إعادة توطين الروهينجا: على جيش أراكان أن يبادر لتعزيز العلاقة بين الروهينجا والراخين

a 53 800x445 1

يُحكم جيش أراكان الآن قبضته على الحدود بين بنغلادش وميانمار، ويواصل تحركاته لترسيخ هيمنته في ولاية راخين. فمنذ انطلاق العملية العسكرية ضد قوات المجلس العسكري الميانماري في 1445هـ (نوفمبر/تشرين الثاني 2023م)، نجح جيش أراكان في السيطرة على أربع عشرة من أصل سبع عشرة بلدية في ولاية راخين، إلى جانب منطقة باليتوا جنوب ولاية تشين.

توسّع جيش أراكان حاليًا في نفوذه داخل ولاية راخين، بالإضافة إلى مناطق ماغوي، باغو، وآياروادي. وقد تمكّن قائد جيش أراكان، توان مرات ناينغ، من تأمين النصر في راخين من خلال حلّ الخلافات والأزمات الداخلية، وجمع مختلف الأطراف تحت مظلّة جيش أراكان وجناحه السياسي، “رابطة أراكان الموحّدة”.

وفي 1446هـ (ديسمبر 2024م)، سيطر جيش أراكان على بلدة مونغدو والمناطق المحيطة بها. وخلال تلك الفترة، وحرصًا على تقليل الخسائر البشرية، تم إجلاء السكان من منطقة مونغدو. وبعد إحكام سيطرته على البلدة، بدأ جيش أراكان بالسماح للنازحين بالعودة إليها. ورغم بسط سيطرته على معظم ولاية راخين، إلا أنّه لم يتمكن حتى الآن من إرساء السلام فيها، كما فشل لأسباب متعددة في إعلان المناطق التي يسيطر عليها كدولة مستقلة.

ورغم هيمنة جيش أراكان على أغلب أراضي راخين، إلّا أنّ الوقت لا يزال مبكرًا للاعتقاد بأنّ الجيش الميانماري سيسلّم زمام الأمور له، كما أنّ احتمالات استقلال راخين أو تحوّلها إلى منطقة ذات حكم ذاتي لا تبدو قريبة.

تكتسب ولاية أراكان في ميانمار أهمية بالغة من النواحي الجيوسياسية والجيوستراتيجية، إذ تُعدّ موضع اهتمام القوى الإقليمية والدولية. فدول مثل الولايات المتحدة، والصين، والهند تسعى لتعزيز نفوذها وهيمنتها في محيط المحيط الهندي. وتُعدّ منطقة كياوكبيو في ولاية راخين ذات أهمية استراتيجية واقتصادية قصوى بالنسبة للصين، حيث تُشير التقارير إلى أنّ قوات أمن صينية خاصة تنشط لحماية الميناء البحري العميق وخطوط الأنابيب وغيرها من البُنى التحتية الصينية هناك، مستخدمةً تقنيات متعددة، منها الطائرات المُسيّرة، لتأمين هذه المنشآت من أي هجوم محتمل.

أما ولايتا راخين وتشين فتُمثلان أهمية استراتيجية للهند نظرًا لحدودهما المشتركة مع ولايتيها في الشمال الشرقي، واحتوائهما على مشروع “كالادان للنقل متعدد الوسائط”، وهو من المشاريع الحيوية الهندية في مجال البُنى التحتية. وقد بدأت الهند، إدراكًا منها لواقع سيطرة جيش أراكان، بالتواصل معه لضمان أمن المشروع وسير العمل فيه بسلاسة، بالإضافة إلى حماية استثماراتها في المنطقة. ويُعدّ مشروع كالادان محورًا رئيسيًا في مبادرة “توجّه شرقًا” الهندية، التي تهدف لتعزيز الترابط والتجارة مع الولايات الهندية الشمالية الشرقية.

غير أنّ الاستثمارات الصينية الضخمة في راخين، لا سيّما في كياوكبيو، والتي تحمل أهمية استراتيجية لنظام ميانمار، تُعقّد من موقف الهند وعلاقتها مع جيش أراكان. فالهند تقف في موقف بالغ الحساسية نتيجة علاقتها بالحكومة الميانمارية، وتداخل مصالحها الاستراتيجية مع النفوذ المتنامي لجيش أراكان في المنطقة.

ويبدو أن الأوضاع في ولاية راخين ستظل على حالها لفترة غير قصيرة. وفي ظل هذا المشهد، يتوجب على المجتمع الدولي أن يضاعف جهوده لاستعادة السلم، مع المضي في تنفيذ مشروعات التنمية في المناطق الخاضعة لسيطرة جيش أراكان. كما ينبغي العمل على تعزيز العلاقة بين السكان الراخين والروهينجا من خلال برامج ومبادرات متنوعة.

ومن أجل ترسيخ وجوده، يلجأ جيش ميانمار إلى تنفيذ غارات جوية متكررة في المناطق الخاضعة لسيطرة جيش أراكان. وقد تزايدت أعداد الضحايا جراء هجمات المجلس العسكري، التي طالت مؤسسات تعليمية، ومرافق صحية، ودور عبادة، ومنازل مدنيين، ما أثار حالة من الهلع بين السكان. وفي مثل هذا الوضع، تلوح مخاوف من احتمال تسلل أعداد من الروهينجا وغيرهم من مكونات راخين إلى بنغلاديش.

وفي مطلع عام 1445هـ (2024م)، حاول الجيش استخدام الروهينجا كأداة ضد جيش أراكان، ساعيًا لإثارة الفتنة العرقية، غير أن هذه الاستراتيجية لم تُحقق النجاح المرجو. وتخضع المناطق التي أُجبر الروهينجا على مغادرتها عام 1438هـ (2017م) حاليًا لسيطرة جيش أراكان، الذي يخوض معركةً ضد جيش ميانمار سعياً لضمان حقوق الراخين. ومن هنا، يجب على جيش أراكان أن يُدرك مسؤوليته إزاء مصير الروهينجا، وأن يُبادر على وجه السرعة إلى وقف جميع أشكال الانتهاكات بحقهم، والعمل على إرساء تعايش سلمي بين الراخين والروهينجا في الولاية.

وقد أفادت منظمة “مجتمع الروهينجا للسلام والإنسانية” بأن الروهينجا يتعرضون يوميًا للانتهاكات من قبل جيش أراكان، بما في ذلك القتل والاغتصاب، ما يدفع أعدادًا متزايدة منهم للفرار نحو بنغلاديش. وتشير التقارير إلى أنّ أكثر من 118 ألف لاجئ من الروهينجا قد عبروا إلى بنغلاديش خلال العام الماضي. ويتصاعد الضغط الدولي من أجل إشراك ممثلين عن الروهينجا والمكونات العرقية الأخرى في إدارة جيش أراكان. كما أُفيد بأن هذا الأخير بدأ مؤخرًا بعقد لقاءات مع الروهينجا في المناطق الخاضعة له، مع تقديم وعود بضمان أمنهم، غير أن نتائج هذه الجهود لم تتجلّ بعد على أرض الواقع.

وإذا ما اتُخذت خطوات فعّالة لتحسين التعليم وتنمية المهارات لدى الروهينجا في بنغلاديش وميانمار، فإنّهم سيشكلون قوة بشرية موثوقة تساهم في تنمية ولاية راخين. غير أنّ نقص التمويل دفع منظمتي “اليونيسف” و”أنقذوا الأطفال” إلى إعلان إغلاق جميع المؤسسات التعليمية في مخيمات اللاجئين داخل بنغلاديش إلى أجل غير مسمّى. وتضم هذه المخيمات 6493 مؤسسة تعليمية، ويواجه نحو 230 ألف طفل وتلميذ خطر الانقطاع عن التعليم بسبب الأزمة التمويلية. وإن لم تُتخذ تدابير عاجلة لمعالجة هذا الوضع، فقد يؤثر سلبًا على مسار حلّ أزمة الروهينجا برمتها.

إذا ما انخفضت المساعدات الدولية، ولا سيما الغذائية منها، فسيُجبر الروهينجا على اتخاذ قرارات عصيبة. إن الإحباط والغضب المتناميَين نتيجة الأزمة الإنسانية قد يدفعانهم إلى التمرد. وإن لم يُحلّ ملف الروهينجا بشكل جذري ونهائي، فقد يتحوّل إلى تهديد خطير للأمن الإقليمي. وإذا حُرم الشباب من فرص التعليم والعمل، فقد ينزلق بعضهم نحو التطرف والعنف. فالفقر، واللامساواة، وغياب التنمية، إن تُركت دون معالجة، ستفضي لا محالة إلى عدم الاستقرار والعنف.

ويتعين على القادة الروهينجا المقيمين في راخين، وكذلك القيادات المقيمة في الخارج والمدافعة عن مصالحهم، أن يفضحوا انتهاكات جيش أراكان، كما يفعلون مع جيش ميانمار، وأن يحشدوا الرأي العام العالمي ضد هذه الجرائم. وإذا ما تمكّن جيش أراكان من فرض سيطرته الكاملة على ولاية راخين مستقبلاً، فسيكون بحاجة ماسّة إلى دعم إقليمي ودولي، فضلاً عن تعاون متعدّد الأوجه. ويمكن تلافي كثير من الأزمات عبر بناء علاقات إيجابية مع بنغلاديش. ويُرجى أن تعود راخين إلى ربوع السلم تحت قيادة جيش أراكان، وأن يحظى الروهينجا والراخين وسائر سكان الولاية بالازدهار من خلال التعايش السلمي.

Eurasia Review

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا