الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالقانون: تحديات أخلاقية وتشريعية

Artificial Intelligence and the Rule of Law external event

الاندفاعة التقنية وتخبط القانون

مع اندفاعة الذكاء الاصطناعي في شرايين الحياة المعاصرة، يجد القانون نفسه كالملاح الفاقد بوصلة في محيطٍ هائج. لقد حملت تقنيات مثل التعلم الآلي والرؤية الحاسوبية والروبوتات الذكية فوائد صحية واقتصادية ضخمة، لكنها جلبت معها أيضاً ثقل تساؤلات قانونية وأخلاقية غير مسبوقة. إنّ قوانيننا الحالية صُمِّمت في حقبة لم تكن فيها الخوارزميات تتخذ القرارات ذاتياً أو تتفاعل بالذكريات الضخمة مع عالمنا الرقمي، مما يجعلها في مواجهة مباشرة مع واقع لا يشبه ماضيها.

التجربة الأوروبية: أول تشريع موحّد

في عام 1445هـ (2024م)، اتخذ برلمان الاتحاد الأوروبي خطوة تاريخية بإقرار أول قانون موحد للذكاء الاصطناعي في العالم، والذي دخل حيز التنفيذ في أغسطس من العام نفسه. هذا القانون يصنف التطبيقات حسب درجة خطورتها، بدءاً من التطبيقات المقبولة إلى تلك المحظورة بالكامل، كالتعرف البيومتري في الأماكن العامة أو أنظمة التصنيف الاجتماعي. سيبدأ تنفيذ أغلب ملاحقه بحلول 2026، ويُعد هذا الإطار نموذجاً حاولت فيه أوروبا التوازن بين الابتكار والحقوق الأساسية.

مقاربات متباينة حول العالم

في الصين، ظهرت أول تدابير تنظيمية عام 2023 للذكاء الاصطناعي التوليدي، وركّزت على مراقبة المحتوى المُنتج لضمان عدم الإضرار بالقيم أو الأمن الرقمي. أما في الولايات المتحدة، فما زال الكونغرس متردداً في إقرار قانون شامل، بينما تتخذ بعض الولايات قرارات جزئية؛ من قوانين مكافحة التحيز الخوارزمي إلى حظر استنساخ الصوت بدون إذن. في المقابل، اختارت بريطانيا منهج “المبادئ التوجيهية” بدل التشريعات الصارمة، خوفاً من خنق الابتكار في مراحله المبكرة.

سؤال المسؤولية القانونية

تُطرح معضلة محورية في القانون: من المسؤول عند ارتكاب الذكاء الاصطناعي لخطأ؟ في حال وقوع حادث بسبب سيارة ذاتية القيادة، هل نُحمّل المطور أم الشركة أم الخوارزمية ذاتها؟ في الأنظمة القانونية الحالية، تُعامل الآلات كـ”ممتلكات”، وبالتالي تقع المسؤولية على مستخدمها أو مطورها. لكن، مع تعقيد القرارات التي تتخذها هذه الأنظمة، يصعب أحياناً تحديد “الرابط السببي” بين الفعل والمُساءَل، مما يفتح باب النقاش حول مسؤولية جديدة قد تتطلب آليات قانونية مختلفة.

الخصوصية بين التهديدات والتنظيمات

الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل حدود الخصوصية. أنظمة الذكاء التوليدي مثل روبوتات المحادثة تجمع كميات هائلة من البيانات الشخصية، غالباً دون علم المستخدم. يرى باحثون من جامعة ستانفورد أن هذه الأنظمة تخلق نموذج مراقبة رقمية يصعب الهروب منه. وقد دفعت هذه التهديدات بعض الحكومات لتحديث تشريعات الخصوصية مثل اللائحة الأوروبية GDPR، في محاولة لفرض الشفافية والتحكم على الذكاء الاصطناعي من حيث جمع البيانات ومعالجتها.

التمييز والتحيّز الخوارزمي

من التحديات الأخلاقية التي ترافق الذكاء الاصطناعي هو إنتاج قرارات منحازة ضد فئات معينة، سواءً بسبب العرق أو النوع أو الخلفية الاجتماعية. وهذا ينبع من البيانات المستخدمة لتدريب الخوارزميات، التي قد تحمل تحيزات بشرية غير ظاهرة. قوانين قليلة فقط تعالج هذه الإشكالية بوضوح، مما يترك الأفراد والمجتمعات عرضة لتأثيرات غير عادلة.

نحو شخصية قانونية للذكاء الاصطناعي؟

أحد أكثر المواضيع إثارة للجدل هو إمكانية منح الذكاء الاصطناعي “شخصية قانونية” تشبه الكيانات الاعتبارية كالمنظمات. البعض يرى أن ذلك قد يساعد في تنظيم العلاقة القانونية، لكن كثيرين يعارضون هذه الفكرة نظراً لغياب الإرادة الأخلاقية أو الوعي الحقيقي لدى الآلات. ولهذا، يظل الاتجاه الأقوى حالياً هو تحميل المسؤولية للمطورين أو الشركات المالكة، على الأقل حتى تظهر بوادر وعي أخلاقي في هذه الأنظمة.

مخاطر غياب التشريعات العادلة

إذا استمر غياب التنظيم القانوني الشامل، فقد يؤدي ذلك إلى آثار اجتماعية وسياسية كارثية. من أنظمة توظيف تعتمد خوارزميات منحازة، إلى حكومات تستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي للمراقبة أو التمييز، سيصبح من الصعب ضمان العدالة والحقوق. الحل يكمن في تحقيق توازن تشريعي بين الابتكار والحماية، عبر اتفاقيات دولية وتشريعات محلية مرنة وفعالة.

المصادر

الشخصية الاعتبارية للذكاء الاصطناعي بين الاعتراف والإنكار

EU AI Act: first regulation on artificial intelligence | Topics | European Parliament

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا