من مساوئ هذا العصر أن يتم الترويج لحامل الحق وليس للحق نفسه، قد يستغرب البعض أن كيف يكون ذلك سيئا، رغم أنه يحمل الحق ولا بد من دعمه.
السيء في الأمر أن يلبس الحامل للحق ثوب الحق بالكلية عند المنظرين وبالتالي عند أتباعهم، فيكون الدفاع عن الحامل هو دفاع عن الحق ذاته مهما كان خطأه أو جرمه، بل ربما يتوارى خلف هذا الحق الذي يصدّره كحائط دفاع فساد وإفساد ليس لهما مثيل.
ليس هذا وحسب، فحامل الحق متغير متبدل، والحق ثابت جلي قوي. فالترويج للمتغير بوضعه في خانة الثابت فساد على مستويات شتى. فمع سقوط ذاك الحامل؛ قد يكفر الناس بالحق، أو يتشككوا فيه أو يصيبهم اليأس والإحباط، أو يصيبهم الاختلاف والتشرذم الذي قد يصل للتقاتل، وغير ذلك من الفتن الشنيعة التي كان منشاؤها هو عقد الولاء على حامل الحق وليس على الحق ذاته، وعقد القلوب على حامل الحق وليس على الحق ذاته، وجعل حامل الحق هو القضية وليس الحق ذاته.
لو نظرنا إلى الوضع في غزة مثلا، ربما كانت هذه الحرب الدائرة الآن هي نهاية حركات المقاومة التي تتصدر الساحة حاليا، بشكل أو بآخر، فهل هذا يعني أن الجهاد في الأرض المباركة قد يتوقف. بالطبع لا وهذه عقيدة ويقين أن الجهاد ماض في الأرض الشام إلى أن يشاء الله، لا يتوقف على شخص ولا على حزب ولا جماعة.
فحينما تعلق الناس بالأسماء دون الفريضة ذاتها والحق ذاته، فهذا إجرام في حق الجميع. وهوة قد يسقط فيها الجميع تقاتلا وتطاحنا منشغلين عن الحق الأسمى الأبلج.
هذا فساد عظيم في تناول قضايا الأمة، لا يعالجه إلا الإنصاف وتحرير مواطن الولاء والبراء عند الجميع، بتقويم الإعوجاج، وإنكار المنكر والأمر بالمعروف، وتقرير أن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وأن الرجال إنما يعرفون بالحق الذي يقومون به وعليه ولكنهم ليسوا دليل ولا حجة على الحق. ذاك إنصاف قل أن تجده في هذا الزمن وأهله!
اترك تعليقاً