الاجتياحات العسكرية “الإسرائيلية” المتواصلة في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية أدّت إلى تهجير آلاف المدنيين، تاركةً إياهم في أوضاع إنسانية مأساوية وسط شتاء قاسٍ.
أُجبر عادل سليم على مغادرة منزله في مخيم جنين برفقة أسرته المكوّنة من ثمانية أفراد في الأيام الأولى من الغزو “الإسرائيلي”، الذي استمر لأكثر من عشرين يوماً حتى الآن.
وقد طال هذا التهجير المؤلم أكثر من 90% من سكان المخيم، وفقاً لمصادر فلسطينية رسمية، مما جعل المُهجّرين يكابدون ظروفاً إنسانية قاهرة.
ويأتي هذا العدوان “الإسرائيلي” المتواصل على مخيمات شمال الضفة الغربية في أعقاب تصريحات رسمية تزعم استهداف معاقل المقاومة وتعزيز القبضة الأمنية.
إلا أن الفلسطينيين يرون أن الهدف الحقيقي يكمن في تهجيرهم قسراً وتسريع وتيرة ضم الضفة الغربية.
شتاء قاسٍ وظروف مأساوية
منذ تهجيره نتيجة الاجتياح العسكري “الإسرائيلي” الوحشي، يكافح عادل لحماية عائلته التي تضم ستة أطفال، شأنه شأن آلاف الأسر التي تواجه صعوبات حياتية جسيمة.
وقال في تصريح لصحيفة كرونيكل فلسطين إن من بين 17,000 مُهجّر، لا يزال 15,000 يعانون من نقص حاد في الخدمات الأساسية، وعلى رأسها التدفئة، في ظل موجة صقيع شديدة تجتاح المنطقة.
وأضاف: “غادر المُهجّرون منازلهم دون أن يتمكنوا من أخذ أي شيء بسبب الانتشار العسكري الكثيف وأوامر الإخلاء الفورية. إنهم يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة، لا سيّما الأطفال.”
تشكّلت لجان طوارئ لتقديم المساعدات، إلا أن حجم الاحتياجات يفوق بكثير الإمكانات المتوفّرة. إذ تعاني أكثر من 3,300 أسرة من نقص حاد في المياه والكهرباء ووسائل التدفئة والبطانيات والمواد الغذائية.
وعلى وقع هذا العجز، يعيش المُهجّرون من مخيم جنين في حالة خوف دائم، مع استمرار القصف وعمليات الهدم.
قال عادل: “نسمع دويّ الانفجارات ونشاهد أعمدة الدخان تتصاعد من المنازل المحترقة، لكننا لا نعلم أي البيوت قد دُمّرت. هذا الغموض يغمرنا بقلقٍ شديد.” تعرّض منزله للتخريب والتدمير، حيث حُطّمت أبوابه ونوافذه، ودُمّر البئر المجاور له، في مشهد يتكرّر في مئات المنازل المنتشرة في أرجاء المخيم.
مأساة تتكرّر
تحوّل مخيم طولكرم للاجئين إلى هدف جديد لجيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي اجتاح المنطقة قبل أكثر من ثلاثة أسابيع، ما أجبر أكثر من ثلثي السكان على الفرار.
وصفت سندس علي، إحدى سكان المخيم، كيف فرض الجنود “الإسرائيليون” ظروفاً لا تُحتمل، أدّت إلى تهجير نحو 85% من السكان، أي ما يقارب 10,000 شخص، في سابقة لم تحدث منذ لجوء عائلاتهم إليه بعد نكبة عام 1367ه (1948م).
وعلى النهج ذاته، أقدمت قوات الاحتلال على تخريب الطرقات والبنية التحتية، وقطعت المياه والكهرباء، وهدمت أو أحرقت عشرات المنازل بذريعة البحث عن مقاومين.
قالت سندس: “حدث التهجير تحت تهديد السلاح خلال اجتياح غير مسبوق في شدّته. ومنذ بدء الغزو، استُشهد خمسة فلسطينيين، ودُفنوا دون مراسم جنائزية أو تجمعات عامة، تحت قيود مشدّدة فرضها الجيش الإسرائيلي.”
خلال الاقتحام، تم احتجاز عائلات بأكملها داخل منازلها التي حوّلتها قوات الاحتلال إلى مواقع عسكرية لعدة أيام. قُطعت وسائل الاتصال والخدمات الأساسية، مما جعل السكان يواجهون ظروفاً مرعبة.
أعلن جيش الاحتلال “الإسرائيلي” مؤخراً عن توسيع عدوانه ليشمل مخيم نور شمس المجاور لطولكرم. وخلال ساعات من الهجوم، أقدم الجنود “الإسرائيليون” على قتل امرأة حامل وجنينها، وأصابوا زوجها بجروح خطيرة أثناء محاولتهما الفرار.
وفي اعتداء دموي آخر، أطلق الجنود النار على فتاة، فأردوها قتيلة وأصابوا والدها بجروح، بعد تفجير باب منزلهما في مخيم نور شمس. وفي الوقت نفسه، يستمر حصار المستشفى الحكومي الرئيسي في طولكرم لأكثر من أسبوعين.
تشديد الحصار
يتعرض مخيم الفارعة، الواقع في مدينة طوباس، لاقتحام واسع النطاق من قبل قوات الاحتلال منذ أكثر من عشرة أيام، حيث شنّ الجنود حملات مداهمة للمنازل، واعتداءات على الممتلكات، وعمليات اعتقال جماعية، واستجوابات ميدانية.
قال عمر منصور، الناشط من المخيم: “لقد أُجبر ما لا يقل عن 30% من السكان على مغادرة منازلهم تحت تهديد الاحتلال.” وأضاف: “لقد طُردوا تحت تهديد السلاح، في محاولة متعمّدة لبثّ الرعب في نفوسهم.”
قال عمر: “المخيم يخضع لحصار كامل؛ إذ يمنع الجنود دخول المساعدات والفرق الطبية وطواقم الدفاع المدني وحتى الصحفيين.” وأضاف: “توفيت فتاة قبل عشرة أيام، ولا يزال جثمانها محفوظاً في التبريد لأن الجيش يمنع دفنها.”
لقد جعل تدمير خطوط المياه، والنقص الحاد في الغذاء وحليب الأطفال، واستمرار المداهمات العسكرية الحياة شبه مستحيلة لمن تبقّى من السكان.
يواصل جنود الاحتلال “الإسرائيلي” تدمير المنازل والمركبات، واعتقال العشرات، وإخضاع آخرين لتحقيقات ميدانية مهينة في ظروف من البرد القارس.
ورغم ذرائع “إسرائيل” المعلنة لتبرير عدوانها، يتهمها الفلسطينيون بتكرار نهج الإبادة الجماعية الذي تمارسه في غزة، عبر استخدام الأساليب ذاتها من تهجير وترويع وقطع ممنهج للخدمات الأساسية.
(كرونيكل فلسطين)
اترك تعليقاً