توصل تحقيق جديد ومعمّق أجرته منظمة العفو الدولية إلى أن الغارة الجوية التي شنتها الولايات المتحدة على مركز احتجاز للمهاجرين في صعدة، شمال غرب اليمن، في 6 جمادى الأولى 1447هـ (28 أبريل 2025م)، وأسفرت عن مقتل وإصابة عشرات المهاجرين الأفارقة، تُعد هجومًا عشوائيًا. ويجب على السلطات الأمريكية التحقيق فيه بشكل عاجل وشفاف بوصفه جريمة حرب.
وقد نفّذت الغارة القوات الأمريكية خلال عملية “روف رايدر”، مسببة أضرارًا كارثية بالمدنيين من المهاجرين الضعفاء، الذين كان العديد منهم محتجزين من قبل سلطات الحوثي الفعلية في المركز لمجرد وضعهم كلاجئين غير نظاميين.
ويستند تقرير “إنه لأمر معجزي أننا نجونا”: الغارة الأمريكية على المدنيين المحتجزين في مركز صعدة، إلى مقابلات مع 15 ناجيًا، جميعهم من المهاجرين الإثيوبيين المحتجزين في صعدة، وتحليل الأدلة الرقمية بما في ذلك الصور الفضائية والصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو. ويقدّم التقرير أدلة دامغة على أن الولايات المتحدة، أثناء تنفيذ هذا الهجوم، أخفقت في الوفاء بالتزامها بموجب القانون الإنساني الدولي في التمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية.
أودت الغارة بحياة وإصابة عشرات المهاجرين المحتجزين في مركز الاحتجاز وقت الهجوم. وتمكّن الناجون الذين تحدثوا إلى منظمة العفو الدولية من التعرف بالاسم والعمر التقريبي على 16 شخصًا – جميعهم من المهاجرين الإثيوبيين، ذكورًا، وغالبيتهم في العشرينات من عمرهم – ممن قُتلوا.
وقد شكّل هذا إخفاقًا قاتلًا من الولايات المتحدة في الوفاء بأحد أبرز التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي.
وقالت كريستين بيكرلي، نائبة المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “تشير الشهادات المؤلمة للناجين إلى صورة واضحة لمبنى مدني مكتظ بالمحتجزين يتعرض للقصف بلا تمييز. وقد كان هذا إخفاقًا قاتلًا من الولايات المتحدة في الوفاء بأحد أبرز التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي: وهو بذل كل ما في وسعها للتحقق مما إذا كان الهدف الذي استهدفته الغارة هدفًا عسكريًا.”
وأضافت: “ينبغي للضحايا وعائلاتهم الحصول على تعويض كامل، بما في ذلك التعويض المالي. ونظرًا لأن الغارة الجوية أسفرت عن مقتل وإصابة مدنيين، يجب على السلطات الأمريكية التحقيق في هذا الهجوم بوصفه جريمة حرب. وعندما تتوافر أدلة كافية، ينبغي للسلطات المختصة محاكمة أي شخص يُشتبه في مسؤوليته الجنائية، بما في ذلك في إطار مبدأ المسؤولية القيادية.”
وقد طلبت منظمة العفو الدولية رسميًا معلومات من القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) والقيادة الأمريكية للعمليات الخاصة المشتركة (JSOC) في 27 أغسطس 2025، موضحة نتائج تحقيقها ومطالبة بتوضيح الهدف العسكري الذي استهدفته الغارة والإجراءات الاحترازية المتخذة. وردت القيادة المركزية الأمريكية بإيجاز في نفس اليوم، قائلة إنها ما تزال “تقيّم جميع التقارير المتعلقة بالأضرار التي لحقت بالمدنيين”، وأنها تأخذ كل هذه التقارير “على محمل الجد” وتراجعها “بتمعن”.
كما طلبت منظمة العفو الدولية معلومات من السلطات الحوثية الفعلية في 11 سبتمبر 2025، حيث شاركت نتائج تحقيقها وطلبت توضيحًا بشأن استخدامات مجمع سجن صعدة ومركز احتجاز المهاجرين، وعدد المحتجزين وقت الهجوم، وظروف احتجازهم، والإجراءات التي اتخذتها السلطات الحوثية، إن وُجدت، للتحقيق في إخفاق حراس السجن في السماح للمحتجزين باللجوء إلى مكان آمن.
وقد قدّمت وزارة العدل وحقوق الإنسان الحوثية ردّين مفصلين في 24 سبتمبر و6 أكتوبر 2025، شملتا معلومات عن عدد المهاجرين المحتجزين في المركز، ونفتا ارتكاب أي مخالفات تتعلق بظروف الاحتجاز، وقدما قائمة بالضحايا.
هجوم جماعي على هدف مدني معروف
وجد تحقيق منظمة العفو الدولية أنه لا يوجد دليل على أن مركز احتجاز المهاجرين كان هدفًا عسكريًا. وأكد الناجون أن المركز كان مساحة مفتوحة، مما مكنهم من رؤية جميع الموجودين في المبنى، والذين كانوا جميعهم من المهاجرين المحتجزين.
وكانت المنشأة، جزء من مجمع سجن صعدة، تُستخدم لسنوات من قبل الحوثيين لاحتجاز المهاجرين، وكان طابعها المدني معروفًا على نطاق واسع، وقد زارتها منظمات إنسانية.
وفي وقت سابق، في 21 يناير 2022، نفّذت قوات التحالف بقيادة السعودية غارة جوية على منشأة احتجاز أخرى ضمن نفس مجمع سجن صعدة. وقد نُفّذ الهجوم عام 2022 باستخدام ذخيرة موجهة دقيقة الصنع أمريكية المنشأ، وأسفر عن مقتل أكثر من 90 محتجزًا وإصابة العشرات، وقد تحققّت منظمة العفو الدولية من هذا الهجوم أيضًا.
في ظل هذا السياق، كان على الولايات المتحدة أن تدرك أن المنشأة كانت هدفًا مدنيًا، وأن أي هجوم جوي قد يؤدي إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى من المدنيين. ووفقًا للقانون الإنساني الدولي، تقع على القوات المهاجمة مسؤولية بذل كل ما في وسعها للتحقق مما إذا كان الهدف المقصود هدفًا عسكريًا، وإذا توافر أي شك في هذا الشأن، فعليها الامتناع عن تنفيذ الهجوم أو إلغاؤه أو تعليقه.
الناجون يعانون من إصابات بالغة، وتشوهات، وصدمات نفسية
أفاد معظم الناجين الخمسة عشر الذين تحدثت إليهم منظمة العفو الدولية أنهم كانوا نائمين عندما سمعوا دوي انفجار قريب، في وقت ما بين الساعة الرابعة والرابعة والنصف صباحًا. ويُرجح أن هذه الغارة كانت هجومًا جويًا أمريكيًا على مبنى آخر ضمن مجمع سجن صعدة، نُفّذ قبل دقائق من ذلك.
وبحسب الصور الفضائية، فقد أصيب مبنى آخر، يبعد نحو 180 مترًا عن مكان احتجاز المهاجرين، ودُمّر في نفس اليوم. وفي ردهم على منظمة العفو الدولية، أفاد الحوثيون أن هذا المبنى كان يخص إدارة السجن.
أفاد الناجون أنهم استيقظوا مرعوبين وهرعوا نحو بوابة مركز الاحتجاز، يصرخون طلبًا للمساعدة ويطرقون البوابة طالبين من حراس السجن السماح لهم بالخروج للبحث عن الأمان. لكن الحراس أطلقوا أعيرة تحذيرية لإبقاء المحتجزين داخل المركز. وبعد دقائق، ضربت غارة جوية أمريكية ثانية مركز احتجاز المهاجرين.
وفي ردها على منظمة العفو الدولية، أفادت السلطات الحوثية الفعلية أن 117 مهاجرًا أفريقيًا كانوا محتجزين وقت الغارة، قُتل منهم 61 وأصيب 56. كما زعموا أنه “لم تُسجَّل أي حالات منع فيها الحراس المحتجزين من الفرار من المنطقة المستهدفة أو البحث عن مكان آمن”، دون أن يوضحوا ما إذا كانوا قد حققوا في هذا الحادث تحديدًا.
وقد تسبب الهجوم الجوي بأضرار جسيمة للمدنيين، مع عواقب مدمرة وطويلة الأمد. من بين 15 ناجيًا أجرت معهم منظمة العفو الدولية مقابلات، أصيب 14 منهم بجروح حرجة لها تأثيرات مستمرة مدى الحياة، شملت فقدان أطراف، أضرارًا عصبية بالغة، وإصابات في الرأس والعمود الفقري والصدر. وجرى بتر ساقَي اثنين من المهاجرين، وبتر يد واحد، وفقد آخر عينه.
ووصف أحد الناجين البالغ من العمر 20 عامًا، هاغوس، الذي فقد ساقه واستعاد وعيه بعد أيام من الهجوم في المستشفى، معاناته قائلاً: “كنت أتمنى لو كنت ميتًا هناك… أنا أستجدي بعض المال من الأصدقاء للحصول على العلاج والأدوية.”
أما الناجي الآخر، ديستا، فقد تعرّض لإصابة في الرأس وفقد إحدى عينيه، وقد أصابه صدمة نفسية شديدة منعته من الكلام لمدة 20 يومًا، وقال: “كان الهجوم مريعًا حقًا، قتل الكثير من الناس، وجعلنا معاقين وترك آخرين في صدمة ورعب.”
وخلال المقابلات، بعد نحو شهرين من الغارة الأمريكية، أفاد 10 من الناجين أنهم ما زالوا بحاجة إلى نوع من العلاج الطبي، بما في ذلك جراحات متابعة وأدوية. وأضافوا أنهم، رغم وضعهم الاقتصادي الصعب، كانوا يتحملون تكلفة هذا العلاج بأنفسهم أو بدعم من عائلاتهم التي تعاني أيضًا من ضائقة مالية في بلادهم.
*تم تغيير أسماء الناجين لأسباب أمنية.
Amnesty.




اترك تعليقاً