أولا) وصف الفكرة وكيفية تنفيذها المقترحة
المبدأ العام – اقترح بعض النشطاء ملء زجاجات بلاستيكية فارغة سعة 1.5–2 لتر (أو جراكن أكبر) بكيلوغرام تقريباً من الأرز أو العدس أو غيرها من البقول الجافة وترك جزء من الهواء داخلها، ثم إغلاقها بإحكام وإلقائها في البحر المتوسط من سواحل مصر، ليبيا، تونس، الجزائر أو المغرب على أمل أن تحملها التيارات السطحية المتجهة من الغرب إلى الشرق إلى شواطئ غزة. يشرح بعض المنشورين أن التطبيق “WINDY” أو برامج نظم المعلومات الجغرافية (GIS) تُستخدم لتتبع التيارات السطحية واختيار أيام يكون اتجاه الرياح والتيار خلالها مناسبًا، وأنه يمكن دمج وحدات GPS داخل بعض الزجاجات لمراقبة مسارها. من الناحية النظرية، إذا كانت المسافة بين دمياط المصرية وشواطئ غزة نحو 220 كم، وكان متوسط سرعة التيار 3 كم/س، فإن مدة الرحلة قد تتراوح بين 3–5 أيام، لكن السرعة في الواقع تتغير بشكل كبير حسب الموسم والرياح.


الحشد المطلوب – تدعو المبادرة إلى إلقاء مئات الآلاف من الزجاجات يومياً لجمع نحو 100 طن من الغذاء، بحجة أن عدد سكان مصر وحدها يزيد عن 120 مليون نسمة، وبالتالي يمكن لكل شخص المشاركة بزجاجة واحدة على الأقل. يطرح بعض المؤيدين ضرورة تكوين فريق من خبراء الملاحة، ومهندسي نظم المعلومات الجغرافية، ومطوري برمجيات، وفرق تسويق لإدارة العملية وتتبع مسارات الزجاجات.
ثانيا) تقييم الجدوى العلمية والعملية
2.1) تيارات البحر المتوسط
- الاتجاه العام للتيارات – تشير دراسات التتبع باستخدام عوامات (drifters) إلى أن المياه السطحية المنخفضة الملوحة الداخلة من مضيق جبل طارق تتحرك شرقاً بمحاذاة سواحل شمال أفريقيا عبر التيار الجزائري، لكنها تعيد الدوران في العديد من الدوامات ثم تنعطف شمالاً على سواحل فلسطين ولبنان لتتجه غرباً مع “تيار آسيا الصغرى”. هذا النمط يعنى أن المياه لا تتحرك في خط مستقيم بل تدور مع دوامات عديدة، ما يجعل مسار أجسام صغيرة عشوائياً وغير قابل للتنبؤ بسهولة.
- سرعة التيارات – القياسات الميدانية تظهر أن السرعة المتوسطة للتيارات السطحية شرق البحر المتوسط عادةً أقل من 1 م/ث (≈3.6 كم/س)، وفي كثير من المناطق لا تتعدى بضعة سنتيمترات في الثانية. دراسة حديثة أشارت إلى أن السرعة على سواحل بحر إيجه وقبالة سواحل الشام تتراوح بين 0.6 و 0.9 م/ث، مع بعض النقاط قد تصل فيها السرعة إلى 1.2–1.5 م/ث؛ في مناطق أخرى حول سواحل مصر وليبيا تكون السرعات عادة أصغر وتتأثر بالأمواج والرياح. إحدى الدراسات التي استخدمت عوامات أشارت إلى أن التيارات نصف اليومية في المتوسط نادراً ما تتجاوز 7 سم/ث، وأن الرياح هي العامل الأقوى في دفع الأجسام العائمة. اعتماداً على هذه الأرقام، قد تستغرق الزجاجة أياماً أو أسابيع للوصول، وقد تُجرف بعيداً عن غزة بفعل الرياح أو الدوامات.
- عدم اليقين – وجود دوامات عديدة يعني أن مسارات الأجسام العائمة يصعب التنبؤ بها؛ حتى العوامات المجهزة بمظلات بحرية تنحرف عن مسار التيار بحدود 1–2 سم/ث بسبب تأثير الرياح. لذلك، فإن اختيار يوم معين اعتماداً على تطبيق للطقس لن يضمن وصول الزجاجات، بل قد يدفع جزءاً كبيراً منها نحو سواحل لبنان، سوريا أو تركيا، أو يعيدها إلى ليبيا.
2.2) عوامل عملية أخرى
- التعبئة والطفو – يجب ترك كمية هواء داخل الزجاجة لضمان طفوها. ولكن تسرب المياه المالحة للداخل مع مرور الوقت قد يفسد الطعام. حتى في حال إحكام الغطاء، قد تسمح فروقات الحرارة والضغط بنفاذ الماء. تعرض الزجاجات لأشعة الشمس فوق السطح قد يؤدي إلى انهيار جدران البلاستيك تدريجياً.
- الكمية الهائلة – إطلاق 100 ألف زجاجة يومياً يتطلب حشدًا لوجستياً ضخماً، وتأمين مئات الأطنان من الغذاء، ونقل الزجاجات إلى الشواطئ، مما يفوق قدرة المبادرات الفردية. التجربة العملية لصيادين تشير إلى أن البحر المتوسط مليء بالنفايات البلاستيكية، والشباك تجمع البلاستيك أكثر من الأسماك.
- القانون والسياسة – إسرائيل تفرض حصارًا بحريًا على غزة. بموجب اتفاقية أوسلو الثانية، يُسمح للشرطة البحرية الفلسطينية بالعمل ضمن 6 أميال بحرية فقط، لكن إسرائيل خفّضت الحد في 1439هـ (2018م) إلى 3 أميال بحرية وتراقب الساحل عبر زوارق دورية وتطلق النار على القوارب التي تتجاوز المسافة. كما اعترضت البحرية الإسرائيلية عدة سفن حاولت إيصال مساعدات. وإذا وصلت الزجاجات إلى نطاق الحصار، فمن المحتمل جمعها أو تدميرها.
- البيئة والملاحة – البحر المتوسط يعانى بالفعل من أحد أعلى تركيزات البلاستيك العائم. دراسة نُشرت في PLOS One وجدت أن متوسط كثافة البلاستيك هو قطعة واحدة لكل 4 م²، وأن كمية البلاستيك العائمة تتراوح بين 1,000 و 3,000 طن نتيجة الضغط البشرى والهيدروديناميكا شبه المغلقة للبحر . إضافة ملايين الزجاجات ستزيد التلوث وتُعرّض الكائنات البحرية للاختناق أو الابتلاع. كما قد تُصبح الزجاجات عائقًا للملاحة الصغيرة أو تلتف في شباك الصيادين.
- جودة المواد الغذائية – حتى مع إحكام الغطاء، قد يؤدي تذبذب الحرارة والضغط وتسرب المياه إلى تلف الطعام، خاصةً في الرحلات الطويلة. لذلك شكك بعض الخبراء في صلاحية الأطعمة بعد وصولها.
ثالثا) مخاطر ومعوقات
توضيح | نوع المعوق أو الخطر |
التيارات السطحية في المتوسط معقدة وتحتوي على دوامات؛ قد تجرف الزجاجات بعيداً، كما أن البحرية الإسرائيلية تفرض حصاراً وتراقب المنطقة وتطلق النار على القوارب المتجاوزة، ما يجعل وصول الزجاجات غير مضمون. | التشتت والحصار البحري |
البحر المتوسط يُعد منطقة تراكم للبلاستيك؛ الدراسات تشير إلى وجود 1 000–3 000 طن من البلاستيك العائم، وإلقاء أعداد كبيرة من الزجاجات سيزيد التلوث ويهدد الحياة البحرية. | التلوث البيئي |
يتطلب إنتاج مئات الآلاف من الزجاجات وتعبئتها وتوزيعها جهوداً وتمويلاً يفوق قدرة المبادرات الشعبية. كما قد تعرقل السلطات المحلية عمليات الإلقاء من الشواطئ لأسباب أمنية أو بيئية. | اللوجستيات والتكلفة |
تعرض الزجاجات للملح والشمس والضغط قد يؤدي إلى تسرب الماء، ما يفسد الطعام، وقد يصبح غير قابل للاستهلاك عند وصوله. | سلامة الغذاء |
يمكن أن تُصنَّف العملية كتهريب عبر البحر؛ وقد تواجه المشاركات عقوبات قانونية في دول الانطلاق إذا اعتُبرت المساعدات غير مصرح بها. | المعايير القانونية |
رابعا) البدائل والخيارات الواقعية لدعم غزة
- حلول تقنية أخرى – يمكن تطوير أدوات إسقاط جوية صغيرة تحمل أغذية أو أدوية إلى مناطق ساحلية في غزة عبر طائرات مسيّرة، لكن هذه الطرق تحتاج إلى موافقات دولية وتنسيق مع الأمم المتحدة. كما يمكن للمتطوعين دعم الفرق التقنية التي تتابع الممرات الإنسانية الرسمية.
- التبرع للمنظمات الإنسانية – إشراك المنظمات المعترف بها دولياً مثل برنامج الأغذية العالمي، وكالة الأونروا، الهلال الأحمر المصري أو الهلال الأحمر الفلسطيني. هذه الهيئات تملك قنوات رسمية لإدخال الغذاء والدواء ولديها خبرة في التوزيع. تقرير للأمم المتحدة في يونيو 2025 شدد على الحاجة لفتح معابر متعددة لدخول مساعدات بالحجم الكافي، إذ إن القيود على المعابر البرية والبحرية أدت إلى ارتفاع خطر المجاعة.
- الضغط السياسي والإعلامي – استخدام الحملات الشعبية للضغط على الحكومات لفتح معبر رفح وتعزيز الممرات الإنسانية البرية والبحرية، ودعم جهود الأمم المتحدة لإنشاء ممر بحري رسمي آمن تشرف عليه المنظمات الإنسانية. مثل هذه الممرات بدأت تُناقش عام 2024–2025 مع بناء رصيف بحري مؤقت لغزة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
- المشاركة في حملات الإغاثة المحلية – تنسيق حملات لجمع التبرعات والمواد الإغاثية داخل مصر والدول العربية وإرسالها من خلال الهلال الأحمر أو الجمعيات الرسمية. دعم الأسر الفلسطينية اللاجئة في البلدان العربية الأخرى (مخيمات لبنان، سورية) قد يخفف الضغط العام.
- معجون الفول السوداني: هناك منتج يتم استخدامه في الظروف الطارئة كالحروب والمجاعات وفي حالات الجفاف الحاد لدى الأطفال، وهو معجون الفول السوداني، تحتوي الكمية الصغيرة (100 جرام) على نحو 500–600 سعرة حرارية ويتم وضع الكيس في أرجل الحمام المدرب ثم يتم إطلاقه.
- حفر أهل البدو في سيناء لنفق لكنها فكرة صعبة التنفيذ وخطيرة وتحتاج لشخص له علاقات قوية مع أهل البدو في سيناء لحفر نفق خاص بهم..
خامسا) الموقف الديني من مبادرة “زجاجة أمل لغزة”
رغم أن مبادرة “زجاجة أمل لغزة” قد لا تحقق نتائج عملية مضمونة، فإن النظر إليها من الزاوية الشرعية يفتح بابًا لفهمٍ أعمق حول النية، والجهد المشروع، والمسؤولية الأخلاقية أمام الله عز وجل، خاصة في وقت المِحن.
من باب: “فاتقوا الله ما استطعتم“ التغابن: 16
هذه الآية أصلٌ من أصول الشريعة في التكليف، وتعني أن الله لا يكلّف النفس فوق وسعها، لكن يطلب منها أن تبذل جهدها بقدر استطاعتها. فإن عجز الإنسان عن الوصول للمطلوب الكامل، لا يُعفى من المحاولة الممكنة.
قال الإمام ابن كثير في تفسير الآية:
“أي: جهدكم وطاقتكم، كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.“
وفي السياق نفسه، فإن من لم يستطع كسر الحصار، أو إيصال الغذاء عبر القنوات الرسمية، لكنه وجد سبيلاً رمزيًا وإن بدا ضعيف الأثر، فإن في محاولته تلك امتثالًا للأمر الإلهي ببذل الوسع.
سادسا) خلاصة
مبادرة “زجاجة أمل لغزة” تعبر عن تضامن شعبي ورغبة في كسر الصمت حيال المجاعة والحصار ومحاولة تقرب إلى الله بإبراء الذمة من المشاركة في التجويع والحصار. إلا أن تحليل العوامل العلمية والعملية يشير إلى أن الاعتماد على زجاجات بلاستيكية تحملها التيارات البحرية قد لا يكون وسيلة فعالة لإيصال الغذاء إلى غزة. التيارات في البحر المتوسط معقدة وغير منتظمة؛ سرعة الجريان متغيرة ووجود دوامات يجعل مسار الزجاجات غير متوقع. إضافة إلى ذلك، الحصار البحري الذى تفرضه إسرائيل وتقليص مناطق الصيد إلى 3–6 أميال بحرية يعنى أن أي جسم عائم سيخضع للرقابة وربما يُصادر. إطلاق مئات الآلاف من الزجاجات سيزيد من تلوث البحر المتوسط، الذى يحتوي بالفعل على آلاف الأطنان من البلاستيك العائم، وقد يهدد الكائنات البحرية. الأجدى هو تحويل تعاطف الناس إلى دعم ملموس عبر التبرع للهيئات الإغاثية، والضغط لفتح معابر رسمية، والعمل على مبادرات بيئية وإنسانية مستدامة.
اترك تعليقاً