حين كنت صغيرة، بالكاد أستشعر معنى العزة والكرامة لصغر سني، رأيت ذاك المشهد الذي أضرم نارا في قلبي لم تنطفئ إلى الآن، ذاك النجس من المغضوب عليهم يصفع أخي على وجهه، يركله بقدمه يوقعه على الأرض، ثم يضع قدمه القذرة على وجهه، مشهد لا يفارق العقل من يومها، أراه بوضوح في عقلي، وكلما استذكرته ازدادت النار تأججا وشعرت أن كرامتي مهانة، فهذا أخي الذي تجرأ عليه أسافل الخلق وأرازلهم، كرامته وعزته هي كرامتي وعزتي!
هذه مشاعر تلك الطفلة لم تنفك أبدا عن وجداني.
فكيف بي وأنا كبيرة عاقلة، رأيت أختي يدنسها ذاك النصيري اللعين، ورأيت أخي يحرق حيا، ورأيت الصغار يذبحون بدم بارد، ورأيت أهوالا وأهوالا، كيف لك أن تحاول إقناعي ألا أفرح وألا اتشفى بهم!
لماذا يصر البعض على أن من لم يكن مع هذا الطرف كان مع الطرف الآخر!
لماذا لا تفهمون أن هذا وذاك إنما هما أعدى أعدائي، أفرح لأي أذى يصيبهم ولو كان بسيطا، ليست هذه فرحة العاجز كما تظنون، بل فرحة من تم تعجيزه قصرا لقرون وعقود، بيد هذا أو ذاك أو حلفائهم أو وكلائهما!
تتشدقون بالسياسة وأنها تقتضي أن نزن الأمور ونحزن على طرف نكاية في الآخر!
فلتذهبوا أنتم وسياستكم للجحيم، فما هذا إلا مزيد ذل وصغار وقهر أشربتموه حتى فاض من حججكم البلهاء، فلا يمكنكم أبدا التفكير بعيدا عن دور التابع الذليل، الذي لن يكنه أي حر أبِيّ يوما.
اترك تعليقاً