من المآسي المنسية في زماننا، تلك التي إذا طال أمدها تصبح أمراً واقعاً ومستساغاً، فلا يكاد أحد يبذل جهداً لإيجاد حل لها إلا القليل النادر، والغالبية تكتفي بالتبرم العابر من الوضع القائم من آن لآخر.
“مخيم الهول” باكتظاظه، وتردي الأوضاع المعيشية والأمنية فيه، ولا اكتراثية الدول في تعاملها مع ملف استرداد رعاياها القابعين فيه هو من جنس تلك المآسي.
ثم هناك عامل التعتيم الإعلامي.
يظهر كل مدة تقرير مرئي مختصر، ذراً للرماد في العيون، يردد ما قيل عشرات المرات قبل ذلك: الأوضاع في المخيم سيئة ثم لا شيء.
هذا إن تجاوزنا الحديث عن التوظيف الإعلامي الساقط لبعض القنوات المأجورة التي تقدم مادة تصفها بـ”الإخبارية”، وهي بالأحرى “استخباراتية”، تناسب أجندات أربابها ضاربة بعرض الحائط المهنية الصحفية والمصداقية والنزاهة في نقل الحقائق وحفظ حقوق الإنسان، ذلك الشعار البراق الذي لطالما انتهكت دعواته بأيدي من يحاضر عنه!
نبذة مختصرة عن مخيم الهول
يقع مخيم الهول بمحافظة الحسكة شمال شرق سوريا في منطقة تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتعد قسد الحليف العسكري الأهم للولايات المتحدة الأمريكية في سوريا.
وبالإضافة إلى إيواء المخيم لعدد كبير من النازحين، فإنه يشكل أيضاً معسكر احتجاز مفتوح لعشرات الآلاف من عوائل مقاتلي تنظيم الدولة من النساء والأطفال والذين يقدر عددهم المخيم بأكثر من خمسين ألفاً.
وتتولى قسد إدارة المخيم وتأمينه تأميناً واهياً ريثما يتم البت في أمر المحتجزين فيه، وهو ما لا تبدي عامة الدول استعداداً للقيام به.
طيف عريض من ألوان الاضطهاد
تخضع المحتجزات في هذا المخيم، إن لم يكن المعتقل، لشتى أنواع التضييقات وأساليب الاضطهاد، منها ما هو من نوع الحقد العقدي، ومنها ما هو عبثي لمجرد الإيذاء والغطرسة.
فيُمنع في بعض مناطق الاحتجاز ارتداء النقاب واللباس الأسود بحجة أنه زي مؤدلج، كما يُمنع ارتداء الماسك الطبي والدخول إلى سوق المخيم به حتى في حال المرض وخشية العدوى.
أما حملات التفتيش فلا تتوقف، وتحدث بشكل يومي، وإذا تم اكتشاف جوال في إحدى الخيم، فيتم اقتياد صاحبته إلى السجن حتى وإن كان معها أطفالها، فهذا لا يشفع لها، وقد تبلغ مدة عقوبة حيازة الجوال 4 أشهر أو تزيد عن ذلك أو تقل.
لا تتلقى المحتجزات أية مساعدات مالية، كما لا يُسمح لهن بمعرفة مصير أزواجهن، أحياء هم أم أموات. وإن كانت بقيت هناك وسيلة لاستقبال المال يسمح بها فإنه لا يصل لهن إلا ما ندر.
هذا دون الحديث عن غلاء المعيشة في المخيم وحاجتهن لدفع مكلف حتى لاحتياجاتهن الضرورية كالتطبيب والعلاجات، ما يجعل من حياتهن قاسية ومرهقة.
ولم تقف الانتهاكات عند حقوق النساء، بل وصلت للأطفال أيضا، حيث يتعرض الصبيان قبيل البلوغ -والذين تعتبرهم قسد تهديداً أمنياً- إلى خطر مدارس التأهيل بتدريس وفق مناهج تخدم الأهداف الأمريكية، ليتم إعدادهم للتجنيد القسري أو الاحتجاز في سجون الرجال إلى أجل غير مسمى بذريعة إخضاعهم لعملية “إعادة التأهيل”. على غرار معتقلات الشيوعية في الصين بحق الإيغور المسلمين.
“لماذا لا يتحدث عنا أحد؟”
تقول إحدى شاهدات العيان بالمخيم: “صار لنا وقت طويل هنا، وماتت الكثير من الأخوات”. “هناك مقبرة في المكان”.
“وكل طرف يلقي باللوم على الآخر. تقول لنا قسد أن دولتكم لا تريد استعادتكم؛ وتقول لنا دولتنا أن قسد لا يريدون أن يسمحوا لكم بالذهاب، هل يريدون الحصول على مبلغ من المال مقابل إعادتنا؟ لا أعرف! … هو قدر الله”.
وأضافت: “لا تتحمل قسد تكاليف العلاج للمرضى. نحن من ندفع ثمن كل شيء، وكل شيء في المخيم ثمنه أغلى من الخارج”.
“يوجد الكثير من الاستغلال هنا، وقد ضاقت الكثيرات ذرعاً بهذا”.
“الأمر بالنسبة لقسد تجارة، نحن غير مهمين ولا نحصل على أي من حقوقنا، المال فقط هو ما يهمهم”.
“كنت أتساءل عندما أبحث الأخبار لماذا لا يتحدث عنا أحد؟ هل نحن نستحق هذا؟ “.
“لقد فهمت بعد وقت طويل لماذا نحن هنا؛ بس بعد وقت أقول كم من المسلمين في الدنيا سيذكروننا! لا أحد يذكرنا لا أحد!”.
تأتي هذه التصريحات من إحدى الأسيرات في المخيم، لتقدم الجانب الذي يتكتم عنه الإعلام عند ذكر واقع المخيم والأسيرات فيه، وهي صيحة نساء وأطفال حرمن كل حقوقهن بشكل تعسفي وإجرامي، يعارض حتى القوانين الدولية التي يتشدق بها المجتمع الدولي ومؤسساته التي ترفع شعارات حقوق المرأة والطفل.
وإلى أن يسمع أصواتهن المبحوحة أصحاب الضمائر الحيّة، تستمر معاناة هذه الأسر في صمت، بينما تحظى المستوطنات الصهيونيات في فلسطين المحتلة بكامل التعاطف والتباكي. ومثلهن الشاذات والنسويات والمتمردات المرتدات عن دين الإسلام، الفارات من البلاد الإسلامية لبحث حياة الانحلال والرذيلة في بلاد الغرب. فهذه هي الشريحة المعنية بحقوق المرأة في جدول أعمال المجتمع الدولي وأجندته.
وفي الواقع لا ينتظر من مجتمع دولي محارب ومنافق أن ينصف هذه الأسر وإنما المسؤولية تقع على المسلمين الذين يشاهدون كيف يتم اعتقال النساء المسلمات والأطفال بوحشية، منذ أكثر من 6 سنوات ولا يحرك أحد ساكناً لمجرد استنكار هذا الطغيان الأمريكي والقسدي الذي يتستر بحجة مكافحة ما يسمى الإرهاب.
اترك تعليقاً