مقدمة
يُعد موضوع الأخطاء الاستراتيجية التي وقعت فيها إيران محورًا مهما في الدراسات السياسية والعسكرية. خاصة مع تصاعد حدة التوترات الإقليمية، والحرب الدائرة بين طهران وتل أبيب. وفي هذه المقالة نستعرض أبرز هذه الأخطاء، في محاولة لاستخلاص الدروس والعبر لتكون نبراسًا للأمة الإسلامية في مواجهة التحديات الراهنة.
.
الأخطاء الاستراتيجية الإيرانية:
1. التخلي عن الأذرع الاستراتيجية:
نجحت إيران في بناء شبكة من خطوط الدفاع المتقدمة لمواجهة خصومها، ممثلة في جماعات مثل حزب الله في لبنان وأنصار الله “الحوثيون” في اليمن، وصولًا إلى فصائل المقاومة في العراق وفلسطين. لكنها، تخلت عن حزب الله في حربه مع إسرائيل -وهو الذي يُنظر إليه كـ “خط الدفاع الأول”– وتركته يواجه مصيره المأسوي ويُستفرد به إسرائيليًا، وذاك يُعد تضحية بورقة استراتيجية مهمة في معادلة الردع.
2. التباطؤ في الرد، وتأجيل المواجهة:
توالت الضربات الإسرائيلية الموجعة على إيران، سواء باستهداف مقر سفارتها في سوريا، أو اغتيال شخصيات قيادية بارزة كقاسم سليماني وعلاء زاهدي، وصولاً إلى الاغتيالات المتكررة لعلماء الذرة والقيادات العسكرية داخل الأراضي الإيرانية، ثم اغتيال إسماعيل هنية. هذه الضربات، التي لم تلقَ ردًا متناسبًا منحت الثقة لإسرائيل وأزالت أي مخاوف لديها من عواقب التمادي في العدوان.
3. غياب التقييم الاستراتيجي والمراجعة الدورية:
من أبجديات العمل الإداري والعسكري هو التقييم المستمر والمراجعة الشاملة بعد كل حدث أو انتكاسة. ومن الواضح أن القيادة الإيرانية اكتفت بتقييمات شكلية، دون التعمق في جذور المشكلات، أو فهم كيفية الاختراقات الإسرائيلية المتكررة، أو تحديد شبكات الجواسيس العاملة على الأراضي الإيرانية. هذا القصور في التقييم أدى إلى توالي الضربات دون التعلم من الأحداث وتصحيح المسار.
4. القصور في التخطيط الدفاعي والتأهب الأمني:
تجاهل القادة الإيرانيون الاحتياطات الأمنية الأساسية رغم التوقعات المتزايدة للهجوم. ظهر ذلك في عدم الالتزام بعدم التجمع في مكان واحد أو عدم التوجه إلى الملاجئ الآمنة. بل إن بعض القيادات العسكرية من الصف الأول كانوا نائمين في منازلهم عند استهدافهم، مما يكشف فشل ذريع في التخطيط الدفاعي والتأهب لسيناريوهات الحرب المباشرة.
5. خلل استخباراتي وضعف في الدفاع الجوي:
تؤكد المعلومات أن أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية قد تم تعطيلها بشكل كامل قبل الهجوم، وذلك عبر عمليات تخريب سرية نفذها الموساد الإسرائيلي. هذا يشمل نشر أسلحة دقيقة التوجيه قرب منصات الصواريخ، وتحييد الرادارات قبل الضربات الجوية، مما يشير إلى فشل استخباراتي كبير وضعف بنيوي في قدرات الدفاع الجوي الإيراني.
6. الاعتماد المفرط على حروب الوكالة وإهمال الدفاع المباشر:
ركزت إيران لسنوات طويلة على الصراع غير المباشر عبر وكلائها وميلشياتها “مثل حزب الله، الحوثيون، الفاطميون، الزينبيون…إلخ”، وأهملت تطوير استراتيجيات دفاعية فعالة ضد الهجمات المباشرة على أراضيها أو مصالحها الحيوية. وحتى بعد اغتيال قادة كبار، اقتصر ردها على التصريحات التهديدية بدلاً من اتخاذ إجراءات رادعة عملية على بمستوى الردع.
7. البيروقراطية، وعدم تعديل الاستراتيجية منذ عام 2024:
نقلت إسرائيل الصراع إلى داخل إيران نفسها، فأهملت التهديد المباشر، وكان اغتيال إسماعيل هنية في طهران دليلًا واضحًا على ذلك. لكن طهران لم تعدل استراتيجيتها بشكل جوهري، مما جعلها عرضة لضربات أكثر جرأة داخل عمقها الاستراتيجي، وهو ما يعكس نظم الإدارة البيروقراطية، وعدم مرونة في التفكير الأمني.
8. الضعف الداخلي للدولة:
إيران تعاني من مشكلات داخلية عديدة، بدءًا من الصراعات الطائفية، مرورًا بالمشكلات الاقتصادية المزمنة، والجَور السياسي، وصولاً إلى التخلف العلمي والتكنولوجي في العديد من القطاعات. هذا الوضع جعل بنيتها الداخلية هشة وغير قادرة على تحمل ضغوط الصراع الإقليمي المباشر، مما يؤثر على قدرتها على الصمود والمواجهة.
9. إضعاف المجال الحيوي:
سعت إيران لإضعاف دول الجوار “كالعراق، سوريا، باكستان، وأفغانستان” عبر ميليشياتها والتدخل في شؤونها. وخلقت أزمات لدول الخليج، هذا النهج خلق عداوات إقليمية، بدلًا من بناء علاقات قائمة على التعايش والأمن المشترك، مما زعزع استقرار مجالها الحيوي والمنطقة.
الخلاصة
كانت الأخطاء الإيرانية تراكمية، بدءًا من الإهمال الأمني، مرورًا بسوء التقدير الاستراتيجي، وصولًا إلى الاعتماد على أساليب بالية في مواجهة تكتيكات إسرائيلية متطورة تقنيًا واستخباراتيًا. هذه العوامل مجتمعة حولت إيران من لاعب إقليمي قوي إلى هدف هزيل يغري الصهاينة بضربه، والاستئساد عليه. وفي تخلف المجتمع الإيراني، وكراهيتها في المحيط العربي والإسلامي والدولي.
ويبقى السؤال هل ستبدأ إيران في إصلاح ما أفسدت؛
أم ستظل في فكرها الثيوقراطي البيروقراطي الضيق؟
د. محمود لملوم
باحث في الشؤون الإستراتيجية
اترك تعليقاً