تشهد محافظة حضرموت شرقي اليمن، منذ عدة أشهر، موجة احتجاجات شعبية متصاعدة نتيجة الانقطاعات المتكررة للكهرباء وتدهور الخدمات الأساسية، فيما تسعى السلطات المحلية للسيطرة على الموقف وسط توتر متزايد بين المحتجين والقوات الأمنية.
أسباب الاحتجاجات
بدأت الاحتجاجات مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي لفترات تصل إلى 19 ساعة يوميًا في مدينة المكلا، الأمر الذي أدى إلى إشعال غضب واسع بين السكان. وأكد المحتجون أن ما يواجهونه من نقص في الخدمات الأساسية، من كهرباء ومياه وشؤون صحية، أصبح يؤثر بشكل مباشر على حياتهم اليومية، إضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار.
كما طالب الأهالي بالإفراج عن المعتقلين خلال الاحتجاجات السابقة، وتعيين حكومة محلية قادرة على إدارة الشؤون بشكل كفؤ، أو منح حضرموت المزيد من الحكم الذاتي لضمان حقوق سكانها.
ويشتكي المحتجون من أن الكثير من الاعتقالات التعسفية رافقها الاختفاء القسري فلا يُعرف مصير المعتقلين، وحين الشكوى للمسؤولين الحكوميين يظهرون العجز، في إشارة إلى أن الاختفاء القسري تمارسه قوى خارجية وليست يمنية.
تطورات الاحتجاجات

واشتكى الناشطون اليمنيون على مواقع التواصل من حملة اعتقالات تطال النساء المشاركات في احتجاجات المكلا نفذتها المليشيات الموالية للإمارات. حملة الاعتقالات الواسعة طالت عددا من النساء والناشطين في مدينة المكلا. وأكدت مصادر حقوقية ومحلية متطابقة أن “محافظ حضرموت”التابع للتحالف “مبخوت بن ماضي”، وجه المليشيات الممولة من الإمارات، باعتقال النساء والشباب الذين شاركوا السبت الماضي في الوقفة الاحتجاجية بمنطقة فوة القديمة الذين طالبوا بالكهرباء والمياه وتخفيض الأسعار. وذكرت أن العناصر المسلحة اقتادت عددا من النساء بعد اقتحام منازلهن إلى جهات مجهولة، بالإضافة إلى عدد من شباب المنطقة، في واقعة غير مسبوقة تنتهك حرمات أبناء المكلا.
وأثارت حادثة اختطاف النساء والشباب في فوة حالةً من السخط والغضب الشعبي بين أبناء قبائل حضرموت، واعتبروا ذلك “عيبًا أسود” بحق نساء حضرموت كافة بحسب المركز الإعلامي لمحافظة لحج.
وادي حضرموت: تريم وما حولها
مدينة تريم، إحدى أهم حواضر حضرموت التاريخية والدينية، خرج سكانها بمسيرات سلمية تطالب بإصلاح الوضع الأمني وتحسين الخدمات وتوفير الوقود والمواد الأساسية. تفاقم أزمة الكهرباء والانفلات الأمني وانتشار الجريمة، لا سيّما جرائم الاغتيال والانتهاكات، دفعت مواطني المدينة إلى كسر حاجز الصمت والخروج في تظاهرات شعبية تنادي بحقوق أساسية.
ورغم أنّ مطالب المتظاهرين كانت مدنية بحتة، فقد واجهتها قوات المنطقة العسكرية الأولى، بحملة قمعية، شملت تفريق التجمعات بالقوة واعتقال عشرات الشبان ومطاردة آخرين، وهو ما أثار موجة تنديد محلية ودولية حيال الانتهاكات المستمرة في المنطقة.
في 7 أغسطس، استخدمت قوات من المنطقة العسكرية الأولى، الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين في مدينة تريم، ما أدى إلى إصابة اثنين على الأقل. وبعد يومين، تم اعتقال الصحفي عبد الجبار باجبير وأكثر من 35 محتجًا، وأُفرج عنهم لاحقًا تحت ضغط شعبي.
واستمر شباب تريم في 13 أغسطس في الاحتجاج عبر نصب الخيام في الشوارع وترديد شعارات مطالبة بتحسين الخدمات.
المكلا والشحر
شهدت مدينة الشحر احتجاجات مستمرة ضد انهيار الخدمات وانقطاع الكهرباء دون تجاوب من السلطات المحلية. وفي المكلا، طالت حملة الاعتقالات المحتجين، بما في ذلك نساء في فوة القديمة، بذريعة المطالب الخدمية.
ردود السلطات المحلية
عاد المحافظ مبخوت بن ماضي إلى مهامه بعد غياب ثلاثة أشهر، ودعا مجلس القيادة الرئاسي لدعمه، مؤكدًا أن الاحتجاجات ليست وسيلة لتغيير السلطة، وأن القرار الجمهوري هو الطريق الشرعي. كما عقدت السلطات اجتماعًا أمنيًا طارئًا في المكلا شدّد على رفض الفوضى وحماية وحدة حضرموت، داعيًا إلى التنسيق لحفظ السكينة العامة.
وعاد المحافظ، السبت، قادمًا من المملكة العربية السعودية. وقالت وسائل إعلام محلية إن ابن ماضي عاد من السعودية برًا عبر منفذ الوديعة الحدودي، واتجه إلى مدينة المكلا، حيث مقر إقامته وإدارة ديوان المحافظة.
يعود المحافظ بينما تشهد حضرموت توترا أمنيًا جراء الاحتجاجات الشعبية المتواصلة، في غمرة تدهور الأوضاع الإدارية والخدمية في المحافظة، التي تشهد احتقانًا واضطرابًا سياسيًا منذ سنوات.
ولا تقدم سياسات المحافظ أي جديد أو تحسين في حياة أهالي حضرموت، الذين يعانون منذ سنوات من الأوضاع المعيشية القاهرة في محافظة من المفترض أن يعيش أهلها حياة كريمة ومكتفية.
التوترات الاقتصادية والأمنية
ترافق الاحتجاجات مع تدهور الوضع الأمني في وادي حضرموت، حيث يُلاحظ انتشار عمليات التهريب للبضائع وتراجع الرقابة الأمنية. أما قطاع البناء فيواجه أزمة مستمرة نتيجة ارتفاع أسعار مواد البناء، رغم تحسن قيمة العملة، ما يعرقل القطاع الإنشائي ويزيد الضغوط على الأهالي.
حضرموت إلى أين؟
الاحتجاجات في حضرموت تعكس تزايد الاستياء الشعبي نتيجة الأوضاع المعيشية المتدهورة، وتأكيد السكان على حقهم في حياة كريمة وخدمات أساسية. في الوقت نفسه، تحاول السلطات المحلية، من خلال إجراءات أمنية محدودة ودعوات للحوار، السيطرة على المشهد، فيما يبدو أن الطريق لحل الأزمة لا يزال بعيد المنال لكثرة الفساد والظلم اللذان يدفعان شباب حضرموت للفرار من واقعهم المزري والسعي لفرص معيشية أكرم خارج حدود بلادهم.
إن مستقبل اليمن متعلق باستقلاليته من التدخلات الخارجية بهويته وثرواته، وما دام تقرير مصيره الذي يعمه الفساد، بيد غير أبنائه، فسيطول حلم الاستقرار والعدالة الذي يحلم به أبناء اليمن.














اترك تعليقاً