الترحيب الحار من الرئيس الأمريكي برئيس الجيش الباكستاني يشير إلى إعادة تقييم استراتيجي وسط اضطرابات الشرق الأوسط.
بعد سنوات من الجمود الدبلوماسي، يبدو أن توترات العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان بدأت تتلاشى بسرعة، حيث يشير الترحيب الحار من دونالد ترامب برئيس الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، إلى إمكانية حدوث إعادة ضبط كبيرة للعلاقات.
بعد أن تمت الإساءة لباكستان في السابق لدرجة أن رئيس الوزراء السابق عمران خان اضطر لركوب حافلة المطار العادية بعد وصوله إلى الولايات المتحدة بدلاً من استقباله بسيارة ليموزين، تتمتع باكستان الآن بوصول على أعلى مستوى في واشنطن، بما في ذلك غداء في البيت الأبيض للمشير منير يوم الأربعاء ولقاءات مع كبار مسؤولي الأمن القومي.
أثارت تصرفات ترامب الودية مع منير، بالإضافة إلى “ما تعتبره الهند” تلميعاً لسجل باكستان في الإرهاب، استياء الهند، خاصة في ظل المفاوضات التجارية الحساسة مع الولايات المتحدة.
في مكالمة هاتفية مع ترامب يوم الثلاثاء، رفض رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بشدة ادعاءات الرئيس الأمريكي المتكررة بأنه توسّط شخصياً لوقف النزاع الذي استمر أربعة أيام بين الهند وباكستان في أيار (مايو).
وفي اليوم التالي، بينما وصف ترامب مودي بأنه “رجل رائع”، وصف منير بأنه “شخص مؤثر للغاية” في وقف الحرب القصيرة لكن الشديدة. وقال ترامب: “أُحب باكستان”، قبل أن يكرر قوله: “أوقفت الحرب بين باكستان والهند”.
في المكالمة الهاتفية، أوضح مودي “بشكل قاطع”، كما قال وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري أن الأعمال العدائية توقفت فقط بعد أن طلبت باكستان وقف إطلاق النار، ولم يكن هناك أي وساطة من طرف ثالث. وقال ميسري: “الهند لم تقبل الوساطة في الماضي ولن تقبلها أبداً”.
وما زاد الهند ارتباكًا، تصريح مسؤول في البيت الأبيض بأن منير دُعي بعد أن اقترح ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام لإنهاءه للصراع، الذي أعقب هجومًا إرهابياً أسفر عن مقتل 26 سائحاً معظمهم من الهندوس في المنطقة الخاضعة للإدارة الهندية من كشمير.
ويعكس استقبال منير بترحيب حار في واشنطن والإشادة الكبيرة من القيادة المركزية الأمريكية إعادة تقييم استراتيجي.
ووصف الجنرال قائد القيادة المركزية مايكل إي كوريلا باكستان مؤخراً بأنها شريك “استثنائي” في مكافحة الإرهاب، مشيراً إلى دور إسلام آباد في المساعدة على القبض على المخطط المزعوم لتنظيم ولاية خراسان التابع لـ”داعش” وراء تفجير بوابة آبي في مطار كابول عام 2021، وهو هجوم أسفر عن مقتل 13 جندياً أمريكياً وأكثر من 170 مدنياً أفغانياً.
تتضمن جولة منير التي تستمر خمسة أيام في الولايات المتحدة اجتماعات في البنتاغون ووزارة الخارجية ومقر القيادة المركزية في فلوريدا. ويعتبر هذا الوصول استثنائياً بالنسبة لضابط باكستاني.
ولاحظ مايكل كوجلمان، محلل شؤون جنوب آسيا في واشنطن، قائلاً: “غالباً ما يجتمع كبار المسؤولين الأمريكيين مع الجنرالات الباكستانيين، لكنهم لا يحظون بترحيب في البيت الأبيض. كان أيوب خان وضياء الحق استثناءات، لكنهما جاءا كرؤساء دولة”.
ويعتبر تحوّل النبرة الأمريكية صارخا. فقد وضعت الهند نفسها لفترة طويلة كشريك أكثر موثوقية للولايات المتحدة باعتبارها أكبر ديمقراطية في العالم، وحصناً ضد الصين، ومركزاً للتجارة وتبادل المعلومات الاستخباراتية، بينما ظلّت باكستان تواجه اتهامات بإيواء الإرهابيين وتقويض الحكم المدني.
قبل بضع سنوات فقط، اتهم ترامب نفسه باكستان بأنها “لا تقدم سوى الأكاذيب والخداع”، بينما وصفها جو بايدن لاحقاً بأنها “واحدة من أخطر دول العالم”.
لا تزال الجهات الهندية تشير إلى علاقات باكستان بهجمات إرهابية كبرى، بما في ذلك الهجوم على البرلمان الهندي عام 2001 وفي مومباي عام 2008. وفي هذا السياق، يثير ترحيب واشنطن بمنير ردود فعل غاضبة في دلهي، حيث يقول النقاد إن الولايات المتحدة تتعامل مع المؤسسة العسكرية نفسها التي طالما اتُهمت بدعم التمرد عبر الحدود.
يقول المحللون إن هذا التحول قد يكون مدفوعاً بأكثر من مجرد التعاون الاستراتيجي. فقد يكون الأمر شخصياً بالنسبة لترامب. حيث قال أحد المحللين الأمريكيين: “لديه ولع بالرجال الأقوياء. يرى شيئاً في منير كالغموض والخبرة العسكرية وهالة السيطرة؛ ترامب يستجيب للهيمنة، ومنير يبرزها”.
قد يساعد ذلك في تفسير سبب منح منير وصولاً يُخصص عادة لرؤساء الدول. قال كوجلمان: “من المحتمل أنه استمتع بفرصة تقييم منير. ترامب يعرف أن رئيس الجيش هو من يدير المشهد في باكستان”.
لكن زيارة منير تأتي في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط اضطرابات، مع قيام إسرائيل بضرب أهداف إيرانية ورد إيران بإطلاق صواريخ. وقد تأمل الولايات المتحدة أن تلعب باكستان، إحدى الدول القليلة التي لديها علاقات دبلوماسية مع طهران، دوراً في تخفيف التصعيد.
هناك أيضاً حسابات أكثر دقة، حيث تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة للانضمام إلى حملتها العسكرية ضد إيران، التي تتشارك مع باكستان حدوداً بطول 900 كيلومتر. وهذا الموقع الجغرافي يضع إسلام آباد في موقف محوري. ويعتقد بعض المحللين أن الولايات المتحدة قد تختبر ما إذا كان منير سيسمح برحلات مراقبة أو تعاون لوجستي.
لكن مجال المناورة لباكستان محدود، حيث الرأي العام مؤيد بقوة لإيران. قال كوجلمان: “حتى سراً، من المرجح أن يتردد الجيش الباكستاني في تحمل المخاطر. لا يستطيعون تحمل جرّ أنفسهم إلى هذا الصراع. سيكون رد الفعل عنيفاً”.
أما بالنسبة للمسؤولين الهنود، فقد أعاد استقبال منير ذكريات قديمة عن ميل الولايات المتحدة إلى الانحياز لباكستان في لحظات حرجة، كما في حقبة الحرب الباردة أو بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر). لكن هذه المرة، يقول المحللون، قد تشمل إعادة ضبط العلاقات أيضاً فرصاً تجارية.
فباكستان تسعى بنشاط لجذب الاستثمارات الأمريكية في اثنين من أكثر قطاعات التجارة العالمية تقلباً وإمكانية للربح: العملات المشفرة والمعادن الهامة.
قال كوجلمان: “لا ينبغي النظر إلى لقاء ترامب ومنير فقط من منظور الحرب بين إسرائيل وإيران. فقد كان هناك تعاون أمريكي باكستاني في مجالات التشفير والمعادن ومكافحة الإرهاب، وترامب يهتم شخصياً بهذه الملفات”.
وأضاف: “هذا هو ترامب التقليدي: ‘ماذا يمكنك أن تفعل لي؟ ماذا يمكنني أن أحصل عليه من هذا؟’”
اترك تعليقاً