أقرّ قائد الجيش بالتراجع من آخر معقل له في دارفور، وسط تزايد المخاوف على المدنيين المحاصرين داخل المدينة.
أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، انسحاب قواته من آخر معاقلها في دارفور، فيما أصدرت الأمم المتحدة تحذيراً شديد اللهجة إزاء تقارير تفيد بارتكاب «فظائع» من قبل القوات شبه العسكرية التي باتت تسيطر على مدينة الفاشر.
وجاء إعلان البرهان مساء الإثنين، بعد يوم واحد من استيلاء قوات الدعم السريع على القاعدة العسكرية الرئيسية للجيش السوداني في الفاشر وإعلانها النصر هناك.
انسحاب الجيش من مدينة الفاشر ترك أكثر من ربع مليون إنسان، نصفهم من الأطفال، تحت سيطرة قوات الدعم السريع. وقد أفادت منظمات الإغاثة بوقوع مشاهد فوضوية هناك، شملت أعمال قتل واعتقال وهجمات على المستشفيات، إضافة إلى اشتباكات بين قوات الدعم السريع والوحدات المنسحبة من الجيش.
وفي بيانه، أوضح البرهان أن الضباط العسكريين قرروا الانسحاب الكامل من المدينة أملاً في تجنيب السكان مزيداً من سفك الدماء والعنف.
وأشار إلى أن الجيش تراجع بسبب «التدمير المنهجي والقتل الممنهج للمدنيين» على يد قوات الدعم السريع، مضيفاً أن الغاية من الانسحاب هي «حماية المواطنين وبقية المدينة من الخراب والدمار».
قال: «نحن عازمون على الثأر لما جرى لشعبنا في الفاشر، وسنحاسب هؤلاء المجرمين نحن، شعب السودان».
وقد يشير سقوط الفاشر في أيدي قوات الدعم السريع إلى احتمال انقسام جديد للسودان، بعد أكثر من عقد على استقلال جنوب السودان.
اندلعت الحرب الأخيرة في 1444هـ (أبريل عام 2023م)، حين تحولت التوترات بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى مواجهات دامية في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، أودت بحياة عشرات الآلاف وشرّدت ما يقارب اثني عشر مليون إنسان.
أظهرت مقاطع مصوّرة نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي منذ يوم الأحد مقاتلي قوات الدعم السريع وهم يحتفلون داخل القاعدة العسكرية السابقة في الفاشر ومحيطها. كما أظهرت لقطات أخرى عناصر من هذه القوات يطلقون النار ويعتدون بالضرب على أشخاص أثناء محاولتهم الفرار، فيما بدا أن عدداً كبيراً منهم قد تم اعتقاله.
فظائع في الفاشر
قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنّ ما يجري يُشكّل «تصعيداً مروعاً في الصراع»، مؤكداً أنّ «مستوى المعاناة التي نشهدها في السودان بلغ حدّاً لا يُطاق».
قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن مقاتلي قوات الدعم السريع ارتكبوا، على ما يبدو، فظائع في مدينة الفاشر، شملت «إعدامات ميدانية» لمدنيين حاولوا الفرار من هجماتهم، مع «مؤشرات على دوافع عرقية وراء عمليات القتل».
من جانبه، حذر فولكر تورك، المفوّض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، من أنّ «خطر وقوع انتهاكات جسيمة وجرائم ذات دوافع عرقية على نطاق واسع في الفاشر يتفاقم يوماً بعد يوم».
ووصف «تجمّع أطباء السودان»، وهو هيئة طبية تتابع مجريات الحرب، الهجوم الذي شنّته قوات الدعم السريع بأنه «مجزرة بشعة»، مؤكداً مقتل عشرات الأشخاص، مشيراً إلى أنّ مقاتلي الدعم السريع اجتاحوا أجزاء من المدينة، ونهبوا المستشفيات والمرافق الطبية، و«دمّروا ما تبقّى من البنية الأساسية للحياة والرعاية الصحية».
ذكرت «شبكة دارفور لحقوق الإنسان» أن قوات الدعم السريع اعتقلت أكثر من ألف مدني، واصفة ما يجري بأنه «استهداف ممنهج للمدنيين واعتقالات تعسفية، قد ترقى إلى جرائم حرب».
ومن بين المعتقلين صحفي محلي يُعد من القلائل الذين بقوا في المدينة، وفقاً لنقابة الصحفيين السودانيين، التي حذّرت من احتمال وقوع «انتهاكات جماعية» في الفاشر، شبيهة بما حدث في مدينة الجنينة عام 1444هـ (2023م)، حين ارتكب مقاتلو الدعم السريع مجازر أودت بحياة المئات.
أما نقابة أطباء السودان، المظلّة المهنية للأطباء السودانيين، فقد قالت إن قوات الدعم السريع حوّلت الفاشر إلى «ميدان قتل وحشي»، ووصفت ممارساتها في السودان بأنها «سياسة همجية ترمي إلى بثّ الرعب وإبادة المدنيين». ودعت النقابة المجتمع الدولي إلى تصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية.
كما أعرب منسّق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، توم فليتشر، عن «قلق بالغ» إزاء التقارير التي تتحدث عن سقوط ضحايا مدنيين ونزوح قسري في الفاشر، قائلاً في بيان: «مئات الآلاف من المدنيين محاصرون في رعبٍ مدقع، يتعرضون للقصف والجوع، محرومين من الغذاء والرعاية الصحية والأمان». ودعا إلى «تأمين وصول إنساني آمن وسريع ودون عوائق إلى السكان المتبقين».
جرائم الدعم السريع
قبل هجوم الأحد، كان هناك 260,000 مدني، نصفهم من الأطفال، محاصرين في الفاشر، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للأطفال.
وأفادت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة بأن أكثر من 26,000 شخص قد فرّوا من منازلهم حتى يوم الإثنين، متجهين نحو المناطق الريفية وبلدة طويلة المجاورة المكتظة بالنازحين.
وفي مناطق أخرى، شهدت بلدة برا في ولاية كردفان الوسطى أعمال عنف شنّها مقاتلو قوات الدعم السريع خلال عطلة نهاية الأسبوع، ما أسفر عن مقتل 47 شخصاً على الأقل، بينهم تسع نساء، حسبما أفادت شبكة أطباء السودان.
وتنشأ قوات الدعم السريع من ميليشيا مرتبطة بالحكومة تُعرف بالجنّجويّد، والتي ارتكبت فظائع بحق السودانيين خلال صراع دارفور في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وقد أسفرت الحرب الأخيرة عن مقتل أكثر من 40,000 شخص، وخلقت أسوأ أزمة إنسانية في العالم، حيث غمرت المجاعة أجزاءً من البلاد، بما في ذلك منطقة الفاشر.
وقد تميّز النزاع بارتكاب فظائع جسيمة، شملت قتل المدنيين بدوافع عرقية وجرائم اغتصاب، وفقاً للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.
وأعلنت المحكمة الجنائية الدولية أنها تحقق في مزاعم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
المصدر: الجزيرة.




اترك تعليقاً