(تنبيه: كل ما يُقدم في جانب القرآن الكريم والسنة وعلاقة الذكاء الاصطناعي به هو من باب المساعدة وليس الاعتماد الكلي عليه).
لطالما كانت الحكمة ضالة المؤمن فأينما يجدها فهو أحق الناس بها، والشهر الكريم يحلُ بأيامٍ معدوداتٍ، وعلينا أن نستغل كل لحظاته ونعد أنفاسنا فيه عداً، ولطالما كانت الأعمال بالنيات، فكان حقاً علينا أن نعدد نوايانا، والله الغني المعطي علي جميعها، ولنستعن بما أمده الله لنا من أيامٍ وأدوات لنتقرب إليه، والقرب له حياة، ولا قرب أزكى من قرب رمضان، حيث القرآن والذكر والتراويح والاجتماعات والأهل، ومن هنا نسير سوياً كيف نوظف أدوات موجة الذكاء الاصطناعي في خدمتنا وتعدد أعمالنا في الشهر الفضيل، وليكن هذا الشهر شهر الأعمال، على جانب العبادات والمعاملات، نستبق الخطى نحو طرح جديدٍ يمس جوانب حياتنا، وكيف نفتح أفاقاً جديدة مع موجة الذكاء الاصطناعي الحالية ونتمكن من تثبيتها في حياتنا بعد شهر رمضان.
قد يتوهم البعض أن هذه الأدوات حكر على جوانب الماديات والأعمال الدنيوية، ولا شأن لها بالدين، لكننا اليوم نأخذ الطرف الواصل بينها وبين ديننا الحنيف، شأن هذه الأدوات كشأن باقي الأدوات، والتي هي وسائل للتقرب لله. سنرى كيف نستطيع ترسيخ فكرة التقرب لله بكل شيء، وحتى بالذكاء الأصطناعي، نتحرك بخفة وذكاء بين هذه القوى التي تعزز أعمالنا في الدين والدنيا، من التعليم والمساعدة في التذكير، وفي القرآن سواء التلاوة والحفظ وغيرها من الأعمال الصالحة.
القرآن الكريم والسنة

- التلاوة والحفظ
شهر رمضان هو شهر الكتاب الحكيم، ندعو بأن يمن الله علينا بقراءته ليل نهار؛ لعظم الأجر، لكن قد يمنع البعض منا عدم وجود تالٍ يساعده، مصحح، رفيق، أو ربما شيخ، وقد تكون الصحبة الصالحة خير دليل، ولكن في حال غياب الرفيق هل يقف بنا الحال، وينتهي بنا المآل بأن نترك أوقات عظيمة في تلاوة القرآن في لحظات رمضان النفيسة، ربما لم نسمع بدخول مجال مثل الذكاء الاصطناعي في جانب التلاوة والحفظ، لكن بالفعل هناك تطبيقات تقوم بما يفعل الشيخ الذي تقرأ – بما يؤدي الغرض – هذه التطبيقات تُسمّع عليها ما تقرأ سواء الحفظ أو التلاوة وهو يصحح لك، هذا يساعدك في السير قدماً نحو وردك في نهار رمضان وليله، تقوم هذه التطبيقات بأخذ صوتك، وتوقفك إن كان هناك خطأ، ولا تُظهر الآيات إلا بعد أن تنتهي من قرأتها.

يمكنكم تجربة تطبيق ترتيل هذا التطبيق يعرض لك أرقام الآيات دون محتواها، وما تقوله يظهر مكان المحتوى، يتتبع أخطائك، ويعرضها لك في شكل تقرير؛ لتعرف موضع الحفظ الجيد والجزء المنسي من الورد، ويقوم بتصحيح الأخطاء؛ لتعرف ما الذي يجب قوله، مع تتبع لنشاطك، ولذلك يمكنك أن تعرف نشاطك القرآني خلال الشهر الفاضل.
- التفسير
ربما يصادفك غريبٌ من غريب القرآن لا تعرف معناه، أو ربما لا تعرف معني ومضمون أية كريمة، يساعدك الذكاء الاصطناعي من خلال تقنيات البحث العميق في الوصول لمواقع التفسير، وقد تستعين به في تفسير بعض الآيات – ولكن الأفضل أن تتأكد من إجاباته -.
هذا أيضاً بجانب تطبيقات القرآن التي تعتمد على طرح السور بصوت مشايخ عدة، يمكنك الاستماع ثم الانتقال للقراءة.
- الحديث
تحتاج بعض كتاب الحديث شرح للمعني، ومن هنا قد يساعدك برامج الذكاء الاصطناعي في معرفة معني الكلمات الغريبة، قد يساعدك في إعداد برنامج كامل طول الشهر الفاضل بأن يقترح عليك موضوع لكل يوم ويقترح عليك الاستشهاد بحديث مناسب للموضوع، قد تُعّد هذا البرنامج بالكامل في وقت قصير لأهل بيتك، أطفال العائلة، وربما لحلقات التدريس والتزكية.
الأمر الأخر قد يساعدك في تلخيص كتب لشرح الأحاديث أو عمل ملخصات؛ لمساعدة رفاق الحلقات ودور العلم؛ في الحصول على كم أكبر وفهمه جيداً من خلال التبسيط التام والشرح الوافي، وقد يساعدك في الزيادة للمنفعة وغيرها.
أوقات الذكر والتنبيه
يقدم الذكاء الاصطناعي تجربة استثنائية لقضاء يوم رمضاني منظم في الذكر والاذكار، يتطلب منك شرح أوقات يومك وسوف يقوم الذكاء الاصطناعي بعمل هذه المهمة وتذكيرك بها في الوقت المناسب، يمكنك استخدام ChatGPT With Tasks هذا النموذج يقوم بتذكيرك بأوقات مثل أذكار الصباح والمساء والنوم، وقد تستخدمه أيضاً لعمل ملخص لأخبار الساعة – إن كنت من متابعي الأخبار -؛ حتى تحفظ الوقت التي تقضيه في متابعة الصحف، أيضاً هذا الأمر يحفظ عليك عينك من النظر لشيء كذا أو كذا مما يعرض كإعلانات في المواقع والصحف، قد ينقص من صيامك وأجرك، هذا النموذج قد يتعاون من نماذج أخرى يوفروا عليك البحث والوقت المفقود فيه، فنماذج الذكاء الاصطناعي أصبحت اليوم أعمق بحثاً. ويمكن استخدامه في تذكيرك بذكر معين كل يوم ومعه فائدة؛ كنوع من أنواع التشجيع وزيادة الذكر فيه.
﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾
قد يقول قائل بأن رمضان لم تعد له أجواء مثل أيام الصبا والماضي الجميل، لكن الاستقبال لهذا الشهر بمثابة تعظيم لشعائر الله وعليه من الأجر والثواب العظيم، ولذلك أصبحت نماذج السببية Reasoning من الذكاء الاصطناعي تقدم لك مجموعات من الأفكار، يساعد على ذلك النماذج التي تدعم ميزة التفكير Thinking في تقديم أفكار تساعدك على استقبال الشهر الفاضل بروح وهمة عاليتين. كل ما يأمله منك النموذج هو وصف لما يدور في خلايا عقلك، وقد تبث له حزنك على أيامٍ مضت ويساعدك في تجاوز هذا الشعور، والتكملة بمشاعر وروحانيات عالية في كرم ضيفنا القادم مع ما أحدثته التكنولوجيا من كل جديد.
تجميل أماكنا
كلنا نعرف بأن الحق سبحانه وتعالى جميل يحب الجمال، ومن هذا القبيل نجمل أنفسنا وأماكننا وكل ما يخصنا لله وحده، وهنا يمكننا توظيف النماذج التي تتعامل مع المرئيات كالصور والفيديوهات في عدة نقاط:
- ربما تطرح علينا بعض الأفكار في تزين الشوارع والبيوت؛ لإستقبال الشهر الكريم، وسط زخم من البهجة والسرور فيمن حولنا من الأهل والأطفال.
- يقوم بإنتاج الصور المبهجة بأشكال وألوان مختلفة وتوزيعها على أطفال المسلمين كنوع من إدخال السرور على مسلم.
- ربما البعض يوظفه في صناعة الصور ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ويرفقها بخاطرةٍ حسنة أو موعظةٍ طيبة.
- الشكل الذي يساعدنا بشكل كبير في إسعاد من حولنا وبخاصة الأطفال هو ما يجعلهم يحبوا الشهر الكريم، كالمشاهد التي تحمل معالم ومظاهر رمضانيات الموسم، ومن هذا النسق يكمن استخدام نماذج توليد الفيديوهات في انتاج مقاطع – صعبة الحصول عليها بدون الذكاء الاصطناعي – تحمل في طياتها مناظر مبهجة، مع رسوم لمعالم رمضا كالمسجد والمسبحة والفانوس وغيرها، يمكن عمل جدولة لأحد هذه الأشياء.

لا شك أن الأخوّة تزداد حلاوة ونضارة في هذا الشهر الكريم، ولهذا فإن تهنئة المسلمين هو من باب الكلام الطيب وشد العضد والحب، فلما لا نستخدم الذكاء الاصطناعي في مساعدتنا في عمل برقيات جميلة، ننشرها على منصاتنا ونرسلها للأهل والعائلة، كل يوم ببرقية جديدة بكلمة طيبة، والله من وراء القصد.
الصحة والتغذية
الصحةُ هي الركيزة الخفية لصومٍ مثمر، والذكاء الاصطناعي يلعب دور “الرفيق الطبي” الذي يراقب ويُوجِّه. فمن خلال الساعات وتطبيقات التغذية، يُمكن تتبع مؤشرات مثل مستوى الجفاف أو نقص السكر، وإرسال نصائحَ فوريةٍ كشرب الماء تدريجيًا عند الإفطار أو تعديل نوعية الطعام. كما ظهرت تطبيقاتٌ تُقدِّم تمارينَ رياضيةً خفيفةً مُخصصة للصائمين، مع ضبط شدّتها تلقائيًا حسب العمر والحالة الصحية. بجانب تقديم اقتراحات لأغذية تحتوي على ما يجب تناوله لأصحاب أمراض معينة أو غيره.
المطبخ والطعام
ولا ننسى دور أمهاتنا الُفضليات في عمل المطبخ وإعداد الطعام، وقد ينتاب البعض منهن – أو الكثير – بالحيرة في اختيار وجبة مخصصة لكل يوم في الإفطار، وكذلك وجبة السحور، ولذلك يفتح الذكاء الاصطناعي ذراعيه كطاهٍ ماهر حذق بكل فنون الطعام وأصنافه، وليكن الذكاء الاصطناعي هو المساعد الأول لأمهاتنا في الوجبات الستين الاستثنائية، يمكنه تقديم تقارير كاملة عن القيم الغذائية للأطعمة ومنها اختيار الوجبة المناسبة، يقترح عليهن أسماء وجبات سواء على الشكل العالمي كالأطعمة الأكثر تناولاً، أو عن طريق تحديد المكان؛ لتحديد وجبات في نطاق معين، وهو يتولى أمر البحث والترتيب، بل الأفضل من ذلك يمكن لأمهاتنا أن تفاجئنا على موائد الشهر الكريم بوجبات هي من فكر وإعداد الذكاء الاصطناعي خلف الستار، من مكونات إلى طريقة طهى إلى جميع تكتيكات الطهاة المهرة، ربما نرى ذات يوم مقلوبة فلسطينية، تنفيذ إحدى الغزاويات، والباقي صُنع رقمياً !
وعلى جانب الاقتصاد المنزلي والتسوق، يمكن للأمهات أن تستخدمه في التوعية بالمقادير المناسبة للأصناف والكميات بناء على عدد أفراد الأسرة وأعمارهم؛ فإن تقنيات مثل “ القوائم الذكية“ تُحلِّل عادات الإنفاق وتُنبّه بتفادي الهدر. وليكن هذا أول رمضان يكون رمضان عبادة بحق، مع القدر الكافي من الأطعمة، ولنتوجه لتغير ثقافة العزومات باهظة الثمن والأكل الفائض، والذي يمكننا أن نستخدم هذا الطعام أو المال في إفطار الصائمين أو مساعدة المحتاجين.
أطفالنا والسن المبكر
ولا نهمل جانب الأطفال، فقد كان الصحابة يدربون أطفالهم على الصيام من سن مبكرة، والآن يمكن أن نُشغِل أطفالنا في الساعات القليلة قبل المغرب، بتوجيه الذكاء الاصطناعي الصوتي بالحديث معهم عن فضل الصيام بشكل مبسط وجميل، وللأطفال طبيعة الانبهار بهذا السحر اللطيف، مما يجعلهم يتركون أمر تعب الصيام جانباً.
العمل والاجتماعات
مما رأينا وطل علينا مؤخراً، ظهور نماذج تنظم الوقت حسب اليوم الإسلامي، والمقصود هنا هو تنظيم الوقت بألاّ تتضارب أوقات الصلاة مع أوقات العمل، فالنموذج يضع أوقات العمل والاجتماعات بين الصلوات الخمس، يحددها بناء على تفعيلك للموقع الجغرافي؛ لمعرفة الوقت الفعلي للصلاة، وقد نربط هذا بذكر معين أو يذكرك بمعاد صدقة أو إفطار صائم، ويمكن أن ندخل تحت هذه المظلة مواعيد الصلوات وأوقات الإفطار والسحور، والساعات المهمة بالنسبة لنا.
النوم
النوم في رمضان يُعدُّ تحديًا كبيرًا للكثيرين، خاصةً مع تغيُّر الروتين اليومي بسبب السحور والتراويح والسهرات الاجتماعية. هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي كحليفٍ ذكي يُساعد الصائمين على تحقيق توازنٍ مثالي بين العبادة والراحة الجسدية. يُمكن للذكاء الاصطناعي تقديم نصائحَ غذائيةٍ وسلوكيةٍ لتحسين النوم، مثل تجنب الكافيين في الساعات المتأخرة أو ممارسة تمارين الاسترخاء قبل النوم. هذه النصائح تُساعد الصائمين على تجنب الأرق وتحقيق راحةٍ مثاليةٍ تُمكّنهم من أداء العبادات بنشاطٍ وتركيز.
بعض التطبيقات تتبع فترات النوم وتعطي تعليمات على التحسين دوماً، تعمل عن طريق فترات زمنية معينة تقوم بتحديدها بما يتناسب مع نظامك، أيضاً تعطيك إرشادات حول غلق جميع التطبيقات؛ لتحظى بجرعة جيدة يومياً من النوم.
خاتمة
في ختام هذا المقال، ندرك أن شهر رمضان المبارك هو فرصةٌ عظيمةٌ للتقرّب إلى الله تعالى، وأن الأدوات التي وهبنا الله إياها، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تكون وسيلةً فعّالةً لتعزيز عباداتنا وأعمالنا الصالحة في هذا الشهر الفضيل. لقد استعرضنا كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعيننا على تلاوة القرآن الكريم وحفظه، وفهم معانيه وتفسيره، وتنظيم أوقات الذكر والعبادات، وتحسين صحتنا وتغذيتنا، بل وحتى إدخال السرور على أطفالنا وتنظيم اجتماعاتنا وأعمالنا. إن استخدام هذه التقنيات الحديثة بنيّةٍ خالصةٍ لله، وبحكمةٍ وتوازن، يفتح لنا آفاقًا جديدةً في التقرّب إليه، ويعيننا على اغتنام كل لحظةٍ من لحظات هذا الشهر الكريم.
ولكن يبقى الأساس هو النية الصادقة والعمل المتواصل، فكما أن الأعمال بالنيات، فإن توظيفنا للذكاء الاصطناعي يجب أن يكون مدفوعًا برغبةٍ صادقةٍ في تحقيق مرضاة الله. وإذا ما استطعنا استغلال هذه الأدوات بحكمةٍ في رمضان، فإننا قادرون على جعلها جزءًا من حياتنا اليومية بعد انتهاء الشهر الفضيل، لتظلّ وسيلةً للخير والطاعة على مدار العام.
نسأل الله تعالى أن يجعل هذا الشهر الكريم شهرَ خيرٍ وبركةٍ، وأن يعيننا على اغتنام أيامه ولياليه في ما يُرضيه، وأن يتقبّل منا صيامنا وقيامنا وجميع أعمالنا. وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اترك تعليقاً