رغم الخطاب الرسمي المتسامح والمجتمع المتعدد الثقافات، تشهد أستراليا في السنوات الأخيرة تصاعدًا مقلقًا في ظاهرة الإسلاموفوبيا، حيث تتزايد حوادث الاعتداء والتحيّز ضد المسلمين – خاصة النساء – في الأماكن العامة، بما يعكس أزمة متجذّرة في الخطاب المجتمعي والسياسات الأمنية.
واقع الإسلاموفوبيا في أستراليا
أظهرت تقارير صادرة عن “سجل الإسلاموفوبيا الأسترالي” أن الفترة ما بين جمادى الآخرة 1444هـ وجمادى الأولى 1446هـ (يناير 2023 ونوفمبر 2024م) شهدت أكثر من 675 حادثة معادية للمسلمين، منها 309 وقعت على أرض الواقع و366 عبر الإنترنت. وتشير البيانات إلى أن حوالي 75٪ من الضحايا نساء وفتيات محجبات.
وتتنوع الاعتداءات بين الإهانات اللفظية، والتهديد، والضرب، وحتى محاولات خنق بالحجاب أو نزعه قسرًا. وقد طالبت منظمات إسلامية، مثل المجلس الوطني الإسلامي الأسترالي، الحكومة باتخاذ إجراءات أكثر جدية، معتبرة أن التعامل الرسمي مع هذه الحوادث لا يرقى لمستوى التهديد الذي يعيشه المسلمون يوميًا.
حادثة “إيبينغ بلازا”: اعتداء مزدوج في وضح النهار
في 4 شعبان 1446هـ (13 فبراير 2025م)، كانت مدينة ملبورن على موعد مع واحدة من أبشع حوادث الكراهية الدينية، حيث تعرّضت سيدتان مسلمتان لهجومين منفصلين داخل مركز التسوق “Pacific Epping” شمال المدينة.
الضحية الأولى: امرأة في الثلاثين من عمرها، كانت حاملًا وتتناول الغداء مع صديقتها وابنتها الصغيرة، ففوجئت بامرأة تهاجمها من الخلف، تشدّ حجابها وتخنقها به بعنف، محاولة نزع الغطاء عن رأسها أمام المارة.
الضحية الثانية: بعد دقائق فقط، تعرّضت ايلاف العيساوي، وهي أم لطفلين تبلغ من العمر 27 عامًا، لاعتداء عنيف من نفس المرأة، حيث انهالت عليها بالضرب والصفع، مما تسبب لها في إصابات جسدية وكدمات بالرأس، بالإضافة إلى آثار نفسية شديدة.
وقد وصفت الشرطة الهجومين بأنهما يحملان دوافع دينية واضحة، ووجهت إلى المعتدية – امرأة تبلغ من العمر 31 عامًا – عدة تهم، من بينها الاعتداء الجسدي العنيف بدوافع تحيّزية. وتبيّن لاحقًا أنها كانت تحمل سجلًا جنائيًا وكانت تحت الكفالة في عدة قضايا سابقة مشابهة.
استنكار واسع وردود فعل رسمية
أثار الهجومان ردود فعل واسعة من المجتمع والإعلام، حيث أدان رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز الحادثين، معتبرًا أن “الكراهية الدينية لا مكان لها في المجتمع الأسترالي”، ودعا إلى ملاحقة الجناة بقوة القانون.
من جهته، صرّح المبعوث الفيدرالي لمكافحة الإسلاموفوبيا، د. أفتاب مالك، أن هذه الحوادث لم تعد استثناءً، بل باتت “ظاهرة منتشرة وعادية”، داعيًا إلى إطلاق استراتيجية وطنية شاملة لمكافحة العنصرية الدينية وكراهية المسلمين.
شهادات الضحايا:
قالت إحدى الضحيتين في حديث مع وسائل الإعلام: “كل ذنبي أنني ارتديت حجابي. لم أتحدث مع أحد، لم أرفع صوتي، وفجأة وجدت نفسي أُهاجَم في مكان عام دون سبب.”
بينما عبّرت الضحية الثانية عن قلقها من الخروج بمفردها، مؤكدة أنها لم تعد تشعر بالأمان في بلد تعتبره وطنها منذ الطفولة.
خلاصة
تمثّل هذه الحوادث جرس إنذار جديد بشأن تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في أستراليا، وتدعو إلى وقفة جادة من الحكومة والمجتمع للحد من هذا العنف المتكرر.
اترك تعليقاً