في الظاهر، تبدو الحياة في أكبر مجمع لمخيمات اللاجئين في العالم تسير كالمعتاد، لكن في الأفق تلوح تخفيضات حادة في التمويل، من شأنها أن تغيّر جذريًا الأوضاع بالنسبة لأكثر من مليون لاجئ يعيشون في المخيمات القريبة من منطقة كوكس بازار في جنوب بنغلاديش.
فقد يتوقف توزيع الصابون خلال أسابيع، ثم يلي ذلك وقف توفير وقود الطهي. التعليم سيخضع لتقليصات لتركز الموارد المحدودة على المياه والغذاء. وبعد مرور ثماني سنوات على النزوح، بات من غير الممكن استمرار إدارة المخيمات كما كان الحال سابقًا. وقد دعا محمد يونس، القائد المؤقت في بنغلاديش، إلى عقد مؤتمر دولي في سبتمبر لمناقشة الخيارات المتاحة لما يمكن القيام به لاحقًا.
رغم البدايات المأساوية، فإن إقامة المخيمات في كوكس بازار كانت إنجازًا إنسانيًا ناجحًا. حين زرت المنطقة لأول مرة في عام 1438هـ (2017م)، كان المكان عبارة عن فوضى من أغطية القماش المشمع وأناس مصدومين وصلوا لتوهم. لكن بفضل جهود حكومة بنغلاديش والجهات المانحة الدولية والمنظمات الإنسانية المحلية والدولية، أُتيحت المأوى والمياه والغذاء لمئات الآلاف في غضون أسابيع. وبعد ما يقرب من عقد، بات المكان لا يُعرف؛ هناك طرق، وإضاءة، وعيادات، ونقاط مياه، ومدارس، ومراكز للرعاية النهارية، ومحلات صغيرة. المخيمات تعكس جهدًا استثنائيًا ومستدامًا لحماية ضحايا الاضطهاد والعنف.
لكن هذا “النجاح” أصبح جزءًا من المشكلة. فالدعم كان سخيًا إلى درجة غير مستدامة. فرق دولية متعددة ومكررة تقيم في البلدات القريبة وتزور المخيمات بشكل دائم. أساطيل من السيارات التي تحمل شعارات المنظمات تجوب الشوارع الضيقة باستمرار. المرافق داخل المخيمات بسيطة، لكنها توفر مياهًا نظيفة وخدمات صحية أفضل من تلك المتوفرة في معظم المناطق الفقيرة في مدن بنغلاديش. ويبلغ عدد اللاجئين الروهينغا نحو 0.7% فقط من سكان البلاد، لكن نسبة غير متناسبة من التمويل الإنساني والاهتمام الدولي تتركز عليهم، ما يثير حفيظة القادة السياسيين والمجتمعات المضيفة.
كما أن هذا النجاح الظاهري يخفي واقعًا أكثر قتامة وتعقيدًا. فثماني سنوات من العيش في المخيمات خلفت آثارًا نفسية واجتماعية كبيرة؛ الملل، والاكتئاب، والعنف المنزلي أصبحت أمورًا شائعة. العصابات تسيطر على المخيمات ليلاً. تتزايد عمليات الاتجار بالبشر، والخطف، والتجنيد للقتال في ميانمار، ومحاولات الهروب اليائسة التي كثيرًا ما تنتهي بمآسٍ في بحر أندامان. وستفاقم تخفيضات التمويل المقبلة هذه التحديات، مما يؤكد الحاجة العاجلة إلى حلول جديدة.
لكن الخيارات المتاحة محدودة. فالحكومة السابقة في بنغلاديش تمسكت بسياسة إعادة جميع اللاجئين إلى ميانمار. وتمثّلت التنازلات المؤقتة فقط في السماح بخدمات إنسانية محدودة، وفي نقل بعض اللاجئين إلى جزيرة باسان شار النائية لتخفيف الازدحام في مخيمات كوكس بازار. حان الوقت لإعادة التفكير في هذه الاستراتيجية. فإعادة التوطين لا تزال بعيدة المنال، بسبب استمرار الصراع في ولاية راخين، التي كانت موطن معظم الروهينغا. كما أن الإبقاء على جزيرة باسان شار مكلف للغاية. وقريبًا، لن يتبقى ما يكفي من الأموال لتمويل الخدمات الأساسية في المخيمات.
فما هي الخيارات التي يمكن طرحها في مؤتمر سبتمبر؟
- التركيز على العودة الآمنة والطوعية:
يجب أن يظل هذا الهدف الأساسي، رغم صعوبة تحقيقه في ظل الظروف الحالية في ميانمار. وقد ظل هذا مطلب حكومة بنغلاديش ورغبة معظم سكان المخيمات. ينبغي أن تبقى العودة محور التخطيط والجهود الدبلوماسية، وكل ما عدا ذلك هو “استراتيجية مؤقتة”. - إعادة تقييم تكلفة تشغيل المخيمات:
بلغت خطة الاستجابة المشتركة للأمم المتحدة حوالي 800 مليون دولار سنويًا، دون احتساب التكاليف المرتبطة بالوافدين الجدد. تعكس هذه التكلفة طموحات ضخمة لمجموعة من الوكالات الدولية التي اندفعت لتقديم الدعم عام 2017. ورغم أن معظمها يقوم بعمل جيد، إلا أن من الممكن الآن توجيه التمويل مباشرة إلى الفاعلين المحليين والوطنيين الذين يقدمون الخدمات. قد لا تبادر الوكالات الدولية بالتنحي طواعية، لذا يجب على المانحين فرض ذلك. تبحث IFRC وBRAC وجمعية الهلال الأحمر البنغلاديشي في عقد فعالية جانبية بالمؤتمر لمناقشة هذا الخيار. - كسر “فقاعة” حياة المخيم:
إذ أن الخدمات داخل المخيم غالبًا ما تتفوق على مثيلاتها في المجتمعات المضيفة المجاورة. كما نشأت تبعية صناعية للمساعدات، حيث يتم استهداف كل المقيمين بالمخيمات دون تمييز حقيقي حسب الحاجة. ويجب معالجة هذا الأمر بثلاث خطوات:- تحويل أكبر عدد ممكن من الخدمات إلى تحويلات نقدية عبر الهاتف المحمول، بحيث يتمكن السكان من الشراء والتبادل داخل المخيم ومع المجتمعات المجاورة.
- تعزيز مبادرات سبل العيش داخل المخيم، لتمكين البعض من الخروج من قوائم المستفيدين، مما يسمح بتركيز المساعدات القليلة على الأكثر ضعفًا.
- زيادة تمويل المجتمع المضيف عبر بنوك التنمية، فكلما شعر المجتمع المضيف بفوائد استضافته، قلّت مقاومته للتغييرات التي تضطر الحكومة لإجرائها بصمت في ظل النزوح طويل الأمد. الاستثمار في الصحة والتعليم وخلق فرص العمل خارج المخيمات يعود بالنفع على سكانها أيضًا.
لا واحدة من هذه الحلول سترضي من يطالبون بحلول جذرية وعناوين كبيرة؛ مثل أن “يعود الجميع فورًا”، أو أن “يتم دمجهم جميعًا في بنغلاديش”. نظرًا لأن أياً من هذين الخيارين ليس واقعيًا، فلن يكون أمام المؤتمر خيار سوى أن يُبقي إحدى عينيه على هدف العودة النهائية، والعين الأخرى على حلول عملية لـ”الفترة المؤقتة”.
بقلم: ألكسندر ماثيو
المدير الإقليمي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC)
على صحيفة الإنسانية الجديدة.
اترك تعليقاً