دراسة إماراتية بعنوان “السلفية والتطرف: بحث في أسباب انتشار التشدد الديني”

muslim boy 4525824 640

نضع لكم فيما يلي محتوى دراسة إماراتية نشرها مركز صواب يلخص رؤيتها لمحاربة السلفية والتحذير منها وتقديم توصيات تساهم في الحد منها ودعم غيرها من المذاهب.

ومركز صواب يعرف نفسه على أنه “مؤسسة بحثية رائدة في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف الديني، نؤمن بضرورة مكافحة التطرف من خلال دراسة الدوافع الأساسية التي تقود إلى مستنقع التطرف وفق نهج متكامل وتطوير استراتيجيات وسياسات فقالة لمواجهة هذا الوباء بناءً على البحوث والدراسات تناول أبحاثنا ودراساتنا مجموعة واسعة من القضايا، مع التركيز بصورة خاصة على الجماعات الإرهابية العابرة للحدود وانتشار الفكر المتطرف. كما تطرق دراستنا إلى تأثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية على انتشار التشدد والعوامل النفسية والمعرفية التي تدفع بالأفراد إلى دوامة الإرهاب”.

ملخص تنفيذي

  • السلفية هي منهج من مناهج تفسير الإسلام السني التي تم ربطها بحركة التطرف والإرهاب في عصرنا الحديث، ومع أن الغالبية العظمى من أتباع الفكر السلفي ليسوا متطرفين أو إرهابيين، الا أن بعض المفاهيم السلفية يمكن اعتبارها داعمة لنزعات التطرف والإرهاب، بالإضافة لذلك، تشكل السلفية في بعض الحالات عائق حقيقي امام تحقيق بعض أهداف التنمية الاجتماعية مثل زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل.
  • يختلط على البعض أحياناً التمييز بين السلفية والوهابية، إذ تجمع بينهما عدة أوجه من التشابه، إلا أنهما منهجان متباينان من ناحية التعاليم الدينية والطابع الاجتماعي.
  • لا تزال السلفية تحظى بشعبية كبيرة على الرغم مما يمارسه تنظيم داعش من مغالاة شوهت مظهر السلفية. وبالرغم مما ورد من تفسيرات حتى الآن بشأن استمرار شعبية السلفية، إلا أن هذه التفسيرات ما زالت قاصرة عن كشف السبب المقنع وراء شعبية هذا المنهج، والذي لا يزال يكتنفه الغموض.
  • يشير أحد التفسيرات الأكثر تداولاً أن السلفية تبدو أكثر “أصالة” من غيرها من مناهج تأويل الإسلام، ويناقش هذا البحث حقيقة أنه وبالرغم من إتقان السلفيين للاستشهاد بأدلة من القرآن والسنة لتعزيز الأصالة الظاهرية لتأويلاتهم، فإن تأويلات المسلمين غير السلفيين تستند أيضاً إلى القرآن والسنة وبالتالي فهي لا تقل أصالة عن تأويلات السلفيين، لكن حقيقة الأمر تكمن في أن السلفيين غالبا ما يكونون على استعداد لدعم آرائهم بأدلة توحي بأصالة تأويلاتهم، مع أن السلفية بطبيعتها ليست أكثر أصالة من غيرها من المناهج الأخرى في تأويل تعاليم الإسلام.
  • هناك تفسير آخر قد يوضح أسباب شعبية السلفية ويتمثل ذلك في أن الظروف التي خلقتها العولمة ساهمت في انتشار التيار السلفي، فالأشخاص الذين يعانون من الشعور بعدم الانتماء للدول والمجتمعات التي يعيشون فيها، أو أولئك الذين يعيشون حالة من التشرذم والتناقض وعدم اليقين قد يتبعون السلفية طلباً للسكينة والراحة النفسية. يسعى هذا البحث لبرهنة أن الظروف التي خلقتها العولمة تساهم في ازدياد شعبية الدين بشكل عام، وليس المنهج السلفي على وجه الخصوص، وبذلك يكون التفسير المرتكز على دور العولمة هو الأقل إقناعاً من بين التفسيرات الحالية لاستمرار شعبية السلفية.
  • ومن بين التفاسير الأخرى لهذه الظاهرة أن السلفية توفر إحساساً قوياً بالهوية. وهذا أمر صحيح، يشير هذا التفسير أيضاً إلى اتباع السلفية النمط التقليدي للجماعات الدينية غير المذهبية مستمدة قوتها من الالتزام الصارم بالحدود الدينية ومن التوترات التي تحافظ عليها مع بيئتها المحيطة بالإضافة لما سبق فإن صرامة المطالب التي تفرضها على أعضائها تعمل على استبعاد ضعاف القلوب من صفوفها. وهذا ما يوضحه البحث الحالي من خلال المقارنة بين السلفية وجماعة شهود يهوه، وهي جماعة مسيحية تبدو وكأنها على النقيض تماماً من السلفية من الناحية الدينية، إلا أنها شديدة الشبه بها من الناحية الاجتماعية.
  • التفسير الأخير الذي يتناوله البحث هو تفسير ظرفي (زماني ومكاني) يتمثل في أن السلفيين حين يتاح لهم تمويل أكبر مما تتلقاه الجماعات الدينية الأخرى تتزايد إمكانية وصولهم بشكل أكبر للموارد اللازمة للسماح لهم بتقديم الدعاة السلفيين والخدمات الدينية الأخرى بشكل أكثر فعالية. يشير البحث الحالي أن الظروف المحلية الأخرى قد تكون غاية في الأهمية أيضاً، إلا أنه قد يكون من الصعب معرفتها بوضوح.

التوصيات

  • من الأفضل تقليل الاعتماد على التأويلات السلفية للإسلام، حيث سيقلص ذلك من العوائق التي تعترض أهداف التنمية الاجتماعية مثل تعليم الإناث وتوظيفهن، كما سيساعد على الحد من التعاطف مع التنظيمات المتشددة والمتطرفة.
  • يجب تعزيز حلقات العلم غير السلفية التي تقدم مستوى مماثلاً من التعليم الديني بما يتوافق مع الإجماع الإسلامي المعتدل، لا مع التيار السلفي، حيـث يمثل هذا أحد النهج المتبعة لتقليص الاعتمـاد على التأويلات السلفية.
  • من الأفضل تجنب مهاجمة التعاليم السلفية بصورة مباشرة، لأن ذلك لن يثمر عن نتائج إيجابية، بل على العكس قد يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية.
  • تتمثل الاستراتيجية الأكثر فعالية لتقليل نفوذ السلفيين في تعزيز ما يعرف في علم الاجتماع بـ «التعددية المذهبية». هذا الأسلوب تم تطبيقه مسبقاً في عدة مواقف وسياقات متنوعة. كما يمكن تشجيع مفهوم التعددية المذهبية من خلال تخفيف التوتر بين أصحاب الفكر السلفي وغيرهم من الجماعات ومعاملتهم بطريقة تتوافق وتتجاوب مع معتقداتهم، بل وحتى منحهم بعض المزايا. قد يرى البعض أن هذا الأسلوب غير منطقي لكن التجارب العملية قد أثبتت فعالية التعددية المذهبية في هذا الجانب.

1.0 مقدمة

السلفية هي منهج من مناهج تفسير الإسلام السني بطريقة تتعارض مع الوضع الديني والاجتماعي والسياسي الراهن في البلدان الإسلامية، وتدعم في بعض الأحيان ممارسات العنف المتطرف، حيث كانت السلفية بمثابة مرجع ديني لتنظيم داعش، ونتيجة لذلك، أثنى العنف الذي مارسه هذا التنظيم العديد من المسلمين عن اتباع هذا النهج. وبالرغم من كل ما سبق، لا تزال السلفية تحظى بشعبية بين أوساط المسلمين. يهدف البحث الحالي إلى دراسة الأسباب الكامنة وراء استمرارية هذه الشعبية وتحديد العوامل الفكرية والاجتماعية والسياقية الداعمة لها. وبحسب ما يقدمه هذا البحث، فإن العوامل الأكثر أهمية هي العوامل الاجتماعية، وأحيانا تشاركها العوامل السياقية أيضاً يقدم البحث في ضوء ذلك جملة من التوصيات.

1.1 ماهية السلفية

السلفية هي تيار ديني يشمل مجموعة متنوعة من المنظمات والجماعات ذات الأفكار السلفية حيث تنتشر في الدول ذات الأغلبية المسلمة والتي تشهد تنظيم العديد من حلقات الدراسة السلفية. تتميز هذه الجماعات بالعمل المستقل عن بعضها البعض، لكنها تتحد في اتباع منهج ديني مشترك. لذلك، تحديد ما إذا كانت جماعة أو شخص معين ينتمي للتيار السلفي يتطلب معرفة دينية عميقة وبعض الخبرة التقنية في هذا المجال. يميل البعض لتبسيط تعريف السلفية من خلال ربط الفكر السلفي بالمنهج الوهابي، لكن وعلى الرغم من أن السلفية والوهابية تتشاركان في بعض الأفكار والمبادئ من ناحية المنهج الديني، إلا أن هناك اختلافات واضحة وكبيرة فيما بينهما كما سيتبين لاحقاً في هذا البحث، لا سيما من الناحية الاجتماعية.

يرتكز الإسلام في نظر أهل السنة والجماعة على مصدري تشريع لا ثالث لهما، وهما القرآن والسنة المتواترة التي تتضمن أقوال وأفعال النبي محمد، لكن نظراً لصعوبة فهم بعض آيات القرآن والأحاديث كما وردت أحياناً، فلا بد من تأويلها، وهذا التأويل ليس بالأمر السهل في بعض الأحيان، وعندما يتفق العلماء على التأويل الصحيح للمسألة الخلافية يسمى هذا بالإجماع، ولكن قد يكون هناك أكثر من رأي وإجماع حيال التأويل الصحيح للمسألة المختلف فيها، فيصبح السؤال الذي يطرح نفسه حينها هو أي إجماع ذلك الذي ينبغي اعتماده، بينما يجيب معظم المسلمين عن هذا السؤال بإجابة معينة، يقدم السلفيون نظرة مغايرة، وهذا ما يميز السلفية كحركة دينية عن الإسلام المعتدل.

ويلقى الإجماع الذي توصل إليه علماء الدين خلال القرنين التاسع والعاشر للميلاد قبولاً واسعاً بين معظم أهل السنة من المسلمين، وقد جاء هذا الإجماع على شكل أربعة صيغ تميزها عن بعضها البعض اختلافات طفيفة، وتعرف هذه الصيغ بـ المذاهب.

ويمكن ترجمة المذاهب عادةً على أنها «مدارس» لكنها في الحقيقة أقرب ما تكون للمناهج، وتجدر الإشارة هنا أن جميع هذه المذاهب الأربعة تعتبر بعضها البعض متساوية من الناحية الشرعية على الرغم من وجود بعض الاختلافات (الطفيفة نسبيا)، هذه الاختلافات لا تعني أن بعضها مخطئ والبعض الآخر مصيب، بل إنها تفسر على أنها رحمة بالمسلمين كما ورد في الحديث المنسوب للنبي محمد والذي كثيراً ما يستشهد به في هذا السياق «اختلاف أصحابي لكم رحمة»، وعادة ما يتبع المسلمون مذهباً معيناً وهو في الغالب المذهب السائد في المنطقة التي نشأوا فيها.

التقاط 1

أما السلفيون، فلا يقبلون بالإجماع الذي جاءت به المذاهب، ويتبعون بدلاً من ذلك الإجماع الذي توصلت إليه الأجيال الثلاثة الأولى من المسلمين خلال القرنين السابع والثامن للميلاد، وتعرف هذه الأجيال الثلاثة مجتمعة باسم «السلف» أو «الأجيال السابقة»، ولهذا يسمى السلفيون بهذا الاسم.

ويعتبر العالم السوري المنحدر من أصل ألباني، محمـد ناصر الدين الألباني، الذي توفي عام 1999، من أبرز علماء السلفية في العصر الحديث، والذي انتقد المسلمين الذين يتبعون المذاهب بدلاً من السلف بقوله: «يمر أحدهم عن دليل من القرآن والسنة يدعم مذهباً آخر غيـر الذي يتبعه، فيتجاهل هذا الدليل لمجرد كونه مخالفاً لما ورد في المذهب الذي يتبعه، وكأن مذهبه هو الأصل الثابت أو أنه هو الدين الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم في حين أن المذاهب الأخرى هـي ديانات مستقلة منسوخة عن مذهبه.»

يرى الألباني أن المسلمين غير السلفيين ينظرون للمذاهب الأخرى كما لو أنها ديانات مستقلة منسوخة تماماً كما ينظر المسلمين للإسلام والمسيحية، فيرى المسلمين أن المسيحية كانت ديناً مقبولاً حتى بزوغ الإسلام الذي حلّ مكانها (نسخها).

ووفقاً للفكر السلفي، يعتبر المسلمون أتباع المذاهب الأخرى في منزلة من يتبع ديناً مستقلاً وليسوا في الواقع من أتباع الدين الحقيقي، فالمسلمين الحقيقيين من وجهة نظرهم هم من يتخذون القرآن والسنة وإجماع السلف مرجعاً وحيداً لهم.

وفي بعض الأحيان، يعتقد أن السلفيين يتخذون القرآن والحديث مرجعين وحيدين، ولا يعترفون بأي من التأويلات المقدمة، إلا أن هذا الاعتقاد خاطئ بل مستحيل نظراً لكون بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية صعبة الفهم والتأويل والسلفيون كغيرهم من المسلمين يتبعون الأمر القرآني {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (سورة الأنبياء الآية 7 وسورة النحل الآية (43).

ويُلاحظ قيام السلفيين بدعم تأويلاتهـم بدليـل مـن الـقرآن والحديث متى ما أمكن ذلك، ولا يقدمون أي تأويل إضافي يتجاوز حدود نص الدليل، إلا أن ذلك قد لا يكون ممكناً في بعض المسائل، فعلـى حـد تعبيـر الألباني، «ليس لكل مسألة دليل صريح يمكن تقديمه بالتفصيل الذي يمكن لكل مسلم أن يفهمه، سواء كان من عامة المسلمين أم طالب علم».

ويترافق مع رفض السلفيين للمذاهب الأخرى اتباعهم نهجا في غاية الصرامة في التحقق من صحة الأحاديث فبينما لا يوجد سوى رواية واحدة من القرآن، إلا أن الأحاديث قد وردت بعدة روايات، ومن المتفق عليه عموما أنه ليست كل روايات الأحاديث دقيقة وموثوقة، ومن هنا تأتي الحاجة إلى التحقق من صحتها.

ويتبع السلفيون رأي الألباني القاضي بأن إجماع المذاهب يبنى أحياناً على الأحاديث التي نسبها علماء العصور الوسطى إلى النبي دون أي إسناد حقيقي، وقد أورد الألباني أمثلة على هذه الأحاديث في كتابه «صفة صلاة النبي»، فمن بين الأحاديث التي يقول إنها باطلة العبارة الشهيرة المذكورة سابقاً «اختلاف أصحابي لكم رحمة»، إذ يشير الألباني أن هذا الحديث لم يرد بصورة موثقة في أي من كتب الحديث الرئيسية.

إن رفض المذاهب الأخرى واعتماد نهج صارم للتحقق من صحة الأحاديث من أبرز ما يميز التيار السلفي، حيث يؤدي هذا النهج أحياناً إلى الوصول لاستنتاجات قد تخالف إجماع ما يقبله المسلمون غير السلفيين، ومن بينها استنتاج مفاده أنه لا ينبغي للمسلمين خلع أحذيتهم عند تأدية الصلاة، ففي وقت حسمت فيه المذاهب مسألة وجوب خلع الحذاء، وهذا ما يفعله كافة مسلمي العالم تقريباً منذ أكثر من ألف عام حتى أنه يصعب اليوم تخيل مسجد لا يحتوي على رفوف للأحذية، الا أن السلفيون ممن يتبعون رأي الألباني يصلّون دون خلع أحذيتهم، وتعد هذه إحدى أسهل الطرق للتعرف عليهم.

جدير بالذكر هنا أن هذه القضية ليست مجرد سعي من السلفيين لمخالفة أتباع المذاهب الأخرى، على الرغم من أن هذا ما تبدو عليه الصورة لكثير من المسلمين، بدليل وجود العديد من الأحاديث التي تفيد بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد صلى منتعلاً حذائه أحياناً وحافياً أحياناً أخرى، وقد قيل أن الصلاة دون الحذاء لم تصبح ممارسة سائدة إلا في وقت لاحق ولأسباب بعيدة كل البعد عن الاختلافات المنهجية، ومن بين تلك الأسباب ما جرت عليه العادة من فرش أرضية المساجد بالسجاد وبهذا يظهر أن المبادئ والأفكار التي يتبعها السلفيون ليست بالضرورة منافية للحق.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن السلفية المعاصرة ليست صنيعة الألباني ،وحده، بل كانت هنالك مناهج مماثلة وذات صلة بمنهجه متبعة في أزمنة وأماكن أخرى، ومن أبرز من اتبعها العالم تقي الدين بن تيمية، الذي كان استاذا لعلوم الدين في القرنين الثالث عشر والرابع عشر للميلاد، وكان يرى أنه يجب العودة دائما إلى النصوص الدينية الأصلية بدلا من اتباع المذاهب.

وبناء على هذا الرأي، قام بمناهضة مجموعة من الممارسات الدينية التي لم يجد لها أي عقوبة مثل زيارة القبور، ونظراً لكون هذه الممارسات محببة لدى معظم المسلمين، تم رفض حملات المناهضة التي قادها ابن تيمية و الأساس الديني الذي يستند عليه، بل واعتقل ابن تيمية على إثر ذلك.

OIP 4

تأثر الألباني بأفكار العالم الإسلامي السوري رشيد رضا الذي كان مقيماً في مصر وتوفي عام 1935 حيث نُعت أتباعه بالسلفيين أيضاً.

وقد تأثر الألباني بأفكار ابن تيمية، وكذلك بأفكار الوهابية (وهي حركة إسلامية سنية تستند إلى تعاليم الشيخ الحنبلي محمد بن عبد الوهاب الذي عاش في القرن الثامن عشر للميلاد)، كما تأثر بالتعديلات التي طرأت على نظريات ابن تيمية من قبل حركة «أهل الحديث» التي ظهرت في الهند في القرن التاسع عشر. واستلهم الألباني من أفكار العالم الإسلامي السوري رشيد رضا الذي كان مقيماً في مصر وتوفي عام 1935، وكان أتباعه يسمون أيضاً بالسلفيين مع أن منهجهم السلفي كان مختلفاً تماماً عن المنهج السلفي لأتباع الألباني، ولا ينبغي الخلط بينهما.

ومن النادر أن يعتمد السلفيون علناً على أفكار رشيد رضا، لكنهم يستشهدون بأفكار ابن تيمية وعبد العزيز بن باز الذي توفي عام 1999 وكان أحد كبار المشايخ الوهابيين في القرن العشرين، ولعل هذا من أبرز الأسباب التي تجعل السلفيين يتبعون أحيانا التأويلات ذاتها التي يتبعها الوهابيون على الرغم من اختلافهم معهم من ناحية الآراء الدينية في جوانب أخرى.

1.2 السلفية والجهاد

إن رفض السلفية للمذاهب الأخرى واتباعهم نهجاً صارماً في التحقق من صحة الأحاديث لا يشكل مسألة خلافية فقط، بل تحدياً للنظم القائمة، وأي تغيير في الوضع الراهن مهما كان سببه يمكن أن يتسبب في نشوب صراع. وتتفاقم الأمور وتتحول إلى مشكلة كبرى عندما تتناول التأويلات السلفية هيكليات الدولة الحديثة وأنظمتها.

في هذا السياق، يقبل معظم المسلمين – كما هو الحال مع غيرهم من شعوب عالمنا اليوم – الهيكليات والأنظمة الحالية التي أصبحت سائدة ومتبعة بشكل واسع. لذلك، تطبيق المبادئ المستمدة من القرآن والحديث كما فسرها السلف على أي دولة حديثة قد لا يلاقي تأييداً من شعبها بالمطلق، إذ تختلف الدول الحديثة في نواح كثيرة عن نظام الدول الذي كان سائداً في شبه الجزيرة العربية في القرن الثامن، كما يختلف العالم الحديث جذرياً عما كانت عليه شبه الجزيرة العربية حينها، وقد اقتضت الحاجة تغيير هيكليات الدولة الإسلامية ونظمها منذ ذلك الحين وحتى الآن لتتكيف مع ما طرأ من تغيرات عبر الزمن.

لكن تجدر الإشارة هنا إلى وجود سيناريوهين محتملين لتطبيق المعايير السلفية على الدول الحديثة، الأول يتمثل في قبول أي حكومة يعيش الشعب في ظلها مع احترام قراراتها دون تشكيك، وذلك وفقاً للأمر القرآني الذي يتبعه بعض السلفيين والمتضمن في قوله تعالى: {أطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنكُمْ} (سورة النساء الآية 59) ويطلق على أصحاب هذا الرأي أحياناً اسم السلفيين «الأصوليين» أو «الموالين».

بينما ترى طائفة أخرى من السلفيين أن هذا الأمر القرآني يجب أن يتبع على ضوء الحديث النبوي الذي يقضي بأنه «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق». ويطلق على هذا النهج أحيانا اسم السلفية «الناشطة» أو «الحركية» والتي تؤدي بدورها إلى نتيجتين محتملتين. تتمثل أولاهما برفض الدولة باعتبارها لا تتمتع بالشرعية من الناحية الإسلامية والانخراط في الجهاد ضدها، بينما النتيجة الأخرى تتمثل بالامتناع عن الجهاد ضدها على اعتبار أنه سيفشل بالإطاحة بها، وذلك لأن الجهاد لا يعد واجباً حين يكون من غير المرجح أن يؤدي غرضه.

وتجدر الإشارة هنا إلى وجود أمثلة حية على هذه السيناريوهات بين السلفيين الأردنيين والمصريين الذين تمت مقابلتهم ضمن دراستين حديثتين أجراهما باحثون غربيون.

ومع أن السلفية قد لا تؤدي بالضرورة إلى ارتكاب أعمال عنف مسلح، إلا أنها قد تقود إلى ذلك في بعض الأحيان و أبرز مثال على ذلك تنظيم (داعش)، لكن لا بد من القول بأن هناك العديد من العوامل غير المرتبطة بالدين كانت وراء ظهور تنظيم داعش وما يرتكبه من أفعال، فالعوامل الدينية والأيديولوجية لا يمكنها التسبب في أي شيء بمفردها، وغالباً ما تكون العوامل الأخرى المرافقة لذلك أكثر أهمية لدرجة أنها قد تلفي العوامل الدينية والأيديولوجيّة، وحينها يتصرف الأفراد والجماعات بطرق لا تجيزها لهم معاييرهم ومعتقداتهم.

وفي الواقع، يكون معظم الناس أكثر سعادة بانتقاد نظام الحكم بالكلام بدلاً من حمل السلاح. لكن وعلى الرغم مما سبق يمكن للسلفية دوناً عن غيرها من المذاهب أن تساهم في ظهور العنف المتطرف، وهذا ما يجعل منها تهديداً أمنياً، وحتى عندما لا تساهم السلفية في ظهور العنف المتطرف، فإنها قد تشكل عقبة أمام بعض الأهداف التنموية فعلى سبيل المثال. عندما تحاول الدول تحسين تعليم الإناث وتشجيع توظيفهن. لا يلقى ذلك أي دعم من السلفية.

1.3 اللغز المحير

تحولت بعض الأفكار السلفية إلى النهج الديني المفضل لاثنتين من أبرز الجماعات الإرهابية في القرن العشرين. وهما تنظيمي داعش والقاعدة، حيث ساهمت بشكل مباشر في دعم حملاتهم الإرهابية، ونظراً لكره معظم المسلمين لكلا التنظيمين لما تسببا به من أضرار بالغة ووفيات كثيرة، إلى جانب الأساليب الوحشية التي اتبعوها وما جلبوه من دمار، فشل تنظيمي القاعدة وداعش في تحسين صورة للسلفية، بل أدت أفعال التنظيمين إلى إيقاد نار العداء للسلفية من جانب العديد من المسلمين الذين لطالما كانوا محايدين في هذا السياق.

ومع ذلك، تستمر السلفية بشكل مثير للحيرة في جذب أنظار كثيرين، وربما ما زالت شعبيتها ثابتة كما كانت في أزهى عصورها فلا يقتصر ذلك على العالم العربي. بل امتدت شعبيتها إلى الخارج، خصوصا في أوروبا، مما يطرح تساؤلات معقدة تسعى هذه الدراسة إلى استجلائها.

2.0 ما وراء شعبية السلفية

قدم العلماء والمحللون عدة تفسيرات فكرية واجتماعية في إطار السعي لتفسير ما تحظى به السلفية من شعبية كبيرة، وكان التفسير الفكري الأبرز يعزو الشعبية المتنامية إلى ما تبدو عليه السلفية من أصالة واضحة، أما التفسير الاجتماعي الرئيسي فيكمن فيما تمنحه السلفية لأتباعها من شعور قوي بالهوية والانتماء وكما يقول الباحث الأسترالي ريحان إسماعيل: «يمكن تفسير الشعبية التي تحظى بها السلفية من خلال فهم أصالتها المزعومة. والتي تقوم على فكرة إنشاء هوية إسلامية محددة ومحصنة بالنقاء الديني والشرعية. إن ما يعزز هذه الهوية هو الرفض العدواني لدى السلفيين للمفاهيم والممارسات الدينية الأخرى واعتبارهم لها أنها فاسدة ويخالطها الشك».

وما بين هذا التفسير وذاك هنالك تفسير آخر يشير إليه بعض العلماء، يقضي بأن الظروف التي خلقتها العولمة لعبت دوراً في رواج شعبية السلفية أيضاً، بينما نوه بعض العلماء إلى أهمية الظروف المحيطة، وخاصة توزيع التمويل. سيتعمق هذا البحث في دراسة كل من هذه التفاسير على حدى وسينتهي بخلاصة مفادها أنه وبالرغم من أن العوامل الفكرية قد تكون مهمة، إلا أن الأهمية الحقيقية تكمن في العوامل الاجتماعية، وأحياناً في الظروف المحيطة.

2.1 التفسيرات الفكرية

تتضمن احدى التفسيرات الأكثر تداولاً فيما يتعلق بجاذبية السلفية وشعبيتها أنها تبدو وكأنها تقدم نسخة «أصلية» من الإسلام، ومما لا شك فيه أن الممارسة السلفية المتمثلة بتقديم الأدلة من القرآن والسنة تعزز سمة الأصالة الظاهرية لتعاليمهم. وفي هذا السياق، أخبر شاب سلفي مصري الباحث السويدي أمين بوليارفيتش عن الخلافات الواقعة بينه وبين والديه (غير السلفيين) قائلاً: «أنا أخبر والدي إنني أستطيع تقديم أدلة من آيات القرآن والأحاديث الصحيحة على صحة معتقداتي الدينية إلا إنهم يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم بدلاً مما كان عليه السلف».

وخلص بوليارفيتش إلى أن هذا النهج الديني يتسم بالالتزام الشديد بحرفية النصوص الدينية، على عكس التأويلات الأكثر واقعية وتحليلاً لتلك النصوص».

وعلى نحو مماثل، قال شبّان سلفيون في بريطانيا من أبناء المهاجرين خلال حديثهم مع الباحث والناشط البريطاني صادق حامد أن المفاهيم السلفية «نقية» على عكس «الإسلام الثقافي» الذي يروج له آباؤهم والجيل الذي سبقهم من رجالات الإسلام ويمارسونها في المملكة المتحدة التي كانوا يشعرون فيها بحالة من عدم الانتماء. ومفهوم «الإسلام الثقافي» هنا يشبه إلى حد بعيد مفهوم « ما وجدوا عليه آباءهم»، والذي رفضه الشاب السلفي الذي قابله الباحث بوليارفيتش.

غني عن القول أن إتقان السلفيين للاستشهاد بأدلة من القرآن والحديث يعزز الأصالة الظاهرة لتعاليمهم، لكن يجب أن ندرك هنا ضرورة عدم المبالغة بتقييم رواية السلفيين بناء على ظاهرها فقط، فالسلفيون يقارنون تأويلاتهم الخاصة التي يؤمنون بأصالتها بتأويلات المسلمين غير السلفيين الذين يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم وما جاءت به المذاهب ويتبنون ما يسميها بوليارفيتش «التأويلات الواقعية والتحليلية».

وهذا لا يعني أن علماء الدين الذين يتبعون المذاهب لا يتبعون القرآن والسنة النبوية أيضاً، بل على العكس من ذلك، فهم يستشهدون بهما دائماً، ويعتبرون تأويلاتهم صحيحة وتتسم بالأصالة أيضاً وهم من الناحية الموضوعية على حق في ذلك.

ومما لا شك فيه أن علماء الدين غير السلفيين لربما سبق وأن قدموا تأويلات تتسم بالبراغماتية نوعاً ما، لكن هذا الأمر وارد الحدوث في كافة التأويلات، حتى السلفية منها. ولا تعد تأويلات العلماء غير السلفيين بأي حال من الأحوال أقل أصالة من تفسيرات السلفيين، ولا أقل ثبوتاً من ناحية الأدلّة، وهذا يقودنا إلى فهم أن الصراع بين الشاب السلفي الذي قابله بوليارفيتش ووالديه لم يكن مجرد خلاف بين الابن المطلع على تعاليم دينه والملتزم بها ووالديه غير المطلعين عليها، بل كان خلافاً بين شاب درس دينه باجتهاد ووالديه اللذين لم يفعلا ذلك على الأرجح، ولم يكونا قادرين على إثبات أصالة التأويلات المذهبية التي يتبعانها، على الرغم من أن ذلك لا يعني بالضرورة أن هذه التأويلات أقل أصالة مما يتبعه ابنهما.

وعادة ما يستغرق السلفيون وقتهم في حضور حلقات العلم السلفية، وقد يجعلهم ما يتدارسونه فيها أكثر استعداداً وقدرة على سوق الأدلة التي تبدو أصيلة من القرآن والسنة، لكن هذا لا يعني أن السلفية بطبيعتها أكثر أصالة من تأويلات الإسلام الأخرى.

ومع أن هناك أمثلة واقعية لعلماء دين غير سلفيين يأخذون بأحاديث ضعيفة مثل الحديث الذي يقول «اختلاف أصحابي لكم رحمة»، إلا أن معظم العلماء غير السلفيين حريصون أيضاً بقدر حرص السلفيين أنفسهم على صحة ما يستشهدون به من أحاديث، جدير بالذكر هنا أن العلماء السلفيين أيضاً قد يبنون حججهم في بعض الأحيان على أحاديث ضعيفة.

في المقابل، ارتأى باحثون آخرون أن السر وراء جاذبية التأويلات السلفية يكمن في بساطتها وفي كونها نتاج ما يسميه الباحث الأمريكي برنارد هيكل «النسخة المختصرة من التأويل «القانوني» للسلفية. وعلى حد تعبير الباحث الهولندي يواس ويجميكرز، فإن «السلفية بسيطة للغاية، ففي الفكر السلفي هنالك إجابة لكل سؤال يطرح، وهذه الإجابات متاحة في متناول جميع المسلمين. في حين كان العلم الشرعي في العالم الإسلامي التقليدي حكراً على النخبة من المتفقهين في الدين، يطمح السلفيون إلى جعل هذا العلم متاحا العموم الناس. وقد تكون السلفية تسعى بالفعل لإتاحة العلم الشرعي للجميع، أو على الأقل لمن يحضرون حلقات العلم التي يقيمونها، وقد يسوقون أدلة تبدو بسيطة من القرآن والأحاديث، إلا أن تأويلات السلفية ليست دائما أبسط من تأويلات غيرها، فبحسب ما ذكره الألباني «ليس لكل مسألة دليل صريح يمكن تقديمه بالتفصيل الذي يسهل على كل مسلم فهمه»، حيث أضاف الألباني أنه من الضروري في بعض الأحيان استخدام «معرفة العام والخاص والمقيد والمطلق والناسخ والمنسوخ». وتعد هذه المفاهيم بعضاً من المبادئ التقنية الرئيسية المتبعة في تأويل القرآن، وهي مهارات تتطلب معرفة عميقة وخبرة طويلة. وتشير الأبحاث، مثل تلك التي قام بها ريتشارد غوفان حول مجالس العلم في القاهرة إلى أن المناقشات في الجلسات السلفية تكون معقدة ومفصلة، وهو ما يتعارض مع مفهوم البساطة الذي قد يتصوره البعض. إن الجاذبية التي قد تتميز بها الدروس السلفية لا تنبع حقيقة من البساطة، بل ربما من التعقيد والعمق في بحث الأصول الدينية. ففي دراسة أجراها الباحث الأردني محمد أبو رمان تبيّن له من خلال مقابلة ثلة من السلفيين الأردنيين (الذين ارتبط كثير منهم بحركات إسلامية أخرى مثل الإخوان المسلمين أو جماعة التبليغ) أن ما يميز السلفية في نظرهم هو التركيز على ضرورة طلب العلم، وهو الأمر الذي يحتل مكانة عالية في الإسلام والمجتمعات الحديثة بحسب ما أشار إليه أبو رمان. هذا يعني أن السلفيين الأردنيين الذين تمت مقابلتهم أرادوا التعمّق في العلم وليس الوقوف على ضفاف بساطته فقط وهنا يمكن القول أن الأصالة الظاهرية التي تتسم بها السلفية، وبساطتها أحياناً، قد تساهم في إكسابها المزيد من الشعبية والجاذبية. بيد أن هذه الخصائص لا تقتصر فقط على السلفية وحدها، فالجماعات الإسلامية الأخرى كذلك تستند إلى النصوص الدينية (القرآن والسنة) في تأويلاتها. ومع ذلك، يتخذ السلفيون من حلقات العلم منصة لتعلم كيفية صياغة تأويلاتهم وتقديمها بطريقة مقنعة.

2.2 العولمة

يشير العديد من العلماء في سياق تفسير أسباب شعبية السلفية إلى جانبين مهمين من جوانب العولمة، وأبرز هؤلاء العلماء عالم السياسة الفرنسي الشهير أوليفييه روي، والذي يرى السلفية على أنها دين منزوع الثقافة يخلو من الطابع الإقليمي، مما يجعلها مناسبة لعالم يتسم بالعولمة. ويؤيده في رأيه باحث فرنسي آخر. وهو محمد علي أدراوي، والذي يفسر انجذاب الشباب الفرنسي المسلم نحو السلفية يأتي من منظور عزلتهم عن التيار المجتمعي السائد في فرنسا.

ومن وجهة نظر أدراوي، فإن السلفية تبرر شعور العزلة الموجود أساساً لدى هؤلاء الشباب وتوفر لهم محيطاً اجتماعياً بديلاً يمكن للسلفي من خلال انتمائه له أن ينظر بازدراء إلى كل من كانوا يرفضونه سابقاً. لكن تجدر الإشارة هنا إلى أن ما ينطبق على واقع المسلمين في أوروبا قد لا ينطبق بالضرورة على المسلمين في أماكن أخرى، لاسيما غير المهاجرين، الذين يشكلون جزءاً من الأغلبية، لا من الأقليات. ومع ذلك، يرى روي أن شعور المسلمين بإنهم أقلية دينية لا يحتاج فعلاً أن يكونوا أقلية ديموغرافية ليتملكهم ذلك الشعور، بل يمكن أن يكون ناتجا عن الأثر الثقافي والاقتصادي للعولمة الغربية على بلدان ومجتمعات العالم الإسلامي. ونتيجة لذلك، يشعر «العديد من المسلمين بأنهم أقلية في بلدهم المسلم».

بالإضافة إلى ذلك، يمكن القول أنه تماما مثلما يشعر المسلمون في أوروبا بالغربة عن الدول والمجتمعات غير الإسلامية التي يعيشون فيها، فإن المسلمين في العديد من البلدان الإسلامية يشعرون أيضًا بالغربة عن دولهم ومجتمعاتهم. هذا الشعور يتفق نسبيا مع ما أكد عليه بعض السلفيين المصريين الذين التقى بهم الباحث، حيث أشاروا إلى أنهم اعتنقوا السلفية نتيجة لاعتقادهم بأنها السبيل الوحيد لإصلاح ما اعتبروه أمراضاً اجتماعية مستفحلة.

أضف إلى ذلك أنه ليس من الضروري فعلياً أن يكون الشخص من سليل المهاجرين حتى يشعر بالعزلة والاغتراب في العالم الحديث، فكما أشار الباحثان جاكوب غول وميلو كومرفورد من معهد الحوار الاستراتيجي، وهو مركز بحثي مرموق فإن رحلة البحث عن الهوية والانتماء في المجتمعات الحديثة التي تتسم بالتشتت والتناقض والشك يمكن أن تكون شاقة على الباحثين عن الإرشاد وتحقيق الاستقرار.

وفي هذا السياق، يمكن أن تكون الإجابات البسيطة والمباشرة التي لا لبس فيها والتي تقدمها السلفية لإرشاد هؤلاء الشباب إجابات مقنعة، بل جذابة للغاية».

ويضيف الباحثان: أصبحت السلفية ثقافة مضادة تسمح للشباب بتجاوز الأعراف الاجتماعية والتمرد على التيار المجتمعي السائد».

ونذكر هنا مرة أخرى أن الشباب المسلمين الأوروبيين يعانون باستمرار من الشعور بعدم الانتماء للتيار المجتمعي السائد، مما يزيد من جاذبية الثقافات المضادة لهذا التيار في نفوسهم، وعلى نفس المنوال، قد تعتري الشباب في العالم الإسلامي أيضاً مشاعر التشتت والتناقض وعدم الاستقرار والشك.

ويتفق الباحث محمد أبو رمان مع ما ذهب إليه الباحثان غول وكومرفورد، حيث يستشهد بآراء الباحث والمفكر الإيراني من الجيل السابق، داريوش شايفان، الذي قال قبل 30 عاماً بأن الهوية الدينية كانت أحد المقومات التي أدت لانطلاق الثورة الإسلامية في إيران باعتبارها «آلية دفاعية في وجه العولمة والتحديات التي تفرضها الحداثة وضغوط العالم الحديث».

وبهذا نجد أن شايفان في كلامه عن إيران خلال سبعينيات القرن العشرين كان يطرح الرأي ذاته الذي يطرحه غول وكو مرفورد حول العالم العربي اليوم. وبالرغم من التشابه بين التحديات التي واجهها الشباب الإيراني المسلم خلال سبعينيات القرن الماضي والشباب العربي المسلم اليوم، إلا أن كلا منهم قد اتبع نهجا مختلفا عن الآخر في مواجهة تلك التحديات، فنجد أن الشباب الإيراني في السبعينيات لم يتبنوا الفكر السلفي، فهم لم يكونوا من أهل السنة، بل تحولوا إلى نهج الإسلاموية الاشتراكية بزعامة المفكر علي شريعتي والإسلاموية العلمية بزعامة آية الله روح الله الخميني، وكلا النهجين كانا على النقيض تماماً من السلفية.

وهنا نجد أن العولمة وما يصاحبها من شكوك لدى البعض قد تشكل تفسيراً لتزايد شعبية الدين بشكل عام. لكنها لا تصلح تفسيراً لتصاعد شعبية نهج معين من مناهج الدين دون غيره. ويجب الإشارة هنا إلى أن مشاعر التناقض وعدم الاستقرار والشكوك تمثل أسباب كافية تصرف الناس بعيداً عن الدين، وفي بعض الأحيان تهوي بهم في مستنقع الجريمة والإدمان، بينما يمكن للدين أن يكون طوق النجاة الذي ينقذهم من الفرق في وحل الجريمة والمخدرات. ومن هذا المنطلق، يظهر أن العولمة لا تعد العامل الأكثر إقناعاً في تفسير الانتشار المتواصل للفكر السلفي.

وقد يرجع الإقبال على هذا التفسير، إلى حد ما، لإيمان العلماء والمحللين أن العالم من حولنا يتغير بسرعة كبيرة ما يسبب بعض التناقضات وحالة عدم الاستقرار، الأمر الذي قد يحدو بالبعض إلى التمسك بالدين بصورة أكبر وأشد.

2.3 الهوية

تتفق التفسيرات الحالية للأسباب الكامنة وراء شعبية السلفية على أن الانضمام للتيار السلفي يولد شعوراً قوياً بالهوية والانتماء، فالسلفي يكون على أرض الواقع جزءاً من مجموعة اجتماعية نواتها الأساسية حلقة علم. وبحسب ما خلص إليه بوليارفيتش، فإن تصاعد السلفية هو ظاهرة اجتماعية بامتياز».

نعتقد في هذا البحث أن بولياريفيتش كان محقا، حيث تتشابه العوامل الاجتماعية التي تشكل الهوية السلفية القوية مع الآليات المطروحة في الأبحاث السابقة التي تشرح أسباب شعبية الجماعات الدينية المماثلة في سياقات مختلفة. فعلى سبيل المثال، يمكن مقارنة السلفية بطائفة شهود يهوه وهي مجموعة مسيحية نشأت في البداية في الولايات المتحدة لكن ينتشر أتباعها الآن في مختلف أنحاء العالم المسيحي.

توضح هذه المقارنة كيفية استفادة السلفية من العوامل الاجتماعية أيضًا. فالهوية السلفية العامة بحسب ما وصفها البعض هي هوية المسلم الحقيقي، وهي أيضا هوية الأقلية الصالحة وهوية «الفرقة الناجية» التي لن تلقى عذاب جهنم في الآخرة بحسب ما ورد عن النبي محمد: « افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة. وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة».

كما يُستشهد عادة بحديث النبي محمد: «بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً، فطوبى للغرباء»، حيث يرى السلفيون أنفسهم على أنهم الغرباء المقصودون بهذا الحديث. وهذا بحسب ما يرى هيكل يمنحهم شعوراً قوياً بالهوية والانتماء، وهذه الهوية تعد مثالية لصنف معين من
الجماعات.

يصنف علماء الاجتماع الكيانات الدينية إلى نوعين، «الجماعات الدينية المذهبية » « والجماعات الدينية غير المذهبية»، وعليه، فإن فكرة هوية «الفرقة الناجية» أو «الغرباء» تنطبق على الجماعات الدينية غير المذهبية. فمثلاً، يعتقد شهود يهوه أنه لن ينجو من جهنم سوى «فئة قليلة»، وهم منها حسب إيمانهم. جدير بالذكر هنا أن ما يميز الجماعة الدينية غير المذهبية يتعدى حدود الهوية، بل هناك الكثير مما يميزها.

فمن الناحية الاجتماعية، يطلق مفهوم المذهبية على أي جماعة دينية ذات منهج مشترك، مثل الإسلام السني الذي يعد المنهج السائد في معظم البلدان ذات الأغلبية المسلمة، ويطلق أيضاً على معتنقي مذهب معين من الإسلام السني، مثل الوهابية في المملكة العربية السعودية.

فعلى سبيل المثال، أن يكون المرء مسلماً سنياً في الأردن أو وهابياً في السعودية أمر طبيعي ولا يرى فيه أي إشكالية لأن الأغلبية سنية، لكن أن يكون سنياً في بعض البلدان كإيران مثلا قد يكون الأمر صعباً أو مختلفاً بعض الشيء كون الأغلبية هناك هي الطائفة الشيعية. بينما في إسرائيل الطائفة اليهودية، وفي اليونان الأرثوذكسية الشرقية وفي أمريكا المسيحية العامة.

وعادة ما ينتمي معظم الناس إلى الطائفة التي ولدوا فيها، ولا يتطلب الحفاظ على انتمائهم لها أي جهد أو تصميم كبير منهم، وفي بعض الحالات قد لا يترتب على هذا الانتماء الكثير من مظاهر المشاركة الدينية أو المذهبية فبعض المسلمين السنة، على سبيل المثال، لا يقومون بأي ممارسات دينية واضحة سوى في شهر رمضان.

وفي معظم الحالات، لا تمثل الطائفة التي ينتمي إليها الناس مصدراً قوياً للهوية فمعظم الأردنيين غير مدركين بالضرورة انهم سنيين ما لم يسافروا إلى إيران التي يغلب عليها الانتماء للمذهب الشيعي ويروا الاختلاف الواضح في الممارسات الدينية السائدة هناك.

إن الجماعات التي تصنف في هذا البحث تحت مسمى جماعة دينية غير مذهبية هي فعلياً لا تشكل طائفة بحد ذاتها، يعني ذلك أن أي فرد لا ينتسب إلى المذهب الرئيسي في مكان إقامته لا يعتبر سوى فقط فردا من أفراد الجماعات الدينية غير المذهبية.

على سبيل المثال، المسلم السنّي المقيم في إيران أو اليهودي المقيم في اليونان يتمتعان بانتماء ديني إلى طوائف مختلفة تسود في أماكن أخرى، وبالتالي المسلم السنّي الإيراني قد يصبح عضوا في المذهب السني إذا انتقل إلى الأردن، وهذا ينطبق أيضًا على اليهودي اليوناني إذا قرر السفر إلى إسرائيل، لكن هناك بعض الجماعات الدينية غير المذهبية كشهود يهوه والسلفية لا تنتمي إلى طائفة سائدة في أي مكان بالعالم.

وهنا نرى اختلاف كبير بين الجماعات الدينية غير المذهبية والجماعات المذهبية السائدة، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى نشوب توترات كبيرة قد تكون سبباً في حدوث بعض النزاعات بين الأقليات والأغلبية التي تمثلها الطائفة السائدة، وتشكل هذه التوترات نوعا من التحديات للجماعة الدينية غير المذهبية وأعضائها، لكنها في الوقت ذاته تمثل مصدراً مهماً لقوتها. وبالرغم من أن بعض الأشخاص قدر لهم أن يولدوا ضمن جماعات دينية غير مذهبية إلا أن غالبية أفرادها يدخلونها طواعية من خلال تغيير معتقداتهم حيث يتطلب منهم البقاء في الجماعة جهداً وتصميماً ومشاركة وهذا ما يشكل الركيزة الأساسية في تشكيل هوية الأفراد المنتسبين إلى جماعة دينية غير مذهبية.

إن المصطلح الديني الدقيق للإشارة إلى «الجماعة الدينية غير المذهبية » هو «فرقة»، إلا أنه قد ينجم عن استخدام هذا المصطلح تبعات سلبية، لذا تم استبدال ذلك بـ «الحركة الدينية الجديدة» منذ سبعينيات القرن العشرين. وعلى الرغم من أن هذا المسمى لا يعطي الدلالات ذاتها المتضمنة في مصطلح «فرقة»، إلا أن استخدامه ينطوي على مشكلتين، تتمثل أولاهما أن معظم الجماعات غير المذهبية ليست جديدة، وحتى الجديدة منها لا تعتبر نفسها كذلك، فحتى جماعة «ووتانسفولك» التي تأسست في أمريكا عام 1995 ترى نفسها على أنها تحيي عبادة الإله الإسكندنافي ووتان (أودين)، والذي كان يعبد منذ آلاف السنين.

وعلى نفس المنوال ومع أنه لم يكن هناك وجود الجماعة شهود يهوه قبل عام 1931 إلا أنهم يعتبرون أنفسهم أتباعاً لمسيحية القرن الأول، والتي يعود تاريخها إلى أيام انتشار تعاليم المسيح التي كانت سائدة منذ قرابة ألفي عام.

أما المشكلة الثانية فتتمثل بكون مصطلح «الحركة» يحمل بعض التناقضات مع طبيعة هذه الجماعات أو الفرق، حيث من الممكن أن يشير مسمى الحركة إلى مجموعة عامة، مثل حركة ما بعد الانطباعية أو حركتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر، والمكونتان من شبكة تجمع أكثر من 190 منظمة محلية مختلفة، وعلى نحو مغاير قد يشير اسم الحركة إلى مجموعة أو منظمة مستقلة بذاتها. فمثلاً تعمل جماعة «ووتانسفولك» على تشكيل مجموعات منعزلة توجد غالباً في السجون الأمريكية، أما شهود يهوه فهي منظمة رسمية، وهذا ماي يثبت أن مصطلح «الجماعة الدينية غير المذهبية» أكثر ملاءمة من مصطلح «الحركة الدينية الجديدة» أو «فرقة».

وقد تم وصف السلفية حيناً بأنها «فرقة» وتارة بأنها «الحركة الدينية الجديدة للإسلام» وهو العنوان الفرعي لكتاب علمي يتناول هذا الموضوع. لكن الآثار المترتبة على هذا التوصيف لم تتضح بعد، وهذا ما يسعى البحث الحالي لدراسته، حيث يتناول السلفية من حيث خصائص الجماعات الدينية غير المذهبية.

وهذا هو أحد الأسباب التي توضح اختلاف السلفية عن الوهابية، وهي المذهب السائد في المملكة العربية السعودية، على عكس السلفية التي توصف بأنها جماعة دينية غير مذهبية. وعلى غرار شهود يهوه، فإن السلفيين لا يمثلون مذهب بحد ذاته، فهم مختلفون في بعض النواحي عن الطوائف السائدة في الأماكن التي يتواجدون فيها، وبالتالي فإن حالة من التوتر تهيمن على علاقتهم مع تلك الطوائف. ففي حين أن بعض السلفيين ينتمون للسلفية كونهم ولدوا بالأصل لعائلات سلفية، إلا أن معظم أتباع السلفية ينضمون لها طواعية، ويتطلب منهم البقاء ضمن التيار السلفي جهداً وتصميماً وإرادة وهذا ما يشكّل منبع قوة السلفية.

كما أنه من الضروري للجماعة الدينية غير المذهبية أن تنشئ هوية مستقلة تميزها عن غيرها من الطوائف بل وتحافظ عليها، وإلا فستندمج في الطوائف المحلية السائدة وتتلاشى لتفقد هويتها المتفردة. علماً بأن إنشاء هوية مستقلة والحفاظ عليها أمرًا يحدث تلقائيا بطريقة ما، وليس بالضرورة نتيجة لعملية مخطط لها، وهو ما يتوافق مع ما يشير إليه علماء الاجتماع بديناميكيات الجماعة الداخلية والخارجية، أو «المحافظة على الحدود». والتي تعني «العملية التي يتم من خلالها الحفاظ على هوية نظام اجتماعي معين والحفاظ على نمط تفاعل
خاص».

ويتمحور المغزى الأساسي من وجود ديناميكيات الجماعة الداخلية والخارجية في التمييز بين الأعضاء داخل الجماعة والأفراد من خارجها وهذا ما يتطلب بطبيعة الحال نقدا لهؤلاء الأفراد وبحسب ما هو متعارف عليه، يمكن تعزيز الهوية الداخلية لأي جماعة من خلال مقارنتها بالغير وذلك من منطلق أن ما يرسخ هويتها كجماعة مستقلة هو مدى تمسكها بما يميزها عن الآخرين، وهذا المفهوم ينطبق على كافة أنواع المجموعات البشرية، بدءاً من الدول ووصولاً إلى فرق كرة القدم، وليست الجماعات الدينية غير المذهبية مثل السلفيين استثناء عن هذه القاعدة. وعلى هذا النسق يخصص السلفيون الكثير من الوقت والجهد في انتقاد الأفراد الذين لا ينتمون إلى توجههم الديني، وينشرون ما يسميه هيكل «خطاباً قوياً بهدف إصلاح المسلمين الذين يخالفونهم بالمعتقدات».

وقد ينجح السلفيون أحيانًا في تحقيق تلك الإصلاحات بين المسلمين غير السلفيين، ولكن بغض النظر عما إذا نجحوا أم فشلوا، فإن «خطابهم «القوي» يبعدهـم دائمـا عـن الجماعات الدينية الأخرى لكنه يعزز في نفس الوقت من التماسك والالتزام بالهوية السلفية بين أعضائها.

وتتضمن الديناميكيات الداخلية عموماً الالتزام بمظاهر معينة، عادة ما تكون واضحة للعيان، لاسيما الملابس. وهذا ما ينطبق أيضاً على مختلف أنواع المجموعات البشرية، فنجد أن أفراد الشرطة يرتدون زياً موحداً خاصاً بهم، في حين يرتدي مشجعو كرة القدم قبعات وأوشحة خاصة بالفريق الذي يشجعونه، وعلى هذا المنوال، وكما يشير هيكل. «يمكن التعرف على السلفي فوراً من خلال لباسه المميز والعادات الاجتماعية والدينية التي يتبعها
وحركاته خلال الصلاة ومحتوى خطاباته وطبيعتها».

يتألف اللباس السلفي للرجال عادة من ثوب قصير يصل إلى ما بين الركبة والكاحل أو سراويل بنفس الطول أحياناً، كما يتميزون بإعفاء اللحى إلى طول معين، أما بالنسبة للنساء، فعادة ما يكون لباسهن النقاب الذي يغطي الوجه والشعر وسائر الجسد.

كما أن للسلفيين طريقة مميزة عن غيرهم في الصلاة كما أشرنا أعلاه. لكن القضية هنا لا تتمثل في أن السلفيين يرتدون ملابس معينة هادفين بذلك لتأسيس هوية مستقلة أو الحفاظ على الحدود بينهم وبين غيرهم، بل تكمن في أنهم يرتدون ملابسهم هذه لأنهم يعتقدون أنها الزي الرسمي الواجب على المسلم ارتداؤه، ومع ذلك، ينطوي على ارتداء هذا الزي نوع من الحفاظ على الحدود بينهم وبين غيرهم ويختلف شهود يهوه عن السلفيين في هذا الشأن إذ يرتدون ملابس تفوق اللباس السائد أناقة، ولكن ليس إلى الحد الذي يميزهم عن سائر المجتمع الذي يعيشون فيه.

إن قدرة أي جماعة دينية غير مذهبية على البقاء على قيد الحياة لا يعتمد فقط على الالتزام بهويتها والانتماء لها، بل يعتمد أيضاً على التوترات الناجمة عن الممارسات الصارمة التي تتبعها وبحسب ما خلص إليه رودني ستارك ولورانس ر. إياناكون عام 1997 حول أسباب نمو حركة شهود يهوه، فإنه «من المرجح أن تنجح الحركات الدينية الجديدة إلى الحد الذي تحافظ فيه على مستوى معتدل من التوترات مع البيئة المحيطة بها….. هذه الحركات صارمة، لكنها ليست متزمتة، فالصرامة تجعل الجماعات الدينية قوية نظراً لسهولة معرفة الانتهازيين
وبالتالي زيادة معدل الالتزام بين أفراد الجماعة».

ويقصد بـ «الانتهازيين» هنا حسب وجهة نظر هذه الجماعات الأفراد الأقل اقتناعاً والتزاماً بهوية الجماعة وممارساتها، وبغياب هذا النوع من الأفراد يزداد التزام بقية الأفراد، كما يزداد شغفهم والطاقة التي يبذلونها لصالح الجماعة ونشاطهم في ضم أفراد جدد. وهنا يقول ستارك وإيانا كون: «عندما يتطلب الانضمام لمجموعة ما مستوى أعلى من الالتزام فإن ذلك ينعكس على مستوى تفاعلهم والتزامهم بديناميكيات المجموعة. فقد يبدو الأمر متناقضاً أنه كلما زادت الالتزامات ضمن المجموعة، زادت المكاسب المحصلة»، لكن فعلياً هذا هو الواقع وهذا ما ينطبق على السلفيين وعلى شهود يهوه على حد سواء.

وتجدر الإشارة هنا إلى وجود حالة من التوتر العام بين السلفيين وأتباع الإسلام السني السائد، تهيمن على المناطق التي يعيشون فيها سوية، بينما يعيش السلفيين المقيمين في الغرب توترا مماثلا مع المجتمعات غير المسلمة. ويتجسد هذا التوتر أحيانًا على شكل اضطهاد
من قبل السلطات التي تمثل الفئة السائدة المعترف بها رسمياً. ويمكن لهذه السلطات في العالم الإسلامي أن تشكك في كافة الجماعات السلفية بسبب ارتباط بعض السلفيين بالعنف المتطرف. وهنا يمكن الاستشهاد بما قاله أحد السلفيين المصريين لبوليا رفيتش: «كيف يمكنك أن تسلك سبيل الحق دون أن يضايقك الظالمون؟ إنهم يكرهون الصلاح ونحن نحبه، لذا من الطبيعي أن يضايقوننا».

وعلى نحو مماثل، فقد تعرض شهود يهوه أيضاً للمضايقة من قبل العديد من الدول حتى عهد قريب جداً، فقد حكم على مؤسسها بالسجن 20 عاما في الولايات المتحدة عام 1918 (على الرغم من إطلاق سراحه بعد عام). واستمر شهود يهوه بالتعرض للضرب بشكل دائم من قبل الشرطة البرتغالية حتى سبعينات القرن العشرين. أما في بلجيكا، فقد كان إرسال كتاباتهم بالبريد ممنوعاً بموجب القانون حتى ثمانينيات القرن العشرين، كما لم تسمح لهم فرنسا باستخدام الطباعة الملونة حتى عام 1991 ويعمل هذا النوع من الاضطهاد من الناحية العملية على جعل الأفراد الأقل التزاماً ينسحبون من تلك الجماعات، ويسهم في تعزيز هوية وتماسك من تبقى في صفوفها.

يلتزم السلفيون عادة بضوابط صارمة إلى حد بعيد مقارنة بالضوابط التي يلتزم بها غيرهم فهم يمتنعون عن الاستماع لمعظم أنواع الموسيقى ومشاهدة التلفاز والتدخين وحضور حفلات أعياد الميلاد، فعلى سبيل المثال، عندما طلب شاب كان يدرس على نفقة والده الذي جمع جزءاً من ماله من الفائدة «الربوية» رأي الألباني، نصحه بترك دراسته وكسب رزقه بالحلال «بكد يمينه وعرق جبينه».

وفي مسألة تحديد النسل، أجاز الألباني ذلك فقط لأسباب صحية تتعلق بضعف الزوجة، معتبرا الدوافع المادية غير مبررة، إذ يفترض بالمسلمين ألا يخشوا الفقر لثقتهم بأن الله قد ضمن لهم رزقهم.

من هذه الأمثلة، تلاحظ أن مواقف الألباني كانت صارمة جدا. وعلى الرغم من أن شيوخ المذهب السني السائد قد لا يختلفون بشكل كامل مع المبادئ التي استند إليها الألباني في إجاباته، إلا أنهم ربما يتبنون مقاربة أكثر مرونة في تطبيق هذه المبادئ وتجدر الإشارة مرة أخرى أن النقطة المركزية في هذا النقاش لا تتمحور حول امتناع السلفيين عن بعض المحرمات فقط لمجرد رغبتهم بمخالفة الآخرين بل لإيمانهم بأن المسلمين يجب أن يجتنبوا هذه المحظورات.

ومن الجدير بالملاحظة هنا أن هذه الممارسات تسهم بشكل أو بأخر في تعزيز الانسجام والوحدة بين أتباع السلفية عبر ردع الأفراد الأقل التزاماً من الإقدام عليها وهو ما يساعد في فهم استمرارية شعبيتها. من ناحية أخرى، لا يعد مصادفة أن شهود يهوه، الذين يعتمدون على مبادئ دينية مختلفة تماماً عن السلفية، يمتنعون بشكل عام عن الاستماع للموسيقى ومشاهدة التلفاز والتدخين وحضور حفلات أعياد الميلاد.

فعلى الرغم من تسامحهم بشكل نسبي أكثر من السلفيين فيما يتعلق بموضوع الاستماع إلى الموسيقى. تم فرض بعض القيود خشية وجود تبعات اجتماعية إلى جانب كونها خلافاً لقواعدهم الدينية. وبالتالي، يكمن جزء كبير من شعبية السلفية في الإحساس العميق بالهوية والانتماء الذي توفره، لكن هذا الإحساس ليس العامل الوحيد لشعبيتها فالسلفية، مثلها مثل بقية الجماعات الدينية غير المذهبية تتميز بالهوية المستقلة والانتماء حيث تستمد هذه الجماعات مصدر قوتها من هويتها ومن التوترات القائمة بينها وبين مذهب الأغلبية الأمر الذي يثني ضعاف القلوب عن الانتماء لهذه الجماعات ويزيد من التزام اتباعها.

2.4 التفسيرات الظرفية

تنطبق التحليلات الفكرية والاجتماعية التي نوقشت أعلاه على التيار السلفي ككل بغض النظر عن مناطق وجوده ومع ذلك، هناك تفسيرات خاصة تنطبق فقط على أماكن معينة وفي أوقات معينة دون غيرها، وتحتاج هذه التفسيرات إلى بحث معمق ومكثف ليس من السهل دائما القيام به لكن يتمثل التفسير الظرفي الأكثر تداولاً لشعبية السلفية في أن المملكة العربية السعودية وعلى مدى العقود الأخيرة كانت «تروج للسلفية». وذلك من خلال تقديم التعليم الديني للطلاب من كافة أنحاء العالم الإسلامي. لكن حقيقة يعتري هذا التفسير ثلاث اشكاليات تكمن أولاها في أن المملكة العربية السعودية قد روجت للوهابية، وليس للسلفية التي تعدّ جماعة دينية غير مذهبية، والمشكلة الثانية أن العديد من الجماعات السلفية الناجحة في جميع أنحاء العالم لم تتلق أي تمويل من المملكة العربية السعودية أو أي جهة أخرى، أما المشكلة الثالثة فتتمثل في أن السلطات السعودية في الواقع اتخذت إجراءات صارمة ضد السلفية. وهذا ما بدا واضحاً بالنظر إلى أن إحدى الجماعات السلفية القديمة بقيادة جهيمان العتيبي والتي تمردت ضد الدولة السعودية عام 1979 وحاولت الاستيلاء على المسجد الحرام في مكة. كما تولى الألباني تدريس الحديث لمدة ثلاث سنوات في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في أوائل ستينيات القرن العشرين، لكن في نهاية تلك المدة كان قد خلق الكثير من الجدل لدرجة أنه لم يتم إعادة تعيينه في منصبه. وبالتالي فإن إلقاء اللوم على المملكة العربية السعودية لا يساعد في تفسير شعبية السلفية. لكن هذا لا يعني أن التمويل لم يكن عاملاً مهما أبداً في تصاعد شعبية السلفية، فقد أظهرت الدراسات المتخصصة في تحليل أسباب سطوع نجم السلفية في شمال لبنان على سبيل المثال مدى أهمية التبرعات الأجنبية في دعم السلفية اللبنانية، لا سيما خلال فترة كانت فيها المؤسسات السنية السائدة في لبنان تعاني من نقص الموارد المالية والبشرية، حيث لم تستطع دار الفتوى وهي المؤسسة السنية العلياء توظيف عدد كاف من الموظفين لأداء الواجبات الدينية العامة مثل إلقاء خطب الجمعة والمحاضرات الدينية وإصدار الفتاوى وتقديم النصح والإرشاد بشكل عام.

وقد أتاح التمويل الخارجي الذي تلقاه السلفيون القدرة على دفع رواتب شهرية قدرها 1000 دولار للدعاة عام 2016، ومع أن ذلك لا يعد مبلغاً كبيراً، إلا أنه أفضل بكثير من الراتب الذي يبلغ 100 دولار، والذي كان جل ما تستطيع دار الفتوى تقديمه لموظفيها، وبحسب ما لاحظه الباحثان ستارك وإياناكون في حالة شهود يهوه حين تتساوى المؤسسات والتيارات الدينية في كافة العوامل الأخرى، ستلعب عوامل الحداثة ومخالفة النهج التقليدي دوراً في ازدهار المؤسسات أو التيارات الدينية الجديدة وغير التقليدية إلى الحد الذي تتنافس فيه مع نظيراتها التقليدية المحلية الضعيفة» لذا فإنه من المؤكد تفوق السلفيين في شمال لبنان بمنافسة «دار الفتوى» الضعيفة.

وقد كان لهذا السياق اللبناني الفريد على وجه الخصوص دور أكثر أهمية، فقد أدى غياب الدولة اللبنانية عن المناطق الحضرية الفقيرة مثل طرابلس إلى خلق بيئة مواتية لتنامي قوة سماسرة السلطة المحليين الذين يرتدون رداء السلفية لإضفاء الشرعية على سلطتهم. وتشير الأبحاث التي أجراها العالم السياسي رافائيل لوفيفر إلى أن السلفية المتنفذين على المستوى المحلي لم يلتزموا بشكل كامل بكل ما تحظره السلفية حيث يرى لوفيفر أن السلفية في هذه الحالات قد تؤدي ببساطة نفس الدور الذي قامت به اللينينية الماركسية لدى الجيل السابق.

تشير هذه الدراسات إلى أهمية العوامل الظرفية المحلية في تصاعد شعبية السلفية إلى جانب التفسيرات الأكثر عمومية المذكورة أعلاه، ومن المؤكد أن تحليل كافة العوامل الظرفية في جميع أنحاء العالم الإسلامي سيؤدي للوصول إلى استنتاجات مهمة، بيد أن البيانات اللازمة لإجراء هذا النوع من التحليلات غير متاحة في معظم الحالات، وسيكون من الضروري توفير حيز أكبر بكثير من إطار هذا البحث لمناقشتها، لذا سيكتفي هذا البحث بالإشارة إلى أهمية العوامل الظرفية المحلية بدلاً من العمل على تصنيفها.

ىلا

3.0 الخاتمة

قد تبدو السلفية من الناحية الفكرية أكثر «أصالة» من مذاهب الاسلام الأخرى، نظراً لقدرة السلفيين على تقديم حجج قوية ومنطقية وأدلة وافية في المناظرات الدينية. وغالبا ما يشارك السلفيون في مناظرات ونقاشات مع مسلمين آخرين ينتمون إلى مذاهب أخرى لكنهم يفتقرون إلى المعرفة الواسعة بأسس الإجماع الشرعي في موضوع النقاش وإلى التدريب اللازم للدفاع بشكل فعّال عن هذا الإجماع وأسسه جدير بالذكر هنا أن الجاذبية الرئيسية للسلفية لا تكمن فقط في بساطتها، كما يقترح البعض، بل أيضاً في فعالية الأساليب التعليمية التي تقدمها حلقات العلم السلفية.

كما يمكن أن تساعد العولمة وما يصاحبها من تشويش فكري لدى البعض في تفسير شعبية السلفية، وليس المقصود هنا أن العولمة تجعل السلفية جذابة – فهذا غير صحيح – ولكنها تزيد من شعبية الدين وجاذبيته بشكل عام، وهذا ما يستثني العولمة من قائمة التفسيرات المنطقية لهذه الظاهرة.

لكن يبقى العنصر المجتمعي لدى السلفية العامل الأكثر أهمية من بين كافة العوامل المذكورة، سواء على المستوى العام لهوية السلفيين باعتبارهم حسب ما يرون أنفسهم أعضاء «الفرقة الناجية» أو حتى على المستوى الاجتماعي، فالسلفية باتت نموذج للجماعات الدينية غير المذهبية. يتميز السلفيون، شأنهم شأن شهود يهوه بامتلاكهم هوية مستقلة تعيش في توتر مع الطوائف السائدة، ولعل هذا ما يعزز الانسجام والتآلف بين أفرادها. ويؤدي أيضاً إلى زيادة صرامة تعاليمها، والتي تقصي الأفراد الأقل التزاماً، مما يزيد من مستوى تآلف أفرادها المتبقين. وفي الختام، يمكن القول أن الظروف المحلية مهمة أيضاً في تفسير شعبية السلفية، كما هو الحال عندما يتلقى السلفيون تمويلاً أكثر مما يتلقاه غيرهم من الطوائف السائدة، وتجدر الإشارة هنا أن الظروف المحلية تختلف اختلافاً كبيراً بين منطقة وأخرى.

3.1 التوصيات

تنظر العديد من الدول إلى السلفية بعين الريبة، ولهـا الحق في ذلك، فالسلفية تمثل توجها دينياً يجب على جميع الدول الملتزمة بالحرية الدينية حمايته كما هو الحال بالنسبة لأي توجه ديني آخر، ومن ناحية أخرى. يمكن للسلفية أن تساهم في نشوء العنف المتطرف (على الرغم من أنها لا يمكن أن تتسبب به بمفردها).

ولكن حتى عندما لا تسهم في ذلك، فإنها قد تزيد من صعوبة تحقيق بعض أهداف التنمية الاجتماعية، مثل تعليم الإناث وتوظيفهن.

ويقدم التحليل الذي طرحه هذا البحث توصيتين رئيسيتين:

التوصية الأولى: بما أن السبب الرئيسي في ظهور التأويلات السلفية مظهر الأصالة أكثر من تأويلات الطوائف السائدة يكمن في استعداد السلفيين أكثر من غيرهم لطرح أدلة تدعم تأويلاتهم ومناقشتها، يجب تقديم المزيد من الدعم للتعليم الإسلامي المبني على إجماع المذاهب، حيث سبق وأن تم إطلاق مبادرات مماثلة في السابق لكنها بائت بالفشل إذ لم يكن العلماء الذين استفادوا من الدعم مستعدين بشكل كاف للتعامل مع هذه المهمة، وكانوا في بعض الأحيان يفتقرون إلى الالتزام والعزيمة، كما فشلوا حيناً آخر لشنهم هجمات مباشرة على السلفية، فانخرطوا في مناظرات كان من الصعب عليهم الفوز بها، الأمر الذي أدى إلى نتائج عكسية بسبب حالة التوتر القائمة بين أفراد الجماعة ومن سواهم، وهو ما قد يزيد في الواقع من قوة الجماعات الدينية غير المذهبية. لذا ينبغي تجنب تكرار هذه السيناريوهات، ويجب التركيز بدلا من ذلك على دعم مجموعات نشر العلم التي تماثل في جودتها السلفية مع التشديد فيها على أهمية التعليم وطلب العلم تماماً كما تفعل السلفية بحيث يكون محور التركيز على إجماع المذاهب بدلا من إجماع السلف.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن هناك مبادرات قائمة لتشجيع الخيارات البديلة عن السلفية، مثل مبادرات دعم الدعاة “التقليديين الجدد والتعاليم الصوفية”، حيث ينبغي مواصلة دعم هذه المبادرات علماً بأن هناك حاجة إلى المزيد منها، لأنها في الواقع لا تروي التعطش للمعرفة بالقدر ذاته التي تفعله مجموعات طلب العلم السلفية.

لكن هنا ينبغي توخي الحذر، لأن المحاولات السابقة لدعم مجموعة ضد أخرى نتج عن بعضها عواقب غير متوقعة. فقد دعمت بعض الدول السلفية كبديل لجماعة الإخوان المسلمين، تماماً كما دعمت بعض الدول سابقاً الإخوان المسلمين كبديل للماركسية، لذا ينبغي توخي الحذر لضمان ألا تتطور الجماعات التي يتم دعمها كبديل للسلفية لتصبح ذات طبيعة إشكالية. وبما أن تداعيات العولمة لا تؤدي مباشرة إلى تنامي شعبية السلفية، بل إلى زيادة مستوى التدين بشكل غير مباشر، لن نقدم أي توصيات دقيقة في هذا الصدد.

التوصية الثانية: بما أن السلفية تستمد جزء كبير من قوتها ومرونتها ومن طبيعتها غير المذهبية والتي ترسخها كفاءة جهودها في الحفاظ على الحدود بينها وبين المجتمع، إلى جانب حالة التوتر المعتدل التي تعيشها مع محيطها، والصرامة في تعاليمها، من الأفضل الامتناع عن أي أفعال يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التوترات، كما إنه ليس بالإمكان فعل الكثير لمنع السلفية من الحفاظ على حدودها أو تقليل درجة صرامة تعاليمها.

ويجب الاعتراف بأن تبنّي مجموعات طلب العلم غير السلفية لبعض الصرامة لن يكون أمراً سيئا، بل قد يكون جيداً إلى حد ما.

بالإضافة إلى ذلك من الضروري تجنب تأجيج التوترات والبحث عن استراتيجيات فعالة للتعامل مع النفوذ الذي تكتسبه السلفية، حيث تكمن الطريقة الأكثر فعالية في التعامل مع القوة التي تستمدها السلفية من طبيعتها غير المذهبية في تشجيع ما يسميه علماء الاجتماع «المذهبية»، حيث يصف هذا المصطلح العملية التي تتحول من خلالها جماعة دينية غير مذهبية إلى طائفة. ومن الأمثلة الواقعية على هذه العملية طائفة المورمون (المعروفة رسمياً باسم كنيسة يسوع المسيح لقديسي اليوم الآخر) في الولايات المتحدة، حيث كانت المورمونية في الأصل تعيش حالة توتر شديد مع المجتمع الأمريكي السائد، وخاض المورمونيون ثلاث حروب بين عامي 1838 و1872.

ولكن مع مرور الزمن أصبح المورمون طائفة مقبولة إلى حد ما في الولايات المتحدة مقارنة بالكنائس الأرثوذكسية الشرقية، ويعود السبب في ذلك إلى أن المورمون قد غيروا من نهجهم تزامنا مع تغيير الطرف الآخر نهجهم تجاه المورمون.

وعلى نفس المنوال، يمكن للسلفيين أن يتحولوا ليصبحوا مذهباً أيضاً، ويعني ذلك في حالتهم أن تصبح مقبولة بصفتها جزءاً من الإسلام السني العام، أو الإسلام الوهابي في بعض البلدان. لذا، ينبغي القيام بكل ما هو ممكن لتشجيع هذه العملية وكبداية يمكن توجيه بعض الاعتراف والدعم المقدم حالياً للمؤسسات السنية غير السلفية إلى الدعاة والجماعات السلفية، قد يبدو هذا الحل غير منطقي لدى البعض، إلا أن التجربة أظهرت أن المذهبية نهج نافع في هذا الصدد. وفي الوقت ذاته، فإن الاقتراح القائل بدعم حلقات العلم غير السلفية كبديل لنظيراتها السلفية والذي سلف طرحه في متن هذا البحث، واقتراح دعم الدعاة والجماعات السلفية المطروح أعلاه لا يمثلان استراتيجيتين متناقضتين، بل هما استراتيجيتان يكمل كل منهما الآخر.

اشترك في نشرتنا البريدية للإطلاع على ملخص الأسبوع

Blank Form (#5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

طالع أيضا