العمل القسري للأويغور خلف صادرات الصين من الأسماك

Uyghur workers Sanko Douyin Outlaw Ocean Project.f27a7f

في صباح غائم من 1444هـ (أبريل عام 2023م)، اصطف أكثر من ثمانين رجلًا وامرأة، يرتدون معاطف ريحية حمراء متشابهة، في صفوف منتظمة أمام محطة القطار في تركستان الشرقية، الإقليم المغلق والمقهور في أقصى الغرب الصيني. كانوا من الأويغور، إحدى أكبر الأقليات العرقية في الصين. وقفوا بحقائبهم عند أقدامهم، يرقبون مراسم وداع أقامتها لهم السلطات المحلية. ويُظهر مقطع مصوَّر من المناسبة امرأة بزي تقليدي تدور راقصة على خشبة المسرح، فيما يمتد لافتة كُتب عليها: “تعزيز التوظيف الجماعي وبناء الانسجام المجتمعي”. وفي ختام الفيديو، يكشف مشهد جوي التُقط بطائرة مسيّرة عن قطارات تنتظر لنقل الأويغور بعيدًا.

كان ذلك الحدث جزءًا من برنامج واسع لنقل اليد العاملة تشرف عليه الدولة الصينية، حيث يُجبر الأويغور على العمل في صناعات متفرقة عبر أنحاء البلاد. ويكمن أحد أهداف هذا البرنامج في إخضاع شعب عُرف تاريخيًا بروحه المقاومة؛ إذ قام الانفصاليون الأويغور بانتفاضات خلال تسعينيات القرن الماضي، كما نفذوا تفجيرات استهدفت مراكز للشرطة في عامي 1429-1435هـ (2008 و2014م). وقد شرعت الصين في عمليات النقل العمالي مطلع الألفية الجديدة ضمن منظومة قمع شاملة شملت الاعتقالات الجماعية، وإقامة معسكرات “إعادة التأهيل” التي تعرض فيها الأويغور للتعذيب والضرب والتعقيم القسري. وقد وصف باحثون هذه الممارسات بأنها شكل من أشكال الإبادة الجماعية ضد الأويغور وسائر المسلمين التركستانيين.

ويعمل كثير من هؤلاء العمال المنقولين في مصانع معالجة المأكولات البحرية التي تُصدَّر لاحقًا إلى أكثر من عشرين دولة، من بينها الولايات المتحدة وكندا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، وفقًا لتحقيق نُشر في الحلقة الثامنة من الموسم الثاني لبودكاست Outlaw Ocean.

تأتي هذه الكشوفات عن استخدام الصين للعمل القسري برعاية الدولة في إنتاج المأكولات البحرية في وقتٍ تصاعدت فيه حدة التوتر بين الولايات المتحدة والصين بفعل الحرب التجارية الدائرة بينهما، الأمر الذي أعاد تسليط الأضواء على “قانون حماية الأويغور من العمل القسري” في الولايات المتحدة، وهو تشريع يحظر استيراد السلع المنتَجة في تركستان الشرقية، ويتوقع أن تستخدمه إدارة ترامب كأداة ضغط أشد صرامة في مساعيها لتكثيف الضغط على بكين.

وفي 17 جُمادى الأولى 1446هـ (19 نوفمبر 2024م)، أقرّ الاتحاد الأوروبي لائحته الخاصة بالعمل القسري، والتي تحظر دخول “المنتجات المصنوعة باستخدام العمل القسري” إلى دوله الأعضاء. ومن المرجّح أن يزيد هذا التشريع من إلحاح الحاجة أمام الشركات والفاعلين في الأسواق، في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، للتثبت مما إذا كانت الواردات الداخلة إلى بلدانهم مرتبطة بالعمل القسري، مثلما كشفه هذا التحقيق.

أظهر استعراض لنشرات داخلية للشركات، وتقارير إخبارية محلية، وبيانات تجارية، وصور أقمار صناعية، أنّ عشر شركات كبرى للمأكولات البحرية في إقليم شاندونغ الشرقي، الذي يُعد المركز الأهم للصيد ومعالجة الأسماك في الصين، قد استقبلت منذ عام 1439هـ (2018م) ما لا يقل عن ألف من الأويغور وأقليات مسلمة أخرى عبر برامج النقل القسري للعمالة من تركستان الشرقية.

وفي بعض الأحيان جاءت هذه التحويلات استجابةً لاحتياجات سوق العمل. فعلى سبيل المثال، في 1441هـ (مارس 2020م) نشرت مجموعة “تشيشان”، وهي من أضخم شركات صيد ومعالجة المأكولات البحرية في الصين، نشرة داخلية تحدّثت فيها عن “الضغط الإنتاجي الهائل” الذي سبّبته الجائحة. وفي أكتوبر من العام نفسه، عقد مسؤولون حزبيون من فرع مكافحة الإرهاب التابع لمكتب الأمن العام الصيني، إلى جانب مسؤولين من مكتب الموارد البشرية والضمان الاجتماعي المشرف على عمليات نقل العمالة، اجتماعين مع مديري الشركة لمناقشة سبل تزويدها بيد عاملة إضافية، وفقًا لما ورد في نشرات الشركة الداخلية.

بعد فترة وجيزة، وافقت مجموعة “تشيشان” على تسريع عمليات النقل إلى مصانعها. وقال وانغ شانكيانغ، نائب المدير العام في المجموعة، في نشرة داخلية للشركة: “تتطلع الشركة إلى وصول العمال المهاجرين من تركستان الشرقية قريبًا”. ولم ترد مجموعة “تشيشان” على طلبات التعليق.

ولم تكن مجموعة “تشيشان” حالة فريدة؛ إذ ارتبطت العديد من شركات المأكولات البحرية بمجموعة واسعة من المشاكل المماثلة المتعلقة بالعمل القسري. وتكمن خطورة هذه الظاهرة في أنّ صناعة المأكولات البحرية العالمية ستضطر على الأرجح إلى إعادة تقييم طرق مراقبة سلاسل توريدها، خصوصًا عندما تمر هذه السلاسل عبر الصين.

وللكشف عن العمل القسري، تعتمد الشركات عادة على مؤسسات خاصة تجري “تدقيقات اجتماعية”، حيث يزور المفتشون المصانع للتحقق من امتثالها للمعايير العمالية الدولية. لكن هذه التدقيقات غالبًا ما تُعلن مسبقًا، مما يتيح للإدارات إخفاء العمال من الأقليات خلال عمليات التفتيش. وحتى عندما يُجرى مقابلات مع العمال، غالبًا ما يكونون مترددين في الإدلاء بالمعلومات.

في 1443هـ (مايو 2022م)، قام مفتشون اجتماعيون من شركة SGS، إحدى أبرز شركات التدقيق، بجولة في مصنع “هايبُو” لمعالجة المأكولات البحرية في شاندونغ، ولم يعثروا على أي دليل يثبت وجود عمل قسري. لكن فريقًا من الصحفيين الاستقصائيين كشف أنّ أكثر من 170 شخصًا من تركستان الشرقية عملوا في “هايبُو” عام 1442هـ (2021م)، وأن نصف دستة من العمال الأويغور كانوا ينشرون بانتظام على وسائل التواصل الاجتماعي من المصنع طوال عام 1443هـ (2022م). وفي اليوم نفسه الذي قام فيه المفتشون بالجولة، نشرت عاملة شابة من الأويغور صورًا لنفسها بالقرب من مساكن المصنع ومناطق التحميل.

ولم يكن هذا الحدث حالة منفردة؛ إذ اكتشف الصحفيون خلال التحقيق حالات أخرى لأويغور نشروا صورًا لأنفسهم في المصانع خلال أيام قليلة من إتمام عمليات التدقيق الاجتماعي فيها. كما تبين أنّ نصف المصدرين الصينيين الذين تم تحديد ارتباطهم بعمالة الأويغور قد اجتازوا التدقيقات التي أجرتها شركات التفتيش العالمية الرائدة.

The maritime executive

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا