شاو كان (هويا سوري)، أفاد الشهود بأن أكثر من 600 مدني من الروهينجا، من النساء والأطفال والمسنين، قد قُتلوا وحُرقت جثثهم بالبنزين لمحو أي أثر (Times of Journal).

كما وثّقت وكالة رويترز كيف تم إرهاب المدنيين الروهينجا في بوثيداونغ أولًا على يد الجيش الميانماري، ثم استهدفهم جيش أراكان بحوادث حرق دمرت المدارس والمنازل وحتى المستشفى.

تظهر هذه الفظائع، من بوثيداونغ إلى فويزيبارا، وجود حملة منهجية لترهيب الروهينجا وقتلهم وتهجيرهم. وبالنسبة للناجين مثل سيترا، التي تكافح الآن في المنفى مع أطفالها الستة، فإن الجراح ليست شخصية فحسب، بل جماعية أيضًا.

وبالنسبة لسيترا، فقد دخل البقاء على قيد الحياة فصلًا جديدًا. فالحرب في ولاية أراكان أجبرتها على عبور النهر إلى المنفى، لكنها الآن تواجه معركة أخرى لتوفير مستقبل آمن وكريم لأطفالها.

1000023946

تقول بحزم: “ما حدث لنا ليس ألمًا شخصيًا لي فقط، بل هو ألم شعبي بأسره. لقد قُتل زوجي ومئات غيره بلا سبب. نريد العدالة، ونريد أن يحاسب العالم من ارتكب هذه الجرائم. فإذا لم تتحقق العدالة، فلن تنتهي معاناتنا أبدًا.”

إن هجوم الطائرات المسيرة على شاطئ فويزيبارا، والمجازر في بوثيداونغ، والاضطهاد المستمر لشعب الروهينجا، ليست حوادث عسكرية عابرة، بل هي جرائم ضد الإنسانية.

وما لم يُطالب المجتمع الدولي بالمساءلة، سيستمر الجناة في ارتكاب أفعالهم بلا عقاب، وسيظل الروهينجا يدفعون الثمن.

Rohingya Photographer

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا