في خطوة وُصفت بأنها نقطة تحوّل في الملف السوري، صوّت مجلس النواب الأمريكي بالأغلبية لصالح إلغاء قانون قيصر والعقوبات المرتبطة به، وذلك ضمن مشروع موازنة الدفاع للعام 2026. يأتي هذا القرار بعد سنوات طويلة من العقوبات التي تركت آثاراً عميقة على الاقتصاد السوري، وأعاقت عمليات إعادة الإعمار، وأثّرت بشكل مباشر على حياة المواطنين.
قانون قيصر… خلفية سريعة
صدر القانون عام 2019، ودخل حيز التنفيذ في منتصف 2020، مستهدفاً الحكومة السورية وحلفاءها التجاريين والعسكريين. وقد فرض قيوداً شديدة على التعامل المالي والمصرفي مع سوريا، ومنع الشركات الأجنبية من الاستثمار أو تقديم خدمات قد تُسهم في دعم الدولة السورية أو إعادة إعمارها.
ومع التصويت لصالح الإلغاء، يُفتح الباب أمام مرحلة جديدة تحمل في طياتها تغييرات اقتصادية وسياسية واسعة.
تحوّل اقتصادي مرتقب
انفراج تدريجي في الحركة التجارية
يتوقع خبراء الاقتصاد أن يؤدي إلغاء العقوبات إلى تخفيف كبير في القيود على عمليات الاستيراد والتصدير، خصوصاً فيما يتعلق بالمواد الأساسية والآليات ومستلزمات الصناعة. كما ينتظر أن تعود شركات عربية ودولية للعمل داخل السوق السورية من دون الخشية من العقوبات الأمريكية التي كانت تعيق أي نشاط اقتصادي.
تحسن محتمل في سعر الصرف
ارتفاع الضغط على الليرة السورية خلال السنوات الماضية كان مرتبطاً بشكل مباشر بتشديد العقوبات. ومع إزالة هذه القيود، يُتوقع حدوث استقرار تدريجي قد يُترجم بتحسن محدود في قيمة العملة، وإن كان ذلك مرهوناً بالإدارة الداخلية للملف الاقتصادي السوري.
عودة الاستثمارات وإحياء الإعمار
عدة دول، على رأسها الإمارات والصين والهند، أبدت اهتماماً متزايداً بالمشاركة في مشاريع البنية التحتية والطاقة والإسكان. وكانت هذه المشاريع شبه متوقفة بسبب القيود التي فرضها “قيصر”، لكن إلغاءه قد يعيد فتح الباب أمام بدء عمليات إعادة الإعمار بشكل فعلي.
تأثير مباشر على حياة المواطنين
يأمل المواطن السوري أن ينعكس رفع العقوبات على توفر السلع الأساسية، وتحسن مستوى الكهرباء والوقود، وانخفاض نسبي في الأسعار التي أنهكت ملايين الأسر. إلا أن خبراء يحذرون من أن النتائج لن تكون فورية، وأن التعافي يحتاج إلى وقت طويل لإصلاح البنية التحتية المتهالكة والقطاع الصناعي المتراجع.
إعادة تشكيل العلاقات السياسية
تعزيز الحضور العربي
الإلغاء يأتي متماشياً مع مسار عربي واسع يهدف إلى إعادة دمج سوريا في محيطها الطبيعي. ويتوقع أن تتسارع خطوات التعاون الاقتصادي والسياسي بين دمشق وكل من السعودية والإمارات ومصر والعراق والأردن ولبنان، بعد سنوات من الفتور والتردد بسبب العقوبات الأمريكية.
تقارب سوري–تركي محتمل
تشير المعطيات إلى أن رفع القيود الأمريكية قد يسهّل التفاهمات الأمنية والسياسية بين دمشق وأنقرة، حيث كان قانون قيصر يمثل واحدة من أهم العقبات أمام أي مسار تفاوضي مباشر.
تراجع في النفوذ الأمريكي مقابل صعود روسي–صيني
فقدان واشنطن لأداة ضغط رئيسية في الملف السوري قد يفسح المجال أمام موسكو وبكين لتعزيز حضورهما الاقتصادي والسياسي، خاصة في ملفات إعادة الإعمار وتطوير البنى التحتية.
هل الإلغاء كافٍ لحل الأزمة؟
على الرغم من أهمية خطوة إلغاء قانون قيصر، إلا أنها ليست عصا سحرية. فالتعافي الاقتصادي يتطلب إصلاحات داخلية، وتحسين بيئة الاستثمار، ومعالجة التحديات الأمنية والسياسية في الشمال والشرق. ومع ذلك، فإن رفع العقوبات يُعد نقطة بدء لمسار جديد من الانفراج قد يخفف العبء عن المواطنين ويمهّد لمرحلة أكثر استقراراً على مختلف المستويات.




اترك تعليقاً