تفقد مراسل “وصل”، عبد الله ورفاقه، المسلمون الروهينجا في مخيمات كوكس بزار ببنغلاديش، لينقل لنا أخبارهم في شهر رمضان الفضيل.
وصل عبد الله إلى المخيمات التي تقضي أيام رمضان ولياليه لهذا العام في ظروف قاسية، قد حاصرها ضيق الحال وتضييقات القوانين ونقص المساعدات الدولية، لكنها مع ذلك لا تزال صامدة مستنيرة بأنوار القرآن وصلاة التروايح وبركات العبادات.
لقطات من عدسة مراسل “وصل” عبد الله من داخل مخيمات كوكس بزار، بنغلاديش، الأسبوع الأول من رمضان 1445هـ
يقول عبد الله، عندما تمشي في أحياء المخيم، ترى على ملامح المسلمين الروهينجا آثار تاريخ من القهر والاستضعاف، لا شك أن ذكريات التهجير الوحشي لا تزال محفورة في ذاكرة الناجين من الإبادة العرقية التي سلطها عليهم البوذيون في بورما، منذ خرجوا بمئات الآلاف يحملون أرواحهم على أكفهم ويجتازون الدروب الوعرة والبحار الخطرة، على متن قوارب خشبية متهالكة، قد شاهدوا بألم الكثير من أحبتهم يموتون في الطريق، حتى وصلوا لأرض اللجوء في بنغلاديش. ولذلك وصفوا بأكثر الأقليات اضطهاداً في العالم، وفقاً لتصنيف دولي.
لقطات من عدسة مراسل “وصل” عبد الله من داخل مخيمات كوكس بزار، بنغلاديش، الأسبوع الأول من رمضان 1445هـ
تجول عبد الله بين أحياء المخيمات، بيوتهم مصنوعة من الخيزران ضعيفة لكنها مصيرية! وللأسف يحظر عليهم بناء بيوت من الصفيح والطوب ورغم ذلك لا تزال بيوت الروهينجا جميلة، مصنوعة بتعبهم وبأيديهم، تدل على درجة إصرارهم على الصمود! وهي تُؤمّن لهم الحد الأدنى من الأمان حيث تعاني في مواسم العواصف والتقلبات الجوية، لكنها تبقى ملاذهم الوحيد في وسط وحشة الوطن.
شهر رمضان في مخيمات اللجوء
شهر رمضان لا يختلف كثيرا في مخيمات اللجوء في كوكس بزار عما اعتاده المسلمون في العالم، إلا أنه يتسم أكثر بالزهد، يقضي الناس يومهم في تنظيم شؤون حياتهم، وفي قراءة القرآن، وعند الإفطار، يتبادل الأهالي الأطباق بينهم وهي عادة قديمة محببة لهم، ومنهم من يفطر على تبرعات الجمعيات الخيرية، ثم يصلي الناس التراويح في المساجد، ولا يسهرون، ليستيقظوا للتهجد ووقت السحور، ثم يواصلون أعمالهم بعد الفجر.
وبحسب ما شاهد مراسل “وصل” في مخيمات كوكس بزار يعاني المسلمون الروهينجا لأجل توفير المستلزمات الرمضانية، ويكتفون بما تيسر لهم من أساسيات. يخرج الرجال لأداء وظائف مختلفة. وأصحاب المتاجر يفتحون متاجرهم مبكرا لممارسة أعمالهم التجارية.
لقطة من عدسة المصور الأراكاني عبد الله
لا تزال مشكلة توفير المياه النظيفة مستمرة في مخيمات اللاجئين وتصل مساعدات من المسلمين في الخارج لفتح آبار وتشكل فرجا كبيرا للقاطنين في أنحاء هذه المخيمات.
الأجواء الرمضانية
لقطات من عدسة مراسل “وصل” عبد الله لأداء صلاة التراويح في أحد مساجد مخيمات كوكس بزار، بنغلاديش، الأسبوع الأول من رمضان 1445هـ
مساجد الروهينجا كمنازلهم بسيطة مصنوعة من الخيزران وما تيسر من مواد البناء، مفروشة بالحصير، في زواياها بعض المصاحف وحامل القرآن، ومع بساطتها تعرف حضور المصلين للصلوات الفرض ولصلاة التراويح وقراءة القرآن باستمرار، كما تنشط المدارس القرآنية بكثرة في أنحاء المخيمات.
لقطات من عدسة المصور الأراكاني عبد الله
يشغل شوارع المخيمات الرجال والأطفال وقليلا ما تظهر النساء بحسب مشاهدة عبد الله فأغلب النساء في منازلهن يعتنين بتجهيزات الإفطار والعبادات وشؤون الأسرة لا يظهرن إلا بحجاب لحاجة، ورجالهم بزي إسلامي.
ويقول عبد الله:”الشعب الروهينجي شعب ملتزم ومتدين، محب للإسلام بشدة، تجده يعتني كثيرا بالعبادات في شهر رمضان، فما أن تدخل مخيماتهم حتى تستشعر هيبة الشهر وحضور المسلمين فيه”.
المدارس جانب مشرق في المخيمات
لقطات من عدسة مراسل “وصل” عبد الله للمدارس في مخيمات كوكس بزار، بنغلاديش، في شعبان ورمضان 1445هـ
يقول عبد الله من أجمل ما شاهده في مخيمات الروهينجا، العناية بتدريس الأطفال القرآن، حيث يوفر لهم المصاحف وحامل المصحف، بينما يتعاهد الأطفال حفظ القرآن.
كما تنشط مدارس تعليمية بلغة الروهينجا، يتلقى فيها الأطفال تعليمهم بفضل مساعدات خارجية. إلا أن الكثير من المدارس لا تزال بحاجة لدعم وفرش وتوفير مستلزمات وكتب الدراسة والمصاحف والثياب والأحذية للأطفال. وهي تنتظر يد العون التي تجود من الخارج.
لقطات من عدسة مراسل “وصل” عبد الله لأطفال الروهينجا في طرقات مخيمات كوكس بزار، بنغلاديش، الأسبوع الأول من رمضان 1445هـ
ولأن أوضاعهم المعيشية قاسية فإن هؤلاء الأطفال مضطرون للعمل، فهم يخرجون للشارع للعمل وبعضهم يبيع المثلجات للصائمين.
صور لنا عبد الله أطفال الروهينجا في صباح رمضان. والمدهش أنه وجد الجميع يصومون، الصغار والكبار فرمضان مناسبة عظيمة لا يتأخرون عنها. مع أنهم يكدحون مثل الكبار!ـ
أبرز أطباق الروهينجا في رمضان
لقطات من عدسة مراسل “وصل” عبد الله لإعداد الطعام للإفطار في مخيمات كوكس بزار، بنغلاديش، الأسبوع الأول من رمضان 1445هـ
تتميز السفرة الروهينجية، بأطعمة مميزة، أغلبها من الأرز المطبوخ بعدة طرق، والشعيرية، والحمص، يتكون إفطارهم من الفواكه كالبطيخ والموز.
من أشهر أطباق الروهينجا طبق: “فاكّون فيرا”، وهو عبارة عن أرز مطحون يخلط بالموز والسكر وقطع من النارجيل ثم تقلى في الزيت.
وطبق “الباغقولا” وهي المعروفة باللقيمات.
وطبق “الفيازو” المكون من البليلة المجروشة والبصل والكراث.
وطبق “البِني بات” عبارة عن أرز ونارجيل وزيت وملح يؤكل في الشتاء.
ويضع الروهينجا في موائدهم في رمضان “الفقّورة” وهي عبارة عن دقيق الحمص مخلوط بالكراث والبصل (البوبر)،
طبق “بايونا” و”موريسا “
وطبق “بايونا” (باذنجان) وموريسا (فلفل) ويتم غمسها في عجينة مكونة من حمص مطحون وكركم وملح وقليل من الفلفل الأحمر.
شوزي حلوى
ومن أطباق الحلويات، “شوزي حلوى” وهي مكونة من السميد والحليب (السائل والمسحوق) والسمن وورق الغار والسكر تطبخ على النار حتى يصبح لونها ذهبيا ثم يضاف لها الحليب والسكر وأي نوع من المكسرات.
وتتزين سفرتهم دائما بالفواكه.
وفي السحور، تكون أغلب الأطباق مكونة من الأرز الأبيض وأنواع مختلفة من المرق، منها مرق السمك مع الخضار بنكهة الحار والبارد، ومرق الدجاج مع البطاطس وغيرها من مكونات.
ومن عادات الروهينجا التي تميزهم في السحور تناول الأرز مع الفواكه مثل الموز والمانجو بإضافة رشة ملح ويمكن إضافة السكر أو الماء بحسب الذوق.
الشوتكي
ومن المشروبات الشهيرة للروهينجا “الشوتكي” ويتكون من الحليب مع السكر ورشة ملح وبعض الهيل وورق الغار ويمكن أن يحتوي على الزبيب وجوز الهند إن وجد، يُشرب ساخنا أو باردا بحسب الرغبة والذوق.
ولا يتمكن جميع الروهينجا من توفير احتياجاتهم في شهر رمضان لذلك يلجأ الكثيرون منهم لموائد الإفطار التي تفتحها المؤسسات والجمعيات الخيرية، وهي تسد حاجة ملحة لهم، حيث يتناولون الطعام في تجمعات مخصصة لهذه الموائد أو يحملون وجباتهم المقدمة إليهم إلى منازلهم.
موائد الإفطار
لقطات من عدسة مراسل “وصل” عبد الله لموائد الإفطار في رمضان في مخيمات كوكس بزار، بنغلاديش، الأسبوع الأول من رمضان 1445هـ
تنشط الجمعيات والمؤسسات الخيرية في شهر رمضان لتوفير موائد الإفطار الجماعي للصائمين، فتسد بذلك حاجة ماسة لأهالي المخيمات، وأغلب المساعدات تأتي عن طريق مؤسسات دولية أو تبرعات فردية من المسلمين الذين يتحسسون حاجات إخوانهم المنكوبين.
صور من شاطئ كوس بزار ببنغلاديش
وانتهت رحلة مراسلنا عبد الله في مخيمات كوكس بزار بجولة على شاطئها الجميل والفسيح، حيث يخرج الناس للتنزه ومشاهدة الخيول والرمال والأمواج قبيل وقت المغرب.
تقرير خاص من مراسل “وصل” عبد الله في بنغلاديش، تحرير أسماء محمد الأراكانية.
اطلع على تقريرنا الميداني السابق من مخيمات اللاجئين في كوكس بزار: تقرير ميداني خاص بوصل من مخيم كوكس بزار: كيف حال الأطفال الروهينجا ومدارسهم واحتياجاتهم
اترك تعليقاً