أزمة الروهينجا: السؤال الكبير، ما الذي ينتظرهم؟

image1170x530cropped 4

لم تعد عبارة لاجئو الروهينجا مجرد وصف عابر، بل تكاد تصبح مصطلحًا ثابتًا في القواميس. فالأحزان هي ما يتواصل على هؤلاء اللاجئين، وتصنع بيئة خانقة، مشحونة، ومليئة بالمصالح الضيقة لبعض الدول المجاورة. وأكثر من مليون لاجئ من الروهينجا أصبحوا اليوم عبئًا ثقيلاً على بنغلادش، التي تعاني أصلًا من صعوبات مزمنة—ليس فقط في إعادتهم إلى وطنهم، بل أيضًا في تحمّل أعباء وجودهم. ويتزايد تراجع الاهتمام الدولي بالقضية، إلى جانب تغيّر السياق السياسي الداخلي في بنغلادش، مما يجعل الأزمة تبدو وكأنها تتلاشى من دائرة الاهتمام. وقد قال أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة: “الروهينجا هم الأقليّة الأكثر تشتّتًا في العالم”؛ لكن هذا القول يبدو غير دقيق في الوقت الراهن.

بقلم: محمد الأمين

عند العودة إلى جذور أزمة اللاجئين الروهينجا، يتّضح مدى قسوتها. فمنذ أن فقدت هذه الجماعة وضعها القانوني كمواطنين في بورما (ميانمار حاليًا) عام 1982، والأسى يتواصل بلا انقطاع. فمنذ قانون الجنسية لعام 1982، واجه الروهينجا موجات متكررة من التهجير القسري إلى بنغلادش.
بدأت أول عملية تهجير واسعة عام 1978 خلال “عملية ناغامين”، حيث فرّ نحو 200 ألف شخص. تلتها موجة ثانية في 1991–1992 أثناء “عملية بيي ثايا”، إذ نزح قرابة 250 ألف آخرين. ثم تدفقت موجات أصغر بين 10 – 15 ألف بعد أحداث العنف الطائفي عام 2012، وأدّى القمع العسكري عام 2016 إلى فرار 70 ألفًا آخرين. إلا أن أكبر موجة، والأسرع، حدثت بعد 25 أغسطس/آب 2017، حين تجاوز عدد الفارّين 740 ألفًا. وحتى أواخر 2025، دخل نحو 150 ألفًا آخرين إلى بنغلادش.
وتُظهر هذه الموجات المتلاحقة نمطًا مستمرًا من الطرد المنهجي للروهينجا، الذين أُجبروا على اللجوء إلى بنغلادش. واليوم ينتظر نحو 1.2 مليون منهم العودة إلى ديارهم.

كان من المفترض أن تبدأ عملية إعادة الروهينجا في يناير/كانون الثاني 2018، بناءً على اتفاق ثنائي بين بنغلادش وميانمار في نوفمبر/تشرين الثاني 2017.
كان الاتفاق ينص على أن تقوم ميانمار بالتحقق من هويات الروهينجا، وتجهيز مراكز استقبال، وبدء إعادة اللاجئين على مراحل، بينما تتولى بنغلادش إعداد القوائم واعتماد الترتيبات اللوجستية للنقل الآمن.
لاحقًا وُضعت خطط إضافية في 2019 و2023، لكن لم يُنفّذ أي منها بسبب المخاوف الأمنية، وانعدام الضمانات، وعجز ميانمار عن توفير الظروف الملائمة للعودة.

بعد أحداث يوليو في بنغلادش، سعى الحكومة الانتقالية الجديدة إلى إيجاد حل للأزمة. فعُيّن خليل الرحمن ممثلًا أمنيًا رفيعًا لدى الأمم المتحدة لأوضاع الروهينجا، وتحت إشراف البروفيسور محمد يونس، قدّم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش زيارة بارزة خلال شهر رمضان الماضي، حيث استُخدمت “دبلوماسية الإفطار” للضغط على الأطراف المعنية.
كما جرت مفاوضات عبر “القنوات الخلفية” في إطار الآسيان، توصّل فيها الجانبان البنغلادشي والميانماري إلى اتفاق لإعادة 180 ألفًا من الروهينجا، لكن شيئًا ملموسًا لم يحدث حتى الآن.

وفي ظل وجود 33 مخيمًا تشكل أكبر تجمع للاجئين في العالم في كوكس بازار، تجد بنغلادش نفسها تكافح وسط عجز بنسبة 63% في تمويل الإغاثة الإنسانية.
وشهدت حصص الغذاء عدة تخفيضات خلال هذا العام. ووفقًا للجنة الإنقاذ الدولية (IRC)، تسببت تخفيضات USAID في إغلاق أو تقليص خدمات 48 مرفقًا صحيًا. ويتلقى 300 طفل يوميًا علاجًا من سوء التغذية داخل المخيمات.
وفي العام الماضي طُرحت دعوة عاجلة لتوفير 85 مليون دولار لتلبية احتياجات الوافدين الجدد، لكن ما وصل أقل بكثير مما هو مطلوب.
وأطلقت الأمم المتحدة والحكومة البنغلادشية خطة الاستجابة المشتركة لعام 2025، بطلب تمويل يقارب 935 مليون دولار لدعم 1.48 مليون شخص من اللاجئين والمجتمعات المضيفة، لكن الواقع يعيق التنفيذ. ومع تراجع المساعدات، بدأ بعض الروهينجا يحاولون الاندماج مع السكان المحليين، ما يخلق توترات ومشكلات داخل المنطقة.

ويبقى السؤال المحوري: ما الذي قد يحدث للروهينجا الآن؟

لا تزال الظروف داخل ميانمار غير آمنة ولا مناسبة لعودة طوعية وكريمة لهذا العدد الكبير من الروهينجا، مما يجبر بنغلادش على استضافتهم لفترة طويلة قادمة.
ولا تملك البلاد خيارًا فوريًا سوى الاستمرار في توفير الملجأ والمساعدات الإنسانية الأساسية رغم محدودية مواردها، وتراجع الدعم الخارجي، وزيادة الضغوط الاجتماعية والبيئية على المناطق المستضيفة.
وقد أصبح هذا العبء المستمر يحوّل أزمة الروهينجا إلى مشكلة إنسانية طويلة الأمد وأكثر تعقيدًا.

السيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار الأزمة دون حل، بحيث يبقى الروهينجا في بنغلادش وسط ضغوط إنسانية متفاقمة، مع أمل ضئيل في العودة أو إعادة التوطين، إلى أن تُجري ميانمار تغييرات جذرية في سياساتها المتعلقة بالجنسية والحقوق السياسية.
وباختصار: ستُجبَر بنغلادش على استضافة هذا العدد الكبير من الروهينجا فترة طويلة أخرى، بينما يظل مصيرهم مجهولًا.

محمد الأمين
مُعلّم وباحث. حاصل على درجة الماجستير من قسم العلاقات الدولية بجامعة راجشاهي، بنغلادش.

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا